الإسلام السّياسي بين الأمس و اليوم
الحلقة
الأولى
مصطفى عبدالله
ونيسي/باريس
تقديم
إن إلغاء نظام الخلافة سنة 1924م
وتأسيس جمهورية تركيا، كنظام قومي علماني عن طريق كمال أتاتورك ، هو في الحقيقة
شكل من أشكال القضاء على ما يعرف اليوم بالإسلام السياسي. و مع عودة التيارات الإسلامية إلى واجهة
الأحداث و خاصة منها السّياسية عبر بوابة ما يعرف بثورات الرّبيع العربي هو اعتراف
ضمني من طرف القوى الكبرى المهيمنة في العالم مثل الولايات المتحدة الأميريكيّة بهذه التيّارات قصد ترويضها و احتوائها بشكل من
الأشكال بشرط أن لا تتجاوز هذه التّيارات الحدود المرسومة لها مُسبّقا ، خاصة بعد
أن استنفذت الأنظمة الديكتاتورية ذات المرجعيّة العلمانيّة، سواء منها العسكريّة
أو البوليسيّة، أغراضها و أصبحت فاقدة لكل شرعيّة يمكن أن تستند إليها في سياسة
شعوبها. فهذه الأنظمة الفوقيّة المنصبة على الشعوب بقوة الحديد و النّار أصبحت
عبئا ثقيلا على النّظام العالمي الذي لا يفهم إلاّ لغة المصالح، ولم تعد هذه
الأنظمة بعد أن تورطت في قمع شعوبها الحليف المناسب لقوى المهيمنة في عالمنا
المعاصر. و نتيجة لسحب الثقة و
الحصانة عن هذه الأنظمة في بلادنا
العربيّة و الإسلامية بدأ تفكير هذه القوى الكبرى و خاصة منها الولايات المتحدة
يتجه نحو مغازلة القوى الإسلامية الصاعدة لتكون البديل المحتمل بشرط أن تعتمد هذه
التيّارات الإسلامية الدّيمقراطية كنظام سياسي و لا حرج عليها فيما عدا ذلك أن
تتمسك ببعض المظاهر الإسلاميّة من مثل التمسك بالبند الأول من دستورالاستقلال عندنا
في تونس ولكن دون اعتماد الشريعة كمرجع أوّل و أساسي للتشريع و إدارة الشأن العام.
و ما يعنيني في هذه الدّراسة هو أن هذه التيّارات الإسلامية و السياسيّة الصّاعدة
ليست جديدة و إنّما هي قديمة قدم هذه الحضارة الإسلامية. فهي تيارات لها
سيكولوجياتها و لها أيضا ثقافات سيّاسيّة و عقائدية متعدّدة تلقّاها الأحفاد عن
الأجداد و تربوا عليها و هي حاضرة في أذهانهم
و مشاعرهم وسلوكهم اليومي و مظاهر أفراحهم
و أتراحهم... و هي ثقافة اختلط فيها الحقّ بالعادات ، فكان منها ما هو ديني ملزم
لنا باعتبارنا مسلمين، ولكن أغلب هذه
الثقافة، ولئن كان أصلها دينيّا، فهي صادرة عن اجتهاد بشري ولنقل تاريخي ينبغي أن يطاله التقييم و النّقد
الموضوعي لنميز النّافع منه من الضّار. ففهم هذه التيّارات الإسلامية بمختلف عناوينها
لا يمكن تحققه دون الرّجوع إلى مصادر التّلقي عندها منذ الصدر الأول للإسلام و معرفة كيف نشأت و في إي اتجاه تطورت هذه الاتجاهات العقائدية و السيّاسيّة حتّى يومنا هذا؟
و خدمة للقارئ و ترشيدا للمناضل
السّياسي المسئول و الصادق نقدّم هذه الخلاصات في الفكر العقائدي و السيّاسي لأهم
الإتجاهات العقائدية و السيّاسيّة التي
تركت بصماتها في فكرنا السياسي و العقائدي . هي خلاصات تاريخية عامّة نضعها على
ذمّة القارئ العادي ومن لا وقت له من المناضلين و المهتمين بالفكر السيّاسي
الإسلامي لتنيره وتعينه على فهم واقعه و
وصل مستقبله بماضيه، وهذا جوهر ما نسميّه بأهميّة دراسة التّاريخ الإسلامي و خاصّة
منه الفكري و السيّاسي ليعرف النّاشط و المفكر على أي أرض يسير. فدراسة التّاريخ
بعقليّة نقديّة قصد الإصلاح ذو أهميّة قصوى ولكنّ بشرط أن لا نبقى أسرى هذا
التّاريخ نلوكه دون أن نتجاوزه للإبداع و التأسيس و البناء عليه. فهذه الدّراسة
التاريخية ليس المقصود بها المختصين و
إنّما المقصود بها أساسا هم النّشطاء من السّياسيين و الحقوقيين و الدّعاة و كلّ
من لا وقت له على رسم نهج يجمع بين الأصالة و مكاسب الحَداثة دون السّقوط في
الماضويّة التّاريخانية، بعبارة المفكر المغربي محمّد عابد الجابري،كما تفعل بعض
التّيارات السّلفية أو الاستيلاب الفكري و جلد الذّات كما يفعل بعض المتطرفين من
العلمانيين عندنا. فالتيارات الإسلامية، و
هي ما يعرف تقريبا بالفرق الإسلاميّة (1)قديما، هي ظاهرة تاريخيّة ، ينبغي دراستها
بموضوعيّة ، لنقف عن مواطن الخطأ و مفاصل الاستبداد فيها فنتبرأ من كلّ ذلك من دون
أي حرج، ونتبيّن مواطن الحُسْن فيها و الخير فنستصحبه في تجربتنا المعاصرة دون
إسقاط فوقي أو إهمال لمقتضيات ظروفنا الجديدة و المعاصرة.
باريس24/04/2012
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire