لنكن صرحاء و صادقين.

لنصارح شعبنا بالحقيقة و لو كانت مرّة و متأخرة. حركة
النّهضة و أنا واحد من مناضليها ، مثلها مثل سائر الحركات الإسلامية الّتي أوصلها
الرّبيع العربي إلى السّلطة دون أن تمرّ
بمرحلة وسيطة في الحكم كانت ضحيّة قلّة الخبرة السّياسيّة و العناد وشيء من الغرور
المتستر بالدّين و التّدين. فازت حركة النّهضة بانتخابات 23 أكتوبر 2011، و نالت
الأغلبيّة في المجلس التأسيسي ، و كان ذلك بفضل إرادة شعبنا الّذي ذاق ذرعا
بالمشاريع التغريبيّة الّتي أرادت سلخنا من ديننا و هويتنا و حضارتنا العريقة
لإلحاقنا بمشاريع أخرى لا تعبّر عن هويتنا و خصوصياتنا العربيّة و الإسلامية. فكان
استحقاق 23 اكتوبر2011مناسبة لتزكيّة مشروع
جديد لطرف سياسي طالما اضطهد و هُمّش من أجل أفكاره الّتي يحملها و يبشر
بها. و هذا المشروع، نظرا لغياب التّعددية السّياسيّة داخل التّيار الإسلامي، كانت
تمثله حركة النّهضة. و لكن ما خفي على حركة النّهضة و خاصة منها قيادة المهجر،
الّتي عادت إلى الدّاخل و فرضت نفسها على الجميع دون حصول وفاق مريح لا داخلها و لا خارجها، أنّ هذه التّزكية
لم تكن صكّا على بياض، و إنّما هي مشروطة بتحقيق أهداف الثّورة و صياغة الدّستور
في أقرب الآجال للخروج من هذا الظّرف المؤقت إلى مرحلة بناء المؤسسات و دولة
القانون، و تجسيد العدالة الانتقالية. و
من سوء حظّ تونس أنّ النتائج على كلّ المستويات، الاقتصادية و الاجتماعيّة و
الأمنية و الإعلاميّة، كانت دون مستوى انتظارات
شعبنا في الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعيّة. و ما كنّا لنصير إلى ما صرنا إليه لو استمعت
هذه القيادات نصائح النّاصحين من العقلاء سواء داخل الحركة أو خارجها. لقد نصحنا
باعتماد وسائل و آليات في الحكم لا تخطيء،ومنها
الشّفافيّة و التدّرج و الوفاق الوطني و طيّ صفحة الماضي واختيار المسئول على خلفية إخلاصه و كفاءته واستعداده للتضحيّة
بمصالحه الشخصيّة و الحزبيّة كما فعل الأخ الفاضل حمّادي الجبالي متى استدعى الأمر
ذلك. ولكن الّذي حصل في تقديرنا هو العكس ، و أنا أعرف أعضاء في الحكومة و
الدّيوان الرّئاسي دون ذكر للأسماء لا يصلحون لإدارة جمعية مدنيّة بسيطة، فما بالك
بإدارة الشأن العام الذّي تعلقت به مصالح البلاد و العباد!؟ شعبنا
المتّعلم لو عرف حقيقة هؤلاء كما عرفناهم لثار عليهم كما
ثار على غيرهم. لقد ضيّقنا ما كان واسعا، و تعددت أخطاءنا و تعثّر أداءنا بشكل
مثير للغرابة. هذه هي الأسباب الرّئيسيّة لفشلنا سواء على المستوى الحكومي أو على
مستوى المجلس التأسيسي، و لا ينبغي من هنا فصاعدا إن أردنا التّدارك الجّاد أن
نعلّق فشلنا فقط على مكر المعارضة و الثّورة المضّادة، فالذّكي في عالم السّياسة
هو من استطاع أن يستفيد حتّى من خصومه السّياسيين.
شعبنا الغالي الّذي
ضحّى بالغالي و النّفيس و لا يزال يضحي لا يستحق أن نعامله بهذا الاستهتار و الغرور. وواجبنا الوطني و الأخلاقي يفرض
علينا الاعتراف بالفشل و التّواضع و
مراجعة الخيارات و الأولويات و التحالفات و الإسراع بصياغة الدستور و تحديد موعد
للانتخابات القادمة للخروج من عنق الزّجاجة. هذه إشارة سريعة لمصارحة شعبنا
بالحقيقة و دعوة لأعضاء حركتنا في الدّاخل و الخارج لفرض الإصلاح من الدّاخل و
إلاّ فإنّنا سنصبح في ذمّة التّاريخ. و رجال صادقون صدقوا ما عاهدوا الله عليه مثل الّذين عرفتهم و عايشتهم لا يستحقون مثل هذا
المصير الّذي زجت بنا فيه قيادة المهيمن فيها هم العناصر العائدة من المهجر .
فالشهداء عبدالرؤوف لعريبي و سحنون الجوهري و علي نوير و الهاشمي المكّي و غيرهم
كثير....لا يستحقون هذه الصورة التّي كرستها حركتنا في التعاطي مع السّلطة شكلا و
مضمونا. لقد
باركنا صعود الإسلاميين إلى السّلطة رغم عدم اقنتاعنا من أوّل يوم بعدد لا يستهان
به من التّعيينات و خاصة منها الحكوميّة و لكننا كنّا إيجابيين و احتفظنا
بتقييماتنا رغم علمنا أنّها ستكون محسوبة
علينا أحببنا أم كرهنا . فعلنا ذلك تشجيعا لمن وقع اختيارهم لقيادة السّفينة
للوصول بنا إلى برّ الأمان، و لكن وقد تاهت السفينة في البحر و لازالت لم تصل إلى
برّ الأمان في الآجال المعلومة و المعهودة لم يعد الصّمت يسعنا لأننا قد نهلك و
تهلك معنا تونس، و حينئذ لن ينفعنا أنّ الرّبان هم إخواننا من حركة النّهضة و
حلفائنا من حزبي المؤتمر من أجل الجمهورية و التّكتل من أجل الحرّيات و العمل.
أرجو أن أفهم على الوجه
السّليم و لا يؤخذ هذا المقال ذريعة للغمز و اللّمز و هتك الأعراض. ولقد بذلت
سابقا جهدا للنصح لقياداتنا عن طريق وسائل عدّة ولكن عرفت أن قياداتنا لا تعير
اهتماما كبيرا لهؤلاء النّاصحين و خاصّة إذا ما كانوا محسوبين عليها ولكنّهم
مهمشين ، فهؤلاء هم رهائن لها ولن يختاروا غيرها ما دامت حركة النّهضة هي العنوان
الوحيد المعروف الّذي يمثل الخيار الإسلامي الوسطي و المعتدل داخل التّيار
الإسلامي.
أكتب هذا المقال نصحا
للمناضلين الصّادقين الّذين لا يزالون يحلمون بغد أفضل لبلادنا و يؤمنون بتونس
مثلا رائعا في الدّيمقراطية و العدالة الاجتماعيّة و الكرامة الوطنيّة ، غايتي هي
النّصح و الإصلاح و ما توفيقي إلاّ بالله ، فإن كان الّذي كتبته صوابا فذلك من
الله العلي القدير ، و إن كان الّذي كتبته خطأ فذلك من نفسي و لا حول و لا قوّة
إلاّ بالله العليّ العظيم.
يقول الله تعالى:( ....
إنْ أُريد إلاّ الإصلاح ما استطعت، و ما توفيقي إلاّ باللّه عَليه توكلت و إليه
أنيب.) سورة هود / الآية 88
أ. مصطفى عبدالله ونيسي / باريس