Articles les plus consultés

mardi 24 janvier 2017

منهج البلسم لتعليم اللّغة العربيّة

samedi 12 novembre 2016

قصيدة انتو مين .. ياسر العمده .. شاعر الثورة

جدّد أيّـامـك و زيّنها ( ج 2 )


جدّد أيّامك وزينها: مصطفى الونيسي
بسم الله الرّحمن الرّحيم
جَــدِّ د  أيـَّامَـكَ و زيـِّنـْها  ج 2

                             
إنَّ خيرَ ما يُزيِّنُ  به الإنسان العاقل و السّوِي ِ أيّامَهُ  التي كتب الله أن يعيشها هو تقوى الله. فهي زِينـَة ٌ في الحياة الدنيا ومَهَابَة ٌ و عِـزَّة ٌ و كَرَامَة ٌ ، وهي في الآخرة نـُورٌ ونَجَاة ٌ وفـَوْزٌ ورِفـْعَـة ٌ. ولذلك لا يزال المؤمنون يوصون بعضهم بعضا بتقوى الله تعالى.  و مَـنْ أوْصَاك بتقوى الله فقد أحبـَّك و نصحك. ومِنْ أسمى تجليَّات تقوى الله ، الرِّضا بالـقضاء والتسليم بقـَدَرِهِ و التَّوَكـُّلِ عليه تـَوَّكـُّلَ مَنْ كان يقينه في عدل الله تعالى مطلقا و ثقته في رحمته كاملة لا يساورها أدنى شكٍّ أو رَيْبٍ.
التوكل على الله فيض الهي لا يناله إلا المتـّقون :
   يقول الله تعالى ( و من يتوكل على الله فهو حسبُهُ )(1)، و قال صلى الله عليه و سلّم : ( لو أنـّكم تتوكلّون على الله حق توكله لرزقكم كما تـُرزق الطـّير تغدو خماصا وتروح بطانا )(2). وكان ابن عطاء الله يحضُّ النّاس ويستحثـُّهُمْ على تسليم الأمر لله تعالى و يُبَيِّنُ لهم آداب التـَّجَرُّدِ له سبحانه(3). ولكن هذا الكلام النفيس لا يعني بحال من الأحوال ترك الأسباب وإهمال وسائل الكسب الحلال والتواكل وترك التداوي  و الاستسلام للمهلكات بحجة التوكل على الله، فذلك خطأ ، بل و حرام في شرعنا الحكيم. والمُؤْمِنُ الحَـقُّ هو من اعتقد جازما أنَّ له حَوْلا ً وقـُوَّة ً،و لكنهما  لا يمكن أن يكونا إلاّ  خاضعين لإرادة إلهية كبرى، وذلك لأن إرادة الإنسان المؤمن مِنْ إرادة الله و إرادة الله لا تـُقـْهَرْ بحال مِنَ الأحوال ولو كره المشركون.  فشعور الإنسان بحوله و قوّته ضرورة، كما أنّ  نهوضه للأسباب المعتادة في تدبير شؤون حياته الدنيوية حَقُّ فمن كان هذا حاله فهو فِي عِدَادِ المُتوكلـِّين على الله ربِّ العالمين وإن سعى في أرض الله وكسب. هذا ما ذكره الإمام أبو حامد الغزالي. و لذلك يستدرك ابن عطاء الله على كلامه السّابق حتى لا يفهم خطأ فيقول : ( إنّ التسّبب لا ينافي التوكل)، مفسّرا حديث الإمام أحمد السّابق بأنـّهُ حاضٌّ على إتيان الأسباب وإثباتها لا نفيها عندما يقول  : ( تغدو، و تروح ) !! فقد أثبت النبيّ صلى الله عليه و سلم في هذا الحديث أن للطـّير غـُدُوًّا و رواحا، وهذا هو سبيلها الـّذي تحيا به و تعيش عليه.كما أنـّهُ ورد عن النبي الكريم عليه الصلاة و السّلام أنه قال: ( مَنِ انقطع إلى الله كفاه الله كلّ مؤونة، ورزقه من حيث لا يحتسب، ومَنِ انقطع إلى الدُّنيا وكله الله إليها)،وقد جاء في الحديث الشهير عن أبي العبّاس عبدالله بن عبّاس رضي الله عنهما قال: كُنْتُ خلف النـّبي صلى الله عليه و سلّم فقال: (يا غـُلام إنـِّي أعلمكَ كـَلِمَاتٍ: احفظِ الله يحفظك، احفظِ الله تجده تـُجاهكَ،واعلَمْ أنَّ الأمـّة َ لـَوْ اجتمعتْ علَى أن ينفعوكَ بِشَيءٍ لَمْ ينفعُوكَ إلاَّ بِشـَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله لَكَ، وإن اجتمعوا عَلَى أنْ يضُرُّوكَ بشَيءٍ لَمْ يضـُرُّوكَ إلاَّ بشيءٍ قد كتبَهُ الله عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ  و جفـَّتِ الصُّحُفُ .) (4) ورُوِيَ أنّ الله تعالى أوحى إلى بعض الأنبياء أن يُنادى: إنَّ ربـّكُمْ يقولُ: (مَنْ تَحَوَّلَ لِي مِمَّا أكـْرَهُ إلى مَا أ ُحِبُّ تَحَوَّلـْتُ لـَهُ مِمَّا يَكْرَهُ إلـَى مَا يُحِبُّ ). فمن توّكل على الله تعالى أسكن قلبه نـُورَ الحِكْمَةِ و كَفـَاهُ كـُلَّ هَمٍّ. فالتوكل على الله هي فيض إلاهي لا يَطِيقـُهُ وَ يـَقـْدِرُ عـَلَيْهِ إلاّ المُتـّقون الصادقون المخلصون ،فإذا أردت أن تكون منهم فعليك بتقوى الله فإنّها أصل كل فضيلة وأساس كل برٍّ و جماع كُلِّ خيرٍ. وتقوى الأ ُ صولِ مِنَ الأبَاءِ والأمَّهَاتِ، كما قال العلماء، تنفع الفروع مِنَ البنينِ و البَنَاتِ،  وقد قال تعالى  (وكان أبوهما صالحا ))، قيل: كان عاشرَ جدٍّ لأمٍّ. وإليك أخي المؤمن مثالا واحدا يحكي فـَرَادَة َ واحِدٍ من  هؤلاء المتقين الأخيار و تميّزهم في إيمانهم و تقواهم وسلوكهم وشجاعتهم وإقبالهم على الله رب العالمين، يرويها لنا واحد من سلف هذه الأمة الصالح المُصلحِ ليكون لك نبراسا ومقياسا تقيس عليه مدى قـُرْبَكَ و بُعْدَك عن هؤلاء المُصطفين الأخيار:
قالَ بعضُ الصَّالِحين:  لـَقِيتُ غـُلاما في طرِيقِ مَكـَّة يمشِي و حدَه ُ ، فقلتُ : ما مَعَكَ مـُؤْنِسٌ؟
قال: بـَلـَى.
قـُلـْتُ : أيْنَ هو؟
قالَ : أمامي، و خـَلْفِي، و عـَنْ يَمِينِي، و عـَنْ شِمـَالِي، و مِنْ فـَوْقِي.
قـُلْتُ : أما مَعَكَ زاد ٌ؟
قال: بلى
قلت ُ: أين هو؟
قال: الإخلاصُ و التـّوْحيدُ، و الإيمان والتـَّوكُلِ عليهِ.
قلت: هَلْ لـَكَ في مُرافقتِي؟
فقال: الرَّفيقُ يَشغلُ عَنِ الله ، و لا أحبُّ أنْ أرافقَ ما يَشغَلُنِي عنْه ُ طَرْفَة عَيْنٍ.
قلتُ: أمَا تَسْتَوْحِشُ فِي هذه البَرِّيَةِ؟
قال: إنَّ الأ ُنْسَ قَطـَعَ عَنِّي كـُلَّ وِحْشَةٍ، فلَوْ كُنْتُ بينَ السِّباعِ .. ما خِفْتـُها.
قلتُ : ألَكَ حاجة ٌ ؟ قال : نعم، إذا رأيتني .. فلا تـُكـَلـِّمْنِي.
قلتُ: ادْعُ لِي.
قال: حجب الله طـَرْفـَكَ عن كُلِّ معصيَةٍ، وألـْهَم الله قلبكَ الفكر فيما يُرْضِيهِ.   قلتُ: حبيبي، أينَ ألقاكَ؟
قالَ: أمَّا  فِي الذُّنـْيَا ... فلا تُحَدِّثْ نفسكَ بِلِقائي، وأمَّا في الآخِرَةِ .... فإنـَّها مجمعُ المتـّقِين، فإنْ طـَلَبْتَنِي هُناكَ ...فاطـْلُبْنِي في زُمْرَةِ النـَّاظرينَ إلى الله عزَّ و جلَّ.
قلتُ: و كيف عَلِمتَ؟
قال: بـِغَضِّ طـَرْفِي لـَهُ عَنْ كـُلِّ  مُحَرَّمِ، واجتنابي فيه كـُلَّ مـُنْكَرٍ و مأثمٍ، وقد سألتهُ أن يجعل جنـَّتِي النَّظَرَ إليهِ. ثـُمَّ صَاحَ ، وأقـْبَلَ  يـَسْعَى حتىَّ غابَ عن  بصري.(5)
فعليك بتقوى الله أيها الإنسان، زيِّن بها أيَّامك، فهي لباس المتقين، و زينة الصالحين في كل آن و حين ، فاستمع إل قول الله تعالى : (ولباسُ التـَّقْوى ذلك خير )

 إذا المَرْءُ لمْ يَلْبِسْ مِنَ التـُّقَى       تقـَلـَّبَ عُرْيَانـًا ولـَوْ كانَ كاسِيًا

 فَخَيْرُ خِصَالِ العَبْدِ طاعَة ُربِّهِ     ولاَ خَيْرَ فِيمَنْ كانَ للهِ  عَاصيًا
يقول الله تعالى :
 (6), يا أيها الـّذين آمنوا اتـّقـُوا الله حقَّ تـقاته و لا تـَمُوتـُنَّ إلاَّ وأنتم مُسْلِمُونَ )

فآتقوا الله ما استطعتم، فبتقوى الله تستجلبون بَرَكَة ً و سعادة أبدّية، و بها  تستدفعون شَـقاوَة ً وبَلاء أينما كنتم و حيثما حللتم
.
وإلى حلقة قادمة، فهذا جُهْدُ عَبْدِكَ الْمُقِّلِ، أسأل الله العليّ الكريم أن يتقبّله  ،فإن حالفه بعضا من التوفيق فذلك من فضل  الله  وجوده و كرمه، وإنْ لم يكن كذلك فمن نفسي و لا حول و لا قوّة إلاّ بالله
.
 الأحد 13 صفر 1438 الموافق لـ 13نوفمبر 2016               

     مصطفى الونيسي/ باريس


   هوامش :
1 ـ الطلاق/3
2 ـ أحمد
3 ـ انظر كتابه( التنوير في إسقاط التدبير) نقلا عن الشيخ محمد الغزالي جدد حياتك.
4 ـ رواه الترمذي و قال حديث حسن صحيح
5 ــ خيرالدّين أبي البركات نعمان بن محمود الألوسي الحسيني البغدادي: غالية المواعظ و مِصباح المتـّعظ و قَبَسُ الواعظ ص:512/513
6) آل عمران/102



vendredi 4 novembre 2016

من عوامل الإصلاح، مقاومة الفساد




ملخص لخطبة الجمعة بمسجد العصر بمدينة ( أنـطــونــي )
خطبة الجمعة 27 /1/ 1438 الموافق لـ 28/10/2016
من عوامل الإصلاح ، مقاومة الفساد
يقول الله تعالى : ( ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و أولئك هم المفلحون)آل عمران / 104
Allah disait : ( Qu’à partir de vous se forme une nation appelant au bien , ordonnant les bons usages et en proscrivant les mauvais. Ceux – la sont les récolteurs du succès)
الإخوة الأفاضل ،المسلم الّذي يخالط النّاس و يخدمهم و يصبرهم على آذاهم، طاعة لله و حبا للنّاس، خير من المسلم المستقيل الذي لا يخدم الناس و لا يمشي في حاجاتهم و لا يخالطهم . و لعلّه فينا و معنا مَنْ يظّن أنه من الممكن للمسلم أن يعيش في جزيرة معزولا عن النّاس. ومَن يظنّ أنّ ذلك ممكن، و خاصة في عصرنا هذا، فهو مُخطيء واقعا و دينا و مصلحة. و المسلمون ، خاصة في أوروبا و أمريكا، يعيشون في مجتمعات متعددة الجنسيات و الديانات و الأعراق. والعيش المشترك مع بقية مكونات المجتمع الذي نعيش فيه و ننتمي إليه يفرض علينا واجبات أخلاقية و دينية واجتماعية ينبغي أن نؤديها على أحسن وجه ممكن. و هذا يعني أن للمجتمع علينا حقوقا. فالمسلم كفرد، و كجماعة أو جالية ، عليه أن يُحسن لهذه المجتمعات التي يعيش فيها سواء كان المجتمع ذا أغلبية مسلمة أو غير مسلمة، استجابة لتعاليم دينه و أخلاقه و مقتضيات العيش المشترك و المصلحة المشتركة.
فالعمل على إصلاح المجتمع الذي نعيش فيه ، و العمل على توفير أسباب قوّته و ازدهاره و تألقه، هو صلاح لنا جميعا ، و قوة لنا جميعا ، وازدهارا لنا جميعا و تألقا لنا جميعا. و من أجل أن يكون المسلم إيجابيا و عنصرا نافعا و بناء ومسؤولا يفرض علينا الدّين و المصلحة و العيش المشترك أن نعمل على ازدهار المجتمعات التي نعيش فيها ، و أن ننصح لها ، فذاك هو طريق الجنة ، و ذاك هو الجهاد الحقيقي الّذي ننادي به.
عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه و سلّم يقول : ( من رأي منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم . و قال النّبيّ صلّى الله عليه و سلم ( الدّين النصيحة ). و قال صلّى الله عليه و سلّم : ( لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّه لنفسه ) متفق عليه . فسعيك بالخير لصالح النّاس يعود عليك أنت قبل غيرك بالخير و إن لم تشعر بذلك. قال الله تعالى : ( كنتم خير أمّة أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر ). و قال : ( و تعاونوا على البرّ و التّقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان )المائدة /2. و قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم : ( من دلّ على خير فله مثلُ أجر صاحبه ) رواه مسلم.
فالمسلم ، فردا كان أو جماعة أو أمة، عليه أن يهتم بأمر النّاس و يعمل قدر مستطاعه على صيانة المصلحة العامة و المشتركة بين النّاس، كما يهتم بمصلحته الشخصية ، فكما أنّ صلاح المجتمع يعود على المسلم ، فردا و جماعة ، بالصلاح و الأمن و الإزدهار، فإن فساد المجتمع يعود على الناس جميعا، بما فيهم الصالحين ،بالدّمار و الخراب و الفوضى . جاء في الحديث عن أمّ المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها ، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم دخل عليها يقول : ( ويل للعرب من شرّ قد اقترب، .......، فقلت : ( يا رسول الله أنهلك و فينا الصّالحون ؟) قال : ( نعم، إذا كثر الخبثُ )متفق عليه . و عن حذيفة رضي الله عنه، عن النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم قال: ( و الّذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف و لتنهونّ عن المنكر، أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم عقابا منه، ثمّ تدعونه فلا يُستجاب لكم )رواه الترمذي . هذه سنه الله في كونه ، فالفساد يهلك الحرث و الزرع و النسل والضرع و لوكان عدد كبير من الصّائمين و القائمين لله سجدّا رُكعا، أناء اللّيل و اطراف النّهار. فالمسألة مسالة موازين قوى، فإمّا أن تكون الغلبة للحقّ و الصلاح ، فينعم النّاس بالأمن و الاستقرارمؤمنين كانوا أو غير مؤمنين، وإما أن تكون الغلبة للفساد فيجرف في طريقه الصالح و الطالح دون تمييز .
المسلم بحكم أنه عبد الله و خليفته في أدارة شؤون حياته ، هو مسؤول عن مصيره، و مسؤول إلى حدّ بعيد عن مصير أسرته، و هو أيضا مسؤول إلى حدّ عن مصير المجتمع الّذي يعيش فيه ، إن خيرا فخير و إن شرّا فشرٌّ. يقول رسول الله صلّى الله عليه و سلّم : ( كلّكم راع و كلّم مسؤول عن رعيته ). و لقد صوّر النّبيّ صلّى الله عليه و سلم في حديث السّفينة الفرق الشّاسع للانسان المسؤول الذي يخدم النّاس و يساهم في إصلاحهم وبين الانسان المستقيل من كلّ شأن عام، لا يفكر إلا في مصالحه القريبة و الضيقة التي لن تفيده على المدى البعيد و المتوسط، كما أنها لن تفيد المجتمع و الناس .
عن النّعمان بن بشير – رضي الله عنهما - ، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلم قال: ( مثل القائم في حدود الله، و الواقع فيها كمثل قوم استهموا سفينة ، فصار بعضهم أعلاها و بعضهم أسفلها، و كان الذّين في أسفلها ، إذا استَقَوا م\نَ الْمَاءِ مرُّوا على مَنْ فَوءقِهِمْ فقالوا: لَوْ أنّا خرقنا في نصيبنا خرقا و لَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوقنا، فإن تركوهم و ما أرادوا هلكوا جميعا ، وإن أخذوا على أيديهم نَجَوْا و نجَوْا جميعا ) رواه البخاري .
فإصلاح الشّأن العام ، القاسم المشترك بين كلّ المواطنين، يمرّ حتما عبر مقاومة الفساد الذي استشرى في البرّ و البحر بما كسبت أيدي النّاس. فلا رفاهية للمجتمع و لا ازدهار ولا سيادة ولا مستقبل دون مقاومة لا هوادة فيها للفساد و المفسدين.
قال الله تعالى : ( و المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر ) التوبة / 71

mercredi 24 août 2016

الملف التركي 

 الملف التركي : نتائج الصراع بين تيار الخدمة و السلطة في تركيا 

ملف نتابع من خلاله التطورات السياسية في هذا الصراع .



بسم الله الرحمن الرحيم
"انفراط المعايير"
الحلقة الأولى
قراءة استفهامية لمقالة "جماعة كولن الظاهرة الوظيفية والرعاية الأمريكية"


تتمركز مقالة الدكتور الفاضل/ حاكم المطيري ـ رفع الله قدره في الدَّارين ـ الموسومة بـ"جماعة كولن، الظاهرة الوظيفة، والرعاية الأمريكية"، حول "نموذج تفسيري" جاهز ومعدٌّ من قبل، تتكشَّف عنه تضاعيفه المقالة، ويكمن وراء نصّها، منه صدرت، وإليها ترد، معمار هذا "النموذج" مكوَّن من مقدمة ونتائجها، تُبْنَى المقدمة من معرفة الدَّور الاستعماري الأمريكي في منطقتنا، وإحدى صوره "توظيف" العالم الإسلامي بدوله ـ لا سيما الدول الخليجية ـ وتياراته السياسية، حتى التيارات الجهادية لم تسلم هي الأخرى من قبضة ذلك التوظيف السياسي للمصالح الأمريكية، تلك المقدمة تستتبعها نتائج، أهمها معرفة قصة "جماعة كولن"، من حيث نجاحها وانتشارها، ومن جهة إدراك الدوافع التي دفعتها للانقلاب".
من خلال نموذجه: بمقدمته ونتائجه، حلَّل السياق التاريخي لمشروع "الخدمة" التركي، وأنجز حمكه العاجل على ظاهرة "الخدمة" وعلاقتها السياسية المعقدة بالحزب الحاكم، وختم جوابه على واقعة "الحدث التركي" التي ما زالت أسئلتها مفتوحة، ومعلوماتها شحيحة تفتقر إلى الشفافية !، و وقع بذلك في فخ "التحكُّم"، الذي قاده إلى "الانتقاء" في تطبيق مقدمة ذلك النموذج التفسيري الافتراضي، كما ستأتي الإشارة إليه.
استعان في تحليل رؤيته وتعزيز نموذجه التفسيري ـ لا سيما المتعلّق بحقيقة مشروع "الخدمة" ـ بشهادات ورؤى، أهمُّها، اثنتان: الأولى: شهادة خصوم "الخدمة" مثل: شهادة "لطيف أردوغان"، وشهادة كتاب "فتح الله كولن: خميني الأتراك"، الثانية: تقارير "مؤسسة راند" الأمريكية وتوصياتها لا سيما سنة 2007م.
وقبل مناقشة مقدمة ونتائج نموذجه التفسيري الافتراضي، أنبّه إلى "خطأ منهجي"، على وضوحه يتكرَّر الوقوع فيه من باحثين و إعلاميين، لكن يؤلمني أن يقع فيه الدكتور الفاضل المتحلّي بأدبيَّات "أهل الحديث" في تمحيص النصوص والرّوايات، ألا وهو: الاعتماد البحثي التحليلي على "شهادات الخصوم"، التي لا تزن بمجرَّدها مثقال ذرة، لا في قضاء ولا في علم، ويصاحب هذا الخطأ المنهجي إعراض تامٌ عن الدراسة النقدية الداخلية للظاهرة من حيث هي، والارتماء في أحضان خصومها، والنظر إليها بغير أعيننا!!. ولعل الدكتور تيقَّظ لهذا الخطأ، فبعد الاستشهاد بكلام خصمه، يقول: " ... وإذا كان كلام لطيف - نائب فتح الله كولن سابقًا- يُعد دعوى أكثر منه شهادة؛ للخصومة بينهما ...".
كم نحن بحاجة إلى أن نستشعر مقام "البحث عن الحقيقة" بتحرُّز وتحفُّظ وتيقُّظ !! والتحرُّر من مقام "الادّعاء العام" الذي يسوّغ ويزيّن لنا حشد الدَّعاوى من أي مصدر كان، لكن "الدكتور" يعود ليعثر في شَرَك ذلك الفخ من جديد، فيستشهد بكتاب "فتح الله كولن خميني الأتراك" لكن هذه المرة دونما أدنى تحفُّظ وتوقّي !.

انفراط المعايير:
رضوخ التفسير التحليلي لنموذج تفسيري سابق ومكتمل، سيقوده حتمًا إلى ممارسة "الانتقاء"، و إبداع "التحكُّم"، وطرح الأسئلة المُغيَّاة، ومع منافرة تلك الطريقة لطبعي إلا أنني مضطر إلى سلوك بعض طرائقها في "مقام النقض والجدل"، أملًا في إظهار عوار نتائجها.
لا تكاد رحى التوظيف الأمريكية تُبقي على شيء في منطقتنا، لا دولًا ولا أحزابًا ولا جماعات، إلا حزبًا واحدًا، قد طُهّر من دنس التوظيف وكان مهيَّئًا لرفع لواء مقاومة المشروع الأمريكي، ومن يكون يا ترى غير "حزب العدالة والتنمية" الحاكم في "تركيا"! تلك هي النتيجة المتوارية وراء نص "المقالة"، فبها فسَّر دوافع الانقلاب تفسيرًا أيديولوجيًا خُلقيًا، مع أن حقيقة "الحدث" ـ فيما أراه ـ صراع مصلحي سياسي، يختفي وراء المبادئ والقيم المسيطرة على القراءة التحليلية للدكتور، وبهذه النتيجة ـ أيضا ـ يتَّهم "الخدمة" وأستاذها بخيانة الأمة وارتباطها بالمشروع الأمريكي، مستعينًا على ذلك بشهوده، وعلى رأسهم تقارير "مؤسسة راند"، وفي هذا السياق يورد السؤال التالي:
"كيف تسنَّى لجماعة -لا يُعرف من قياداتها ودعاتها إلا شيخها الثمانيني المهاجر لأمريكا منذ سنة ١٩٩٩م- أن تقوم بكل هذا العمل الدعوي والتعليمي الذي لا تستطيع دول تنفيذه فضلا عن جماعة! وهذا النشاط غير المسبوق بمؤسساته وملياراته - في فترة كان نفوذ أمريكا مهيمنًا ومتحكمًا إلى حدّ كبير في المنطقة - حتى انتهى الأمر بالجماعة إلى المشاركة في أخطر انقلاب عسكري عرفته تركيا، بتخطيط وإشراف أمريكي ودعم مالي وإعلامي خليجي؟".
تختزل صيغة هذا السؤال المركَّب أُفُق الإجابة على نحوٍ ضيق مبتسر ومشوَّه، لكن إذا صح طرح مثل هذا التساؤل لتفسير تأسيس مشروع الخدمة، ونجاحاته الباهرة، وانتشاره الواسع، بالرعاية والسماح الأمريكي، فهل لنا ـ في المقابل ـ أن نتساءل السؤال التالي:
كيف تسنَّى لحزب سياسي إسلامي أن يصعد لحكم "تركيا" العلمانية، ويُمَكَّن له ـ بنجاح باهر ـ من القبض على مخانق الدولة، في زمن هيمنة النظام العلماني على جمهوريته التي أسَّسها، وسحقه كل مشروع إسلامي منافس له على الحكم، أو ما يشم فيه رائحة "الإسلام"، كحزب "الرفاه" بقيادة نجم الدين أربكان، ومن قبله الرئيس السابق "عدنان مندريس"، و "في فترةٍ كان فيها نفوذ أمريكا مهيمنًا ومتحكمًا إلى حدّ كبير في المنطقة" ـ على حد تعبير الدكتور ـ الذي أسقط فيها مشاريع أحزاب إسلامية منتخبة، بداية من الجبهة الإسلامية في الجزائر، وانتهاء بالإخوان المسلمين بمصر؟!.
فأيهما أولى بالتساؤل المشكّك، أهو المشروع الخدمي؟ أم هو المشروع السياسي؟! ومن هو أولى بالرابطة العلمانية؟ أهو الرئيس الذي لا شرعية له إلا تحت ظل صورة "أتاتورك"؟ أم المشروع الذي لا أرب له في الحكم؟ و كيف يمكن لحزب إسلامي تركي أن يصل إلى سدة الحكم، وينجح أكثر من عقد من الزمان، في وقت هيمنة "أمريكا" على المنطقة وتحالفها مع النظام العلماني في تركيا من دون السماح والإذن والتأييد منها له؟!.
ثم هل حقًا أن حزب "العدالة والتنمية" نجا من سيطرة النفوذ الأمريكي والغربي من بين دول المنطقة و أحزابها السياسية حتى الجهادية منها؟! ثم هل يصح أن تفسير "الأصولية الإسلامية" ـ كما وردت في توصيات "مؤسسة راند" ـ بـ "حزب العدالة والتنمية" العلماني المطبّع مع الكيان الصهيونية تطبيعًا كاملًا، كما تبرَّع به الدكتور في مقالته تلك؟!
ولماذا هذا التوظيف غير النزيه لتوصيات وتقارير "مؤسسة راند" الأمريكية في تشكيل اللوحة التخوينية السابقة لمشروع الخدمة، واتخاذها معيارًا للحكم، مع تجنُّب الدراسة النقدية المباشرة للمشروع؟! وهل من العدل والإنصاف تنحية ذكر تقارير وتوصيات تلك المؤسسة في مدح "حزب العدالة والتنمية" وإقامة الشراكة معه؟! ها هي "مؤسسة راند" تقول في تقرير لها بعنوان: "صعود الإسلام السياسي في تركيا": "حزب العدالة و التنمية يتبع منهج معتدل و موجه من الاتحاد الاوروبي"، "حزب العدالة و التنمية يحكم بمنهج معتدل ، و لا يترك الاسلام يتحكم في سياسته الخارجية الموجهة من الاتحاد الاوروبي ، و لا يوجد محاولات لديه لتحكيم الشريعة الاسلامية"، " إن السياسة الإسلامية في تركيا تسير في طريق الاندماج مع العلمانية ، و اذا فشلت فسوف يقل هذا الاندماج، و هذا سوف يؤدي الى تقليل التقارب بينهما الذي نحتاجه للحد من انتشار الاسلام المتطرف"، "في تركيا الاسلام مختلط مع الديموقراطية و العلمانية، و هذا سبب الصراع بين التيار الاسلامي التركي و الاسلام المتطرف ... لذلك يجب علينا أن نشجع هذا التيار ليشارك مجموعات و مؤسسات في أماكن اخرى في بلاد الإسلام لنشر الإسلام المعتدل و متعدد الثقافات"، " إن الولايات المتحدة تعد تركيا لتكون نموذجا للإسلام المعتدل الديموقراطي و تصدره لبقية الدول في الشرق الاوسط ، و هناك من يعارض هذا المشروع في الجيش التركي". وفي تقرير "راند" 2004م تشجع الإدارة الأمريكية الاتجاهات المعتدلة من الحركة الإسلامية، أو ما يطلق عليه «تيار الإسلام السياسي»، مثل: الإخوان المسلمين في مصر، وحزب الوسط في مصر، أو حزب العدالة والتنمية في المغرب، أو حزب العدالة والتنمية في تركيا، التي تعد النموذج لحملة الديبلوماسية الأمريكية العامة، والتي تقوم على إمكانية التعايش بين الإسلام والحداثة".
فالدعم الأمريكي ومحاولة بناء الشراكة لم تكن قاصرة على التيارات الصوفية فقط، بل شملت حتى التيارات السلفية التقليدية، والأحزاب السياسية الإسلامية ذات التوجهات الحداثية وعلى رأسها "حزب العدالة والتنمية"، والتيارات العلمانية، وغيرها ممن لا يُعتقد فيه تهديدًا للمصالح الأمريكية، والشأن هنا ليس في مجرد التوظيف ولكن في مدى تماهي "الموظَّف" مع الأهداف الأمريكية التي تصل به إلى حد الخيانة للأمة!.
وهل بعد هذا كله يقال: إن "حزب العدالة والتنمية" ضحية مؤامرة "التوظيف" الأمريكي للإطاحة به، مع استخدامها الدول والجماعات الوظيفية في تلك المؤامرة؟.
ثم كيف لنا أن نفسر شهادة "أبي الإسلامي السياسي" ـ "الرئيس: نجم الدين أربكان" ـ في حزب العدالة والتنمية ورئيسه؟ فقد كان يصمهم بالخيانة والتواطؤ مع الصهاينة والعلمانيين!.
ولماذا الإصرار على تصوير الأستاذ "فتح الله" خصمًا للرئيسين: "أربكان" و"أردوغان"؟ مع الإغفال التام عن الخلاف الناري بين الرئيسين "أردوغان" و "أربكان"، وشهادة الثاني الخطيرة في الأول! وإذا كنا لا نقيم كثيرًا عند هذه الشهادة لوجود الخصومة السياسية، فلماذا الهرولة المجنونة إلى تبني أوصاف وشهادة الرئيس الحالي في خصمه السياسي الآخر "فتح الله كولن"؟ هل نحن أمام انفراط في الضوابط والمعايير؟!.