الديمقراطية: الوجه الآخر للإصلاح ! !
مصطفى عبدالله الونيسي.
ounissimustapha@hotmail.fr
تقديم : لعله من المفيد أن ننبه القارئ الكريم ،بادئ ذي بدء،إلى أن المقصود في هذا المقال ليس موضوع [ الديمقراطية] في حد ذاته ، لأن ذلك في تقديرنا لا يمكن أن يتسع له مجرد مقال ،و إنما المقصود هو محاولة بيان كيفية طرقنا و تناولنا للموضوع ،أي بلغة أخرى توضيح المنهجية التي نقترحها لدراسة الديمقراطية . فهذا المقال لا يعدو أن يكون مجرد طرح عام لإشكالية الديمقراطية في واقعنا العربي و الإسلامي.
الديمقراطية: من الغلبة إلى الشورى،ومن الشمولية إلى التعددية :
يكاد يُجمع الباحثون الجادون اليوم على أن الأنظمة الديمقراطية و التعددية ة خاصة في صورتها المعاصرة ولو على خلفية علمانية هي ،موضوعيا،أقل الأنظمة سوءا إذا ما قارناها بغيرها من الأنظمة الشمولية و الاستبدادية سواء كانت هذه الأنظمة ملوكية أو رئاسية أو عسكرية ….
و تداركا لما سببه غياب النموذج الإسلامي ألأمثل للحكم، من مآس ودماء و فراغ سياسي وصمت مُطبق و رتابة مملة وغير عادية بالمرة كما هو حالنا في الوقت الراهن من ناحية ،و بحثا عن التطوير و التحسين لبدائلنا السياسية و الاجتماعية في إطار ثقافتنا العربية و الإسلامية ،و اختراقا لهذا الصمت وكسرا لهذه الرتابة و اهتماما بما يحقق سعادة الإنسان وكرامته بصفة عامة من ناحية ثانية ،رأينا من المناسب و المفيد أن نتناول ، بقد ر ما تسمح به إمكانياتنا المتواضعة و ظروفنا الموضوعية، بالتأمل و النظر موضوع [الديمقراطية]كنظام و أسلوب للحكم و أداة للتغيير و التحسين و إدارة الإرادة الشعبية العامة بالطرق السلمية و مُحاربة الاستبداد ، أنى كان شكله وصورته ، من منظور إسلامي حتى نقف على مدى انسجام هذا الأسلوب في الحكم مع روح التشريع الإسلامي و مقاصده من عدمه . و لأن الديمقراطية ،كمعطى حقيقي نظري و ميداني في نفس الوقت،قد فرضت نفسها في الواقع الغربي كممارسة سياسية متقدمة و نوعية ،فإن دراستها بأكثر جدية من خلال منطقها الداخلي ،الذي يمثل روحها و جوهرها ،عبر تحليل مفرداتها و تفكيك مركباتها هي عملية ضرورية و حيوية من أجل المسك بجُملة أطرافها واستيعاب منطلقاتها التاريخية و فهم خصائصها و أبعادها و معرفة مدى إمكانية الاستفادة منها و الاستنارة بها في أدارة شئوننا السياسية العامة في بلداننا العربية والإسلامية التي لا تزال تبحث عن ذاتها و عن دورها الذي يجب أن تلعبه بين الأمم. و الذي يهمنا بالأساس في الديمقراطية ،ليس هو المصطلح و إ نما هو المضمون ولذلك فنحن نناقشها باعتبارها عقلية و أفقا واسعا ومُنفتحا يسمح بالأخذ و العطاء ابتداء. و نناقشها، أيضا، باعتبارها خيارا أوليا لنمط من أنظمة الحكم ،برغم ما قد يُقال فيها،مُغايرا لأنظمة الحكم الاستبدادي و الشمولي . فدراسة الديمقراطية و فهمها و فهم آلياتها يساهم بل و يؤدي إلى توضيح المواقف و تجذيرها إزاء الاستبداد بكل أشكاله و صوره،وهو ما يعني في كل الأحوال الانتهاء إلى استنباط و اقتراح صور أخرى بديلة هي أفضل وأجمل وأعدل وأرحم في إدارة الشأن العام و التداول على السلطة بعيدا عن إراقة الدماء والإنفراد بالحكم و احتكار وسائل القهر و الغلبة . مُرادنا هو القضاء على الاستبداد و الدفاع عن حريتنا و كرامتنا ،المُنتهكتين و المهد ورتين في أوطاننا العربية و الإسلامية ،و من شروط تحقيق ذلك إرساء نظام سياسي عادل يكون مركز الثقل فيه للمجتمع و مؤسساته المدنية و تكون الأولوية فيه مُتجهة نحو استنباط حلول جذرية و شرعية لقضية التمثيل و التناوب على السلطة على خلفية القضاء على الفساد و تحقيق العدالة والتنمية و صيانة الحريات العامة و الخاصة في أطار دولة القانون و المؤسسات . هذه الأهداف وغيرها ، لو تحققت ، لمثلت في جوهرها ،تقريبا، الوجه السياسي للنهضة. و لا عجب ،إذا، أن تكون الوسيلة لتحقيق هذه الأهداف و إنجازها هي طريقنا للخلاص المنشود أو ما أسماه البعض بالاستقلال الثاني2،سواء تحقق ذلك عن طريق الديمقراطية أو غيرها من المسميات لأن غايتنا القُصوى هي خلاصنا و عزتنا و كرامتنا وليست هي الديمقراطية أو أي وسيلة من الوسائل الأخرى.
و بناء عليه نُقدر أن الديمقراطية ،كآلية من الآليات،هي وسيلة مناسبة لتحقيق خلاصنا و حقنا في حياة كريمة إلى حد بعيد لو واءمنا بينها و بين ثقافتنا الإسلامية و خصوصياتنا العربية .
الديمقراطية بين الداخل و الخارج: لا أحد ينكر أن محاولة التأصيل هذه ليست عملية سهلة وأنه تحول دونها شبهات و إشكاليات لابد من الإجابة عليها ووضعها في سياقها الموضوعي و التاريخي.
ومن بين هذه الإشكاليات نذكر على سبيل المثال إشكالية الديمقراطية بين الداخل و الخارج؟ فهل الديمقراطية هي مجرد نتاج محلي وطني أم هي نتاج عالمي أجنبي أم هي الإثنان معا و في نفس الوقت؟ إن خيارنا ،حتى لا تكون الديمقراطية مجرد فكرة مُسقطة على واقعنا و دخيلة عليه و غريبة عن طبيعة فكرنا السياسي و الاجتماعي ،هو مقارنتها في خصائصها و أبعاد ها و مقاصدها بأصول الحكم النظرية و الكلية للنظام السياسي الإسلامي على مستوى المبادئ و الغايات و المقاصد من خلال ما توفر لنا من نصوص القرآن و السنة الصحيحة و الثابتة أولا،ثم التعرف و الإطلاع على التجربة التاريخية للحكم ميدانيا و محاكمتها و تقييمها على ضوء تلك النصوص في ظل الدولة الإسلامية ابتداء من تجربة الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم و خلفائه الراشدين رضي الله عنهم أجمعين و مرورا بالتجربة الأموية و العباسية و الفاطمية و العثمانية و غيرها و انتهاء بالتجربة الحديثة للدولة القطرية لما بعد الاستقلال ثانيا. و ذلك حتى نقف على حجم الانفصام و التنافر من جهة و نُدرك مساحة الانسجام و التطابق من جهة ثانية بين الديمقراطية في صورتها المعاصرة و حقيقة نظام الحكم و طبيعته في بلداننا العربية و الإسلامية على مستوى المبادئ النظرية من ناحية و على مستوى الواقع السياسي و الاجتماعي و الثقافي.....من ناحية ثانية لنحدد بناء على كل ذلك موقفا من الديمقراطية ،قبولا أو رفضا أو تعديلا و تحسينا ،أقرب ما يكون للموضوعية . و لتوضيح الصورة أكثر في الأذهان ،و لتقليل مواطن الالتباس إلى أبعد حد ممكن ، رأينا أنه من المفيد إحصاء السلبيات و الإيجابيات لكل من الاستبداد والديمقراطية بالاستناد إلى ما أُنجز في هذا المجال من دراسات حتى نعرف أي الظاهرتين أقرب إلى روح التشريع الإسلامي و مقاصده العامة،علنا نُدرك تبعا لذلك أيهما [ الاستبداد أو الديمقراطية] أليق بالإنسان و أضمن لكرامته و صيانة حقوقه من الانتهاك و التلاعب. وهو ما سيُحيلنا إلى دراسة مصا د ر [الشرعية] للحكم في النظام الإسلامي و الديمقراطي و الاستبدادي و المقارنة بينها حتى نعرف مساحات الا تفاق و الاختلاف .
الأنظمة السياسية و مصادر الشرعية: إن دراسة مصادر الشرعية و كيفية التعامل معها هي وحدها التي ستُحدد طبيعة أي حكم ،هل هو حكم شمولي آحادي استبدادي أم هو حكم شوري تعددي ديمقراطي .و تحكيما لهذا المنطق و هذه المنهجية قد نخلص إلى أن الصفة التي يدعيها أي نظام لا قيمة لها اطلاقا ،و إنما طبيعة الحكم و الآثار المترتبة عليها لأي نظام من الأنظمة هي التي تحدد مدي ديمقراطية هذا النظام أو استبداديته. فكم من نظام ادعى أنه إسلامي ولكنه كان نظاما سياسيا، ذا طبيعة فاشية و استبدادية، وكم من أنظمة ملكية توفرت فيها أقدار هائلة من الديمقراطية3. و قد عاش العالم العربي و الإسلامي في ظل الدولة الإسلامية التجربتين،فنظام الحكم في التجربة النبوية و جزء كبير من الخلافة الراشدة كان نظاما شوريا قائما على البيعة العامة و رضا الأمة ، و في المقابل كان نظام الخلافة منذ العهد الأموي تقريبا إلا بعض الاستثناءات القليلة قائما على القهر و الغلبة و الإنفراد بالحكم إي على الاستبداد. والديمقراطية ،كإجراء لإدارة الشأن العام بالطرق السلمية،و كممارسة سياسية نضالية تراكمية متقدمة توصلت البشرية إلى فرضها ، وقد شاركت أغلب ولأمم و الشعوب بشكل أو بآخر في بناءها و تطويرها و تحسينها عبر تجارب متعددة و مختلفة و تضحيات جسام حتى غدت هذه الأخيرة مكسبا انسانيا لا غبار عليه بل و[حكمة] عالمية يرفعها المضطهدون في كل مكان و يلتجئون إليها لمقاومة الاستبداد و مُطاردة المستبدين،و هي من هذا الدور الذي تلعبه تستمد شرعيتها لا غير . فهذه الحقيقة [ الديمقراطية ]، التي يراها و يسمعها و يعيشها الكثير من المناضلين الذين يقيمون في الغرب هروبا من الاضطهاد في بلدانهم الأصلية،كيف سيتعامل معها المُشرع الإسلامي؟ هل فيها ما يستعصي على التجاوز و التطوير؟ وهل يجوز للمشرع الإسلامي و خاصة في عصر العولمة هذا أن يقف منها موقف العداء أو الحياد أو لا حرج عليه دينيا و سياسيا أن يُعمل نظره في هذا المُعطى الموضوعي مُجتهدا في تحري الصواب و الحكمة والمصلحة من أجل تحسين أوضاعنا السياسية و الاجتماعية ، و لما لا تحقيق شيء من أحلامنا؟ هل التشريع الإسلامي ،أو بصفة أدق [الفقه الدستوري]أو ما يُعرف عند القدماء ب[السياسة الشرعية]،له من المواصفات و الخصائص ما يسمح له باستيعاب الديمقراطية واحتواء ما كان على شاكلتها من آليات للتغيير و مناهج لمقاومة الظلم و الاستغلال من ناحية و إدارة الشأن العام و تحسين الأوضاع السياسية و الاجتماعية لشعوبنا العربية و الإسلامية من ناحية أخرى؟بل إننا نتساءل ،إذا ما أردنا أن ندفع بعملية الإصلاح في الاتجاه الصحيح،أليس من واجب المشرع الإسلامي أن يتجاوز مستوى الاكتفاء بإعطاء مجرد رأيه في الديمقراطية كمعطى سياسي واقعي ،إلى مستوى اقتراح التعديلات و التحسينات اللازمة وإعطاء الإضافات المطلوبة [ لأنسنة ] الديمقراطية وتفعيلها أكثر خدمة للبشرية و صيانة لحقوق الإنسان و كرامته؟
الديمقراطية بين الخطاب و الممارسة: لعله من المفيد أن نعترف ابتداء أن هناك فرقا بين النظرية و التطبيق و بين الخطاب و الممارسة. وهي قاعدة تكاد تكون ثابتة يمكن أن نطبقها على كل النظريات و في كل المجالات. فالمحظور ليس تواجد شيء من التفاوت بين النظرية والواقع ، وإنما المحظور هو أن تُصبح النظرية نقيضا للممارسة و التطبيق . فلا ينبغي ،إذا،أن نخلط بين الد يمقراطية كمبدأ و أفق رحب للممارسة السياسية كما أسلفنا و التجاوزات الكثيرة التي تمارسها بعض القوى الانتهازية أو المحا فظة التي لا يخلو منها زمان ولا مكان للمزايدة و تحقيق بعض المصالح الحزبية و الفئوية . فهذه الأخطاء لا يمكن أن يُحتج بها على فساد الديمقراطية ، ولا التذرع بها لرفض هذه الأخيرة. إن ما ينبغي التسليم به ابتداء ، أيضا،أن الديمقراطية ،ولئن كانت إيجابياتها أكثر بكثير من سلبياتها حسب العديد من الدراسات التي سنأتي على ذكرها،فهي لم تبلغ مثالها و هي لا تزال بعيدة على أن تُصبح نهاية التاريخ كما يدعي فوكويوما وغيره. و عليه فهذه المرونة التي تحتوي عليها الديمقراطية تفرض علينا ،بدل الرفض و الإنغلاق على الذات،بذل الوُسع لتوفير الشروط المناسبة و استنباط الضمانات القانونية و الدستورية لتحسين هذه الآلية بما يخدم مصلحة الأمم و الشعوب و خاصة منها الفقيرة و المتخلفة. فمنهج الإسلام في البناء و التأسيس هو دائما التدرج و تهيئة الأرضية الصالحة لذلك و هو ما يُعرف عند الأصوليين بتحقيق [المناط].
الديمقراطية و ردود بعض المدارس الفكرية:إن من الصعوبات التي تعترض المصلحين في كل زمان هو هذه الحساسية المُفرطة إزاء كل ما هو جديد، وهو ما يُمثل في أحيان كثيرة ضغطا سياسيا و نفسيا على المصلحين لا يُستهان به. و بناء عليه فإن مواقف مختلف الأطراف من الديمقراطية في الساحة العربية و الإسلامية يمكن أن نقسمها بإيجاز شديد إلى ثلاثة مواقف أساسية و هي :الرفض المطلق أو القبول المطلق أو القبول المشروط .
1.العلمانيون: إن مواقف هؤلاء من الديمقراطية ليست متجانسة . فليست مواقف الليبيراليين هي نفسها مواقف الإشتراكيين، و لكنهم يشتركون في القبول العام بها دو ن التفصيلات و خاصة بعد سقوط المعسكر الشرقي بزعامة ما يُعرف سابقا بالإتحاد السوفياتي، إلا أن هذا القبول لم يكن دائما قبولا مبدئيا وإنما هو قبول مُسيّس فرضه الأمر الواقع الذي عُرف سياسيا بالنظام العالمي الجديد و خاصة في عالمنا العربي و الإسلامي. و في هذا النطاق تجدر الإشارة إلى أن قسما كبيرا من العلمانيين، و خاصة منهم الملحدين ،قد تبنوا الديمقراطية تكتيكا على خلفية سحب البساط من تحت أقدام القوى الإسلامية الصاعدة ،وحتى لا نُعمم فإن جزءا مهما من هؤلاء هم في حقيقتهم استيئصاليون و متطرفون استعملوا الديمقراطية للمناورة و الضغط و الإحراج بعيدا عن هوية المجتمع و دينة و خصوصياتة و هم لتحقيق ذلك تحالفوا مع الشيطان ناسين أو متناسين أنهم أُكلوا يوم أكل الثور الأبيض و قد ظنوا خطأ أن ذلك هو السبيل لمنع الإسلاميين من حقهم في العمل السياسي، و هو ما أضر أيما ضرر بالمجتمع المدني و مؤسساته و ساهم في تغول الدولة ووأد السياسة ، وكان الخاسر الأكبر هي الشعوب.
2. الإسلاميون : تتوزعهم ثلاثة مواقف نسردها كالآتي :
الموقف الأول : يعتبر الديمقراطية بدعة ،و شركا بالله و انحرافا عن الصراط المستقيم. وهذا الموقف لا يحتاج إلى تعليق.
الموقف الثاني : يعتبر أن للديمقراطية بعض الإيجابيات ولكن السلبيات أكثر بكثير من الإيجابيات و أنها بالنتيجة صنيعة اغريقية غربية تقوم الشرعية فيها على أساس أن الشعب يحكم نفسه بنفسه بعيدا عن الحاكمية العليا لله تعالى و خير من عبر عن هذا الرأي هو المفكر الإسلامي الكبير الأستاذ الفاضل محمد قطب حفظه الله تعالى في كتابه [مذاهب فكرية معاصرة].
الموقف الثالث : يعتبر أن الديمقراطية مكسب إنساني ينبغي الدفاع عنه و خاصة إذا ما أضيفت إليها بعض الشروط و التحسينات التي تجعلها منسجمة مع خصوصيات ثقافتنا العربية و الإسلامية، وهي بهذه الشروط تصبح ضرورة لأنها تستجيب لكثير من مطالب شعوبنا في الحرية و الكرامة الإنسانية. وهي و لئن كانت معبرا لتحقيق مكاسب جمة كلها كانت في خدمة الإنسان و الإنسانية حتى في صورتها الغربية إلا أنها لا تزال قابلة للتحسين و الإضافة . و نحسب أن من هذه المرونة التي اتسمت بها الديمقراطية و القدرة العجيبة التي تميزت بها في التأقلم مع مختلف الأفكار التقدمية استمدت هذه الأخيرة شرعيتها و قوتها و حيويتها،فظلت دائما حقيقة منسابة و منفتحة و لم تكن حقيقة جامدة و متكلسة. ولهذا التيار في الفكر الإسلامي ، ولئن كان حديثا مقارنة مع غيره،أنصاره و رموزه الفكرية و السياسية و نذكر من هؤلاء فضيلة الشيخ د. يوسف القرضاوي ود.محمد عمارة والشيخ أ. راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة في تونس ود.خالد الطراولي رئيس اللقاء الإصلاحي الديمقراطي حفظهم الله جميعا. ولكن هذا التيار لايزال في بداية الطريق،و لم يستطع بعد أن يفرض نفسه و يعرف بأرائه ، فمواقفه لا تزال مهزوزة،ينقصها المراكمة والجرأة في إعلان ما يؤمن به بشكل منتظم و دائم. ونحن في هذا المقال،انطلاقا من واقع المحنة ،و استفادة من التجربة السياسية الطويلة ، ومتابعة أعرق الديمقراطيات الغربية على امتداد خمسة و عشرين سنة من جهة،و استعانة بنصوص الوحي المعصوم و استئناسا بمقاصد الشريعة من جهة أخرى،أردنا ان نعرف هل لنا الحق كإسلاميين أن نتبن الديمقراطية ، بعد أن نكون قد أضفنا إليها بعض التحسينات و التعديلات،بشكل واضح و جريء و الدفاع عنها ، لا تكتيكا ومناورة و لا باعتبارها مكسبا وهميا لا يزال مشبوها و دخيلا على الفكر الإسلامي ، بل باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الفكر الإسلامي الأصيل و قيمة ثابتة من قيم الإسلام في تغيير المنكر و تثبيت المعروف و العمل النافع للناس جميعا ؟ إنني أتساءل ما المانع من أن نتصف بالإضافة إلى الصفة الإسلامية التي هي الأساس بالصفة الديمقراطية ،مُتجاوزين مرحلة التردد و التلكوء و الاحتكام في أحيان كثيرة إلى أعراف وسلوكيات و خلفيات ما أنزل الله بها من سلطان .
إن ما نريد أن نصل إليه في هذه المقاربة ، و نحن في وضع المُحاط به و البعيد عن أهله ووطنه وشعبه،هو الانخراط المباشر و لو من وراء البحار في المعركة الحقيقية ضد الاستبداد بمختلف أشكاله و صوره و الذي لا يمكن أن نختلف حول مفاسده التي لحقت و ستلحق بشعوبنا و أوطاننا .هذه جملة من القضايا العامة ، بإيجاز شد يد ،التي سنحاول علاجها أو قل النظر فيها عسانا نستطيع في آخر الدراسة أن نجيب على السؤال المفصلي و الأساسي و الذي هو :هل تُعد الديمقراطية في صياغتها الإسلامية ،لو وُفقنا لذلك،الوجه الآخر للإصلاح و خاصة منه السياسي؟ هذا ما سنُحاول بإذن الله تعالى الإجابة عليه في الأيام القادمة إن أذن الله بذلك. أسأل الله تعالى أن يوفق العاملين لنصرة دينه لما يحبه و يرضاه،إنه سميع مجيب.
مصطفى عبدالله الونيسي
ليلة الإثنين 05.06.06
الهوامش:
1. ابن القيم: الطرق الحكمية