Articles les plus consultés

mercredi 24 août 2016

الملف التركي 

 الملف التركي : نتائج الصراع بين تيار الخدمة و السلطة في تركيا 

ملف نتابع من خلاله التطورات السياسية في هذا الصراع .



بسم الله الرحمن الرحيم
"انفراط المعايير"
الحلقة الأولى
قراءة استفهامية لمقالة "جماعة كولن الظاهرة الوظيفية والرعاية الأمريكية"


تتمركز مقالة الدكتور الفاضل/ حاكم المطيري ـ رفع الله قدره في الدَّارين ـ الموسومة بـ"جماعة كولن، الظاهرة الوظيفة، والرعاية الأمريكية"، حول "نموذج تفسيري" جاهز ومعدٌّ من قبل، تتكشَّف عنه تضاعيفه المقالة، ويكمن وراء نصّها، منه صدرت، وإليها ترد، معمار هذا "النموذج" مكوَّن من مقدمة ونتائجها، تُبْنَى المقدمة من معرفة الدَّور الاستعماري الأمريكي في منطقتنا، وإحدى صوره "توظيف" العالم الإسلامي بدوله ـ لا سيما الدول الخليجية ـ وتياراته السياسية، حتى التيارات الجهادية لم تسلم هي الأخرى من قبضة ذلك التوظيف السياسي للمصالح الأمريكية، تلك المقدمة تستتبعها نتائج، أهمها معرفة قصة "جماعة كولن"، من حيث نجاحها وانتشارها، ومن جهة إدراك الدوافع التي دفعتها للانقلاب".
من خلال نموذجه: بمقدمته ونتائجه، حلَّل السياق التاريخي لمشروع "الخدمة" التركي، وأنجز حمكه العاجل على ظاهرة "الخدمة" وعلاقتها السياسية المعقدة بالحزب الحاكم، وختم جوابه على واقعة "الحدث التركي" التي ما زالت أسئلتها مفتوحة، ومعلوماتها شحيحة تفتقر إلى الشفافية !، و وقع بذلك في فخ "التحكُّم"، الذي قاده إلى "الانتقاء" في تطبيق مقدمة ذلك النموذج التفسيري الافتراضي، كما ستأتي الإشارة إليه.
استعان في تحليل رؤيته وتعزيز نموذجه التفسيري ـ لا سيما المتعلّق بحقيقة مشروع "الخدمة" ـ بشهادات ورؤى، أهمُّها، اثنتان: الأولى: شهادة خصوم "الخدمة" مثل: شهادة "لطيف أردوغان"، وشهادة كتاب "فتح الله كولن: خميني الأتراك"، الثانية: تقارير "مؤسسة راند" الأمريكية وتوصياتها لا سيما سنة 2007م.
وقبل مناقشة مقدمة ونتائج نموذجه التفسيري الافتراضي، أنبّه إلى "خطأ منهجي"، على وضوحه يتكرَّر الوقوع فيه من باحثين و إعلاميين، لكن يؤلمني أن يقع فيه الدكتور الفاضل المتحلّي بأدبيَّات "أهل الحديث" في تمحيص النصوص والرّوايات، ألا وهو: الاعتماد البحثي التحليلي على "شهادات الخصوم"، التي لا تزن بمجرَّدها مثقال ذرة، لا في قضاء ولا في علم، ويصاحب هذا الخطأ المنهجي إعراض تامٌ عن الدراسة النقدية الداخلية للظاهرة من حيث هي، والارتماء في أحضان خصومها، والنظر إليها بغير أعيننا!!. ولعل الدكتور تيقَّظ لهذا الخطأ، فبعد الاستشهاد بكلام خصمه، يقول: " ... وإذا كان كلام لطيف - نائب فتح الله كولن سابقًا- يُعد دعوى أكثر منه شهادة؛ للخصومة بينهما ...".
كم نحن بحاجة إلى أن نستشعر مقام "البحث عن الحقيقة" بتحرُّز وتحفُّظ وتيقُّظ !! والتحرُّر من مقام "الادّعاء العام" الذي يسوّغ ويزيّن لنا حشد الدَّعاوى من أي مصدر كان، لكن "الدكتور" يعود ليعثر في شَرَك ذلك الفخ من جديد، فيستشهد بكتاب "فتح الله كولن خميني الأتراك" لكن هذه المرة دونما أدنى تحفُّظ وتوقّي !.

انفراط المعايير:
رضوخ التفسير التحليلي لنموذج تفسيري سابق ومكتمل، سيقوده حتمًا إلى ممارسة "الانتقاء"، و إبداع "التحكُّم"، وطرح الأسئلة المُغيَّاة، ومع منافرة تلك الطريقة لطبعي إلا أنني مضطر إلى سلوك بعض طرائقها في "مقام النقض والجدل"، أملًا في إظهار عوار نتائجها.
لا تكاد رحى التوظيف الأمريكية تُبقي على شيء في منطقتنا، لا دولًا ولا أحزابًا ولا جماعات، إلا حزبًا واحدًا، قد طُهّر من دنس التوظيف وكان مهيَّئًا لرفع لواء مقاومة المشروع الأمريكي، ومن يكون يا ترى غير "حزب العدالة والتنمية" الحاكم في "تركيا"! تلك هي النتيجة المتوارية وراء نص "المقالة"، فبها فسَّر دوافع الانقلاب تفسيرًا أيديولوجيًا خُلقيًا، مع أن حقيقة "الحدث" ـ فيما أراه ـ صراع مصلحي سياسي، يختفي وراء المبادئ والقيم المسيطرة على القراءة التحليلية للدكتور، وبهذه النتيجة ـ أيضا ـ يتَّهم "الخدمة" وأستاذها بخيانة الأمة وارتباطها بالمشروع الأمريكي، مستعينًا على ذلك بشهوده، وعلى رأسهم تقارير "مؤسسة راند"، وفي هذا السياق يورد السؤال التالي:
"كيف تسنَّى لجماعة -لا يُعرف من قياداتها ودعاتها إلا شيخها الثمانيني المهاجر لأمريكا منذ سنة ١٩٩٩م- أن تقوم بكل هذا العمل الدعوي والتعليمي الذي لا تستطيع دول تنفيذه فضلا عن جماعة! وهذا النشاط غير المسبوق بمؤسساته وملياراته - في فترة كان نفوذ أمريكا مهيمنًا ومتحكمًا إلى حدّ كبير في المنطقة - حتى انتهى الأمر بالجماعة إلى المشاركة في أخطر انقلاب عسكري عرفته تركيا، بتخطيط وإشراف أمريكي ودعم مالي وإعلامي خليجي؟".
تختزل صيغة هذا السؤال المركَّب أُفُق الإجابة على نحوٍ ضيق مبتسر ومشوَّه، لكن إذا صح طرح مثل هذا التساؤل لتفسير تأسيس مشروع الخدمة، ونجاحاته الباهرة، وانتشاره الواسع، بالرعاية والسماح الأمريكي، فهل لنا ـ في المقابل ـ أن نتساءل السؤال التالي:
كيف تسنَّى لحزب سياسي إسلامي أن يصعد لحكم "تركيا" العلمانية، ويُمَكَّن له ـ بنجاح باهر ـ من القبض على مخانق الدولة، في زمن هيمنة النظام العلماني على جمهوريته التي أسَّسها، وسحقه كل مشروع إسلامي منافس له على الحكم، أو ما يشم فيه رائحة "الإسلام"، كحزب "الرفاه" بقيادة نجم الدين أربكان، ومن قبله الرئيس السابق "عدنان مندريس"، و "في فترةٍ كان فيها نفوذ أمريكا مهيمنًا ومتحكمًا إلى حدّ كبير في المنطقة" ـ على حد تعبير الدكتور ـ الذي أسقط فيها مشاريع أحزاب إسلامية منتخبة، بداية من الجبهة الإسلامية في الجزائر، وانتهاء بالإخوان المسلمين بمصر؟!.
فأيهما أولى بالتساؤل المشكّك، أهو المشروع الخدمي؟ أم هو المشروع السياسي؟! ومن هو أولى بالرابطة العلمانية؟ أهو الرئيس الذي لا شرعية له إلا تحت ظل صورة "أتاتورك"؟ أم المشروع الذي لا أرب له في الحكم؟ و كيف يمكن لحزب إسلامي تركي أن يصل إلى سدة الحكم، وينجح أكثر من عقد من الزمان، في وقت هيمنة "أمريكا" على المنطقة وتحالفها مع النظام العلماني في تركيا من دون السماح والإذن والتأييد منها له؟!.
ثم هل حقًا أن حزب "العدالة والتنمية" نجا من سيطرة النفوذ الأمريكي والغربي من بين دول المنطقة و أحزابها السياسية حتى الجهادية منها؟! ثم هل يصح أن تفسير "الأصولية الإسلامية" ـ كما وردت في توصيات "مؤسسة راند" ـ بـ "حزب العدالة والتنمية" العلماني المطبّع مع الكيان الصهيونية تطبيعًا كاملًا، كما تبرَّع به الدكتور في مقالته تلك؟!
ولماذا هذا التوظيف غير النزيه لتوصيات وتقارير "مؤسسة راند" الأمريكية في تشكيل اللوحة التخوينية السابقة لمشروع الخدمة، واتخاذها معيارًا للحكم، مع تجنُّب الدراسة النقدية المباشرة للمشروع؟! وهل من العدل والإنصاف تنحية ذكر تقارير وتوصيات تلك المؤسسة في مدح "حزب العدالة والتنمية" وإقامة الشراكة معه؟! ها هي "مؤسسة راند" تقول في تقرير لها بعنوان: "صعود الإسلام السياسي في تركيا": "حزب العدالة و التنمية يتبع منهج معتدل و موجه من الاتحاد الاوروبي"، "حزب العدالة و التنمية يحكم بمنهج معتدل ، و لا يترك الاسلام يتحكم في سياسته الخارجية الموجهة من الاتحاد الاوروبي ، و لا يوجد محاولات لديه لتحكيم الشريعة الاسلامية"، " إن السياسة الإسلامية في تركيا تسير في طريق الاندماج مع العلمانية ، و اذا فشلت فسوف يقل هذا الاندماج، و هذا سوف يؤدي الى تقليل التقارب بينهما الذي نحتاجه للحد من انتشار الاسلام المتطرف"، "في تركيا الاسلام مختلط مع الديموقراطية و العلمانية، و هذا سبب الصراع بين التيار الاسلامي التركي و الاسلام المتطرف ... لذلك يجب علينا أن نشجع هذا التيار ليشارك مجموعات و مؤسسات في أماكن اخرى في بلاد الإسلام لنشر الإسلام المعتدل و متعدد الثقافات"، " إن الولايات المتحدة تعد تركيا لتكون نموذجا للإسلام المعتدل الديموقراطي و تصدره لبقية الدول في الشرق الاوسط ، و هناك من يعارض هذا المشروع في الجيش التركي". وفي تقرير "راند" 2004م تشجع الإدارة الأمريكية الاتجاهات المعتدلة من الحركة الإسلامية، أو ما يطلق عليه «تيار الإسلام السياسي»، مثل: الإخوان المسلمين في مصر، وحزب الوسط في مصر، أو حزب العدالة والتنمية في المغرب، أو حزب العدالة والتنمية في تركيا، التي تعد النموذج لحملة الديبلوماسية الأمريكية العامة، والتي تقوم على إمكانية التعايش بين الإسلام والحداثة".
فالدعم الأمريكي ومحاولة بناء الشراكة لم تكن قاصرة على التيارات الصوفية فقط، بل شملت حتى التيارات السلفية التقليدية، والأحزاب السياسية الإسلامية ذات التوجهات الحداثية وعلى رأسها "حزب العدالة والتنمية"، والتيارات العلمانية، وغيرها ممن لا يُعتقد فيه تهديدًا للمصالح الأمريكية، والشأن هنا ليس في مجرد التوظيف ولكن في مدى تماهي "الموظَّف" مع الأهداف الأمريكية التي تصل به إلى حد الخيانة للأمة!.
وهل بعد هذا كله يقال: إن "حزب العدالة والتنمية" ضحية مؤامرة "التوظيف" الأمريكي للإطاحة به، مع استخدامها الدول والجماعات الوظيفية في تلك المؤامرة؟.
ثم كيف لنا أن نفسر شهادة "أبي الإسلامي السياسي" ـ "الرئيس: نجم الدين أربكان" ـ في حزب العدالة والتنمية ورئيسه؟ فقد كان يصمهم بالخيانة والتواطؤ مع الصهاينة والعلمانيين!.
ولماذا الإصرار على تصوير الأستاذ "فتح الله" خصمًا للرئيسين: "أربكان" و"أردوغان"؟ مع الإغفال التام عن الخلاف الناري بين الرئيسين "أردوغان" و "أربكان"، وشهادة الثاني الخطيرة في الأول! وإذا كنا لا نقيم كثيرًا عند هذه الشهادة لوجود الخصومة السياسية، فلماذا الهرولة المجنونة إلى تبني أوصاف وشهادة الرئيس الحالي في خصمه السياسي الآخر "فتح الله كولن"؟ هل نحن أمام انفراط في الضوابط والمعايير؟!.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire