
بسم الله الرّحمن الرّحيم
على حركة النّهضة أن تعلم أنّ خروجها سلميّا من الحكم
إنّما هو أمر دُبِّر بليل.3/1
إثر عودتي إلى تونس في الأيّام الأخيرة مررت بإحدى المكتبات فلفت نظري مقال مثير لواحد من رفاق الدّرب على الصفحة الأولى لجريدة المغرب : عبدالقادر الجديدي أحد أبرز قادة التّيّار الإسلامي في السّبعينيات و الثمانينيات يكتب لـ لمغرب ( على قيادة النّهضة أن تفهم أنّ خروجها سلميّا من الحكم إنّما هو لطف إلاهي )(1)
و نظرا لمعرفتي الجيّدة و الوثيقة بصاحب المقال اشتريت العدد لأعرف جديد (الجديدي ) الّذي فرقت بيني و بينه الدّيكتاتورية ردحا طويلا من الزّمن . و لمّا قرأت ما كتبه هالني حقيقة ما قرأت و استغربت من هذا التّطور الفكري و السّياسي اللاّفت للنّظر الّذي عرفه الرّجل. و لمزيد من التّحري حاولت الاتصال به مباشرة في رقم هاتفي سلّمني إيّاه صديق مشترك لأستفسر عن حقيقة ما قرأت و لكنني و للأسف لم أفلح.
و إحقاقا للحق أزعجني المقال و أحرجني إحراجا شديدا.
أزعجني لما ورد فيه من من مغالطات و توظيف سياسي و ظلم للأبرياء و انحياز لأطراف ليس لها من الوطنيّة إلاّ الادعاء و الكذب على الشّعب. و أحرجني نظرا لما يربطني بصاحب المقال من موّدة و تاريخ نضالي مشترك، و لكن الحقيقة تعلو و لا يعلى عليها.
لا أعرف ما هي الدّوافع الحقيقيّة التي دفعت بالسّيد عبدالقادر الجديدي إلى كتابة هذا المقال، و في هذا الوقت بالذّات و في جريدة المغرب دون غيرها، و لكن ما خلصت إليه بعد قراءة المقال أكثر من مرّة هو أنّ هذا المقال خطأ في خطإ ما كان لمناضل في حجم السّيد عبدالقادر أن يسقط فيه. مقال في جوهره انحياز للجلاد و تلميع لقوى الرّدة و إدانة للضحيّة و إرباك للثّورة. و للتوضيح فإن تعليقي على هذا المقال ليس دفاعا عن حركة النهضة و تبرئتها من الأخطاء الكثيرة التّي ارتكبتها في حق الوطن و الشرفاء و الوطنيين الصّادقين من أبناء هذا الوطن، و يكفي الرجوع إلى آخر ما كتبته على مدّونتي و صفحتي على الفايس بوك (2) و لكن لكل مقام مقال.
إنّ مقالك هذا سيّد عبدالقادر الّذي اعتبرت فيه يوم 14ديسمبر2013يوما فارقا في تاريخنا الوطني المعاصر، و هو بالفعل يوم فارق و لكن في الاتجاه المعاكس لما ذهبت إليه صديقي حسب تحليل المخالفين لك و المخالفين للّذين دافعت عنهم باستماتة في مقالك. هو يوم اعتبرته كألف يوم ، ولكنّه في عيون رفاق دربك القدامى وأغلبيّة التونسيين هو موعد لفرض انقلاب ممنهج و بشكل ناعم على الشّرعيّة و على الإتلاف الحكومي ( الترويكا) بقيادة حركة النّهضة . عجبا لك سيّد عبدالقادر كيف صدّقت بسهولة أنّ كذبة يوم 14 ديسمبر 2013 هي رمز للحكمة التّونسية و علامة فارقة عن الاتجاه الوطني الحداثي، و التونسيون في أغلبهم يعلمون أنّ اتفاق 14ديسمبر2013الّذي بمقتضاه وقع شبه اتفاق على اختيار مهدي جمعة كرئيس جديد للحكومة التونسية القادمة خلفا للسّيد علي العريض هو انعكاس و صدى لموازين قوى داخليّة استقوت علينا بقوى خارجية لم تستطع الأيادي المرتعشة الحاكمة أن تصمد في وجهها طويلا، و هذا هو أحد وجوه الأزمة الّتي تمر بها بلادنا. ألم تتساءل سيّد عبدالقادر لماذا تحاول بعض الأطراف في بلادنا تلميحا و تصريحا أن تجعل من يوم 14ديسمبر 2013 عيدا وطنيّا ، و ممن دفعوا إليه أبطالا ، و الجميع يعلم أن هؤلاء، سواء داخل الرباعي الرّاعي للحوار الوطني أو بعض القوى في جبهة الإنقاذ الوطني، لا يجمعهم في الحقيقة حبّ الوطن و الغيرة عليه، و إنّما الّذي يجمعهم هو الرغبة الجامحة في التسلط و الحسابات الحزبيّة الضّيقة و العداء الدّفين للإتلاف الحاكم و خاصة منه الطرف الأقوى فيه حركة النّهضة. إنّ توافق المركزية النّقابية و منظمّة الأعراف لأوّل مرّة تقريبا في تاريخ تونس و تواجدهما بثقل في الرباعي الرّاعي للحوار هو أمر في ظاهره إيجابي و وطني جدّا جدّا و نتمنّى أن يتواصل و يستمر، ولكن الأمر في حقيقته و للأسف على غير ذلك تماما، إذ أنّ هذا التوافق مؤسس أساسا على سحب البساط من تحت أقدام الإتلاف الحاكم و فرض شرعيّة جديدة بديلة عن الشّرعيّة الانتخابيّة و بعيدة كلّ البعد عن الإرادة الشّعبية ، و إلاّ لماذا لم نشاهد هاتين المنظمتين العريقتين في توافق شبيه بهذا التوافق في مناسبات سابقة و أزمات سالفة.
إنّه منطق الحرب خدعة أخي عبدالقادر، و نصيحتي إليك أن لا تترك هؤلاء يستعملونك في معارك أنت لست طرفا فاعلا فيها ، فيوظفون مواقفك لضرب من رافقوك في مسيرتك النّضالية و لو ليوم واحد مهما اختلفت معهم ، فهم أولى بك، و أنت أولى بهم و تونس أولى بكم جميعا.
مصطفى عبدالله ونيسي
صفاقس 30/12/13
1)عبدالقادر الجديدي.....: على قيادة النهضة أن تفهم أنّ خروجها سلميّا من الحكم إنّما هو لطف إلهي/ جريدة المغرب / الأحد 29 ديسمبر2013العدد 717
2) لنكن صرحاء و صادقين/ النهضة لم تعد نهضة : مدونة مواطنون متضامنون
Csolidaires.blogspot.com
على حركة النّهضة أن تفهم أن خروجها سلميّا من الحكم
إنّما هو أمر دُبِّر بليل 3/2
لقد قلت صديقي عبدالقادر ضمن ما قلت : ( إنّني لا أبالغ حينما أرى أنّ بعض الرّجال الّذين يريد بعض عناصر الحركة الاسلاميّة الإساءة إليهم أن نتوجه إليهم و إلى كلّ وطني بالتقدير و الاحترام و أذكر على سبيل المثال السّيد محمّد النّاصر ( مسؤول الاستعلامات في التسعينات) الّذي مثّل آنذاك و بعض من زملائه و منظوريه بوزارة الدّاخليّة في التسعينات رمز التّوجه الوطني في السّلطة في معالجة تصعيد الحركة آنذاك...)(3)
و الّذي نفسي بيده صديقي العزيز أخشى عليك من هذه الشّهادة أن تكون شهادة زور، فتكون بذلك قد ارتكبت ذنبا كبيرا في حقّ الوطن و ضحايا الاستبداد من المستضعفين من النّساء و الرّجال و الولدان و المناضلين الصّادقين و الشّهداء. لقد شهدت أنّ السّيد محمد النّاصر و بعضا من زملائه و منظوريه بوزارة الدّاخليّة في التسعينات كانوا رمزا للتّوجه الوطني في السّلطة في معالجة تصعيد الحركة، ولكن ما علمناه عن طريق التواتر الّذي لا يرقى إليه شكّ في الدّاخل و الخارج أنّ هذا السّيد كان سفّاحا و سيّدا للجلاّدين. و أخشى أن تكون روايتك أمام هذا التواتر رواية شاذة فترد عليك. لا شك أنّ الإنسان قد يضعف ، بل و يجوز له أن يضعف في بعض الحالات و خاصة أمام هذه الآلات الجهنميّة، وهي من أبشع وأسوء ما ابتكر الانسان، لقمع الإنسان و اغتيال انسانيته، كما أنّه يجوز للمناضل أن يستريح أو يغيّر من أشكال نضاله فيلتمس أشكالا جديدة تكون أقلّ كلفة ، و لكن لا يجوز له بحال من الأحوال إذا ما قرّر ذلك أن يدوس على نضالات إخوانه إرضاء للجلادين أو تشفيّا من بعض من ظلموه من رفاق دربه القدامى، فذلك خط أحمر لا ينبغي تجاوزه بكلّ المعايير الشّرعيّة و العقليّة و المصلحيّة و الأخلاقيّة.
سيّدي عبدالقادر بالله عليك إن كان سيّد محمّد النّاصر و منظوريه هم رمز الوطنية داخل السّلطة ، و هم من اشفقوا على الإسلاميين سنوات الجمر ولولاهم لما كان للإسلاميين اليوم مكان تحت شمس تونس الثّورة ، فدلنا إذا عن الاستئصاليين الحقيقيين الّذين لم يأل السّيد محمد الناصر و أمثاله جهدا في ترشيدهم و اقناعهم بأنّ الإسلاميين هم أيضا بشر كبقية البشر و يستحقون قليلا من الرّحمة فنكون لك من الشّاكرين و نعتذر لهؤلاء الّذين اعتقدنا خطأ أنّهم كانوا جلاّدين على الملإ و في وسائل الإعلام المرئية منها و المسموعة و المقروءة . صديقي العزيز، لو صحّ ما تقول لأصبح واجبا شرعيّا و وطنيّا على الحركة الإسلاميّة التونسية أن تعيد كتابة تاريخها، ولكن هيهات لعجلة التاريخ أن تعود إلى الوراء، فالسّيد محمّد الناصر قد تلطخت يداه بدماء الأبرياء فوسمّه المخلوع جزاء ما أسداه من خدمات للديكتاتورية و قمع الأبرياء. أخي الحبيب كم من مناضل قد ظلم و هُمِّش ولكنّه صبر و احتسب أمره عند الله تعالى و ما وضع نفسه شبهة المهرول إلى أعدائه طلبا للنّجاة و تشّفيا من رفاق الدّرب الّذين قد يكونوا ظلموه، فخير للإنسان أن يعيش مظلوما طول حياته من أن يعيش ظالما و لو ساعة واحدة.
صفاقس 1جانفي 2014
مصطفى عبدالله ونيسي
على حركة النّهضة أن تفهم أن خروجها سلميّا من الحكم
إنّما هو أمر دُبِّر بليل. 3/3
لا تسيئووا إلى من أحسن إليكم:
نصيحة ثمينة أسديتها سيّد عبدالقادر لضحايا الاستبداد بأن لا يسيئووا إلى جلاّديهم، و جعلت من الجلاّدين قوّة و طنيّة و خيريّة ديدنها كان و لا زال خدمة البلاد و العباد، فأصبح الجلاّد وطنيّا مسالما وكائنا وديعا، و الضحيّة وحشا متمردا ينبغي ترويضه ، وهذا لعمري قلب للحقائق لا يقبل به الأطفال فضلا عن العقلاء. إن كان الأمر كما تقول رفيق الدّرب سابقا، فما هي المبررات لقيام ثورة 14جانفي 2011 أصلا ؟ لقد أوصيت أنصار الإسلام السّياسي في مقالك سيّد عبدالقادر قائلا:(..كما لا يصح الإساءة بصورة ملتوية إلى من أحسن كالتشجيع على التعددية النّقابية في الوقت الحاضر أو فتح ملفات الطّاقة في إحدى برامج تلفزية <الزيتونة>..)(4) و السؤال المطروح تفاعلا مع توصياتك و نصائحك سيّد عبدالقادر لماذا لا نشجع على التعدّدية النقابيّة و غيرها من التعدديات ؟ ما العيب في ذلك؟
ألا تعلم أن التعددية بصفة عامة، سواء منها النقابية أو السياسية أو الإعلامية...،هي ضمان حقيقي وعلامة لا تخطأ على توجهنا الدّيمقراطي السّليم؟ ألا تعلم أنّ مستقبل التّيار الإسلامي ذاته مرهون بمدى جدّية تعدّديته، و أنّ التعدّدية هي العمود الفقري للدّيمقراطيّة؟
و كذلك الشّأن بالنسبة لفتح ملفات الطّاقة، فلماذا توصينا بأن لا نفتح مثل هذه الملفات و غيرها؟ أليس من مقوّمات الدّيمقراطية الشّفافيّة في كلّ شيء ؟ أليس من حقّ الشّعب أن يحاسب مَنْ ولاّهم أمره عن كلّ صغيرة و كبيرة ؟ ألا نتعلّم أن المسؤولية هي تكليف و ليست تشريف ؟
إن ما ورد في مقالك من أوّله إلى آخره من توصيّات لم تكن موضوعيّة، و هي موزونة على مقاس مطالب خصوم أنصار التّيار الإسلامي ، و كأنك أصبحت ناطقا رسميا باسم هؤلاء سواء شعرت بذلك أم لم تشعر، وهو ما نأسف له أشدّ الأسف. فالنصح من أجل الإصلاح و البناء أمر مطلوب شرعا و عقلا و مصلحة و أخلاقا، أمّا توظيف الخلاف والتّشفي فهما أمران لا يمكن القبول بهما بكلّ المعايير الدّينيّة و السّياسيّة و الأخلاقية.
صفاقس1جانفي2014
4)يومية المغرب الأحد29ديسمبر2013 العدد717 ص 5
إنّما هو أمر دُبِّر بليل. 3/3
لا تسيئووا إلى من أحسن إليكم:
نصيحة ثمينة أسديتها سيّد عبدالقادر لضحايا الاستبداد بأن لا يسيئووا إلى جلاّديهم، و جعلت من الجلاّدين قوّة و طنيّة و خيريّة ديدنها كان و لا زال خدمة البلاد و العباد، فأصبح الجلاّد وطنيّا مسالما وكائنا وديعا، و الضحيّة وحشا متمردا ينبغي ترويضه ، وهذا لعمري قلب للحقائق لا يقبل به الأطفال فضلا عن العقلاء. إن كان الأمر كما تقول رفيق الدّرب سابقا، فما هي المبررات لقيام ثورة 14جانفي 2011 أصلا ؟ لقد أوصيت أنصار الإسلام السّياسي في مقالك سيّد عبدالقادر قائلا:(..كما لا يصح الإساءة بصورة ملتوية إلى من أحسن كالتشجيع على التعددية النّقابية في الوقت الحاضر أو فتح ملفات الطّاقة في إحدى برامج تلفزية <الزيتونة>..)(4) و السؤال المطروح تفاعلا مع توصياتك و نصائحك سيّد عبدالقادر لماذا لا نشجع على التعدّدية النقابيّة و غيرها من التعدديات ؟ ما العيب في ذلك؟
ألا تعلم أن التعددية بصفة عامة، سواء منها النقابية أو السياسية أو الإعلامية...،هي ضمان حقيقي وعلامة لا تخطأ على توجهنا الدّيمقراطي السّليم؟ ألا تعلم أنّ مستقبل التّيار الإسلامي ذاته مرهون بمدى جدّية تعدّديته، و أنّ التعدّدية هي العمود الفقري للدّيمقراطيّة؟
و كذلك الشّأن بالنسبة لفتح ملفات الطّاقة، فلماذا توصينا بأن لا نفتح مثل هذه الملفات و غيرها؟ أليس من مقوّمات الدّيمقراطية الشّفافيّة في كلّ شيء ؟ أليس من حقّ الشّعب أن يحاسب مَنْ ولاّهم أمره عن كلّ صغيرة و كبيرة ؟ ألا نتعلّم أن المسؤولية هي تكليف و ليست تشريف ؟
إن ما ورد في مقالك من أوّله إلى آخره من توصيّات لم تكن موضوعيّة، و هي موزونة على مقاس مطالب خصوم أنصار التّيار الإسلامي ، و كأنك أصبحت ناطقا رسميا باسم هؤلاء سواء شعرت بذلك أم لم تشعر، وهو ما نأسف له أشدّ الأسف. فالنصح من أجل الإصلاح و البناء أمر مطلوب شرعا و عقلا و مصلحة و أخلاقا، أمّا توظيف الخلاف والتّشفي فهما أمران لا يمكن القبول بهما بكلّ المعايير الدّينيّة و السّياسيّة و الأخلاقية.
صفاقس1جانفي2014
4)يومية المغرب الأحد29ديسمبر2013 العدد717 ص 5
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire