Articles les plus consultés

lundi 17 septembre 2012

Comprendre l'histoire : c'est important


بقلم نارام سرجونمايحدث للاسلاميين هذه الأيام يشبه ما حدث مع من حضر دعوة أبي جعفر المنصور (الخليفة العباسي الثاني) الى وليمة أعدها المنصور على شرف أبي مسلم الخراساني .. فيروي المسعودي أن المنصور دعا أبا مسلم الى مضاربه وقد خبأ له حرسه فيه ولما دخل أبو مسلم رحب به المنصور وحادثه ساعة وما ان همّ بالجلوس الى الطعام حتى فاجأه جنود المنصور .. فقال أبو مسلم مخاطبا المنصور: خلّني لأعدائك ياأمير المؤمنين .. فقال له أمير المؤمنين: ويحك ياابن الخبيثة .. وهل لي عدو غيرك ..ان لم اقتلك قتلتني .. ثم أومأ للجنود فهجموا على الضيف الذي اعتورته السيوف حتى تخلّطت أجزاؤه .. وسقط رذاذ دمه الفوار على الطعام .. ويقال ان المنصور أرغم الحضور على تناول الطعام الذي تلوث بدم عدوه القتيل امعانا منه في ارهابهم واذلالهم .. فدامت دولته 600 عام بعد هذه الوليمة الرهيبة التي أرغم فيها المدعوون على الأكل من طعام ملطخ بالدم..
لايعتقد عاقل أن طريقة نشر الفيلم المسيء للنبي الكريم وتوقيته وتفاعلاته ليست مبرمجة ..فأميريكا التي تراقب كل شيء على أراضيها تريد أن تقنعنا أنها لاتعرف كيف خرج الفيلم الطويل (براءة الاسلام) وكيف أخرج .. وتستخف بعقولنا بالقول بأنه تم خداع طاقم العمل كله من قبل المخرج .. بل ان أغلب الظن أن اطلاق الفيلم بشكل واسع في هذا التوقيت هو لترويض الاسلاميين العرب قبل أن تطول أشجارهم ولحاهم أكثر .. لأن فأس التأديب ستهز أشجار الربيع باسقاطها ان تطاولت كثيرا .. البعض من الاسلاميين الأغبياء اعتقد أنه بمجرد الوصول الى السلطة سيشب الاسلاميون عن الطوق ويتمردون على أميريكا .. لكن أميريكا لن تسمح للأشجار التي زرعتها بتجاوز طول جدار حديقتها الاسلامية “العزيزة”.. وستقطعها اذا ماتطاولت..
لم يهنأ اسلاميو أميريكا بشهر العسل .. فقد لبوا حفل الربيع العربي دون تأخير وجلسوا الى مائدة السلطة وصناديق الانتخاب المعدّة سلفا ووضعوا الفوط والسكاكين والأطباق بانتظار أطايب الطعام ثم بسملوا .. وانهمكوا في مضغ الطعام الذي قدمته لهم أميريكا باسم (الثورة) وأكلوا بجذل الجائع الوجبة ثم حمدوا الله وأثنوا عليه .. وبدأ تناول الحلويات وتجهز أردوغان للصلاة في الجامع الاموي بعد العشاء فيما تهيأ مرسي لامامة الربيع الاسلامي .. بعد كل ذلك تبين للمدعوين أن الطعام الذي أكلوه وانتفخت كروشهم به مطبوخ بدم نبيهم الذي يقتل رمزيا .. وأن المرق واللحم فيهما نكهة الخيانة .. وأن بطونهم ملأتها النار لأنهم تسببوا في يتم آلاف الأطفال .. واليوم يعرض الأمريكيون فيلما لترويضهم فيظهر لهم كيف تم تحضير الطعام الذي التهموه وكيف أنه مطهو بالدم ومغلي بغضب النبي .. لتكون الوليمة بنكهة تحطيم الرمز الاسلامي الأقوى ..الرسول الكريم نفسه .. رسول المسلمين والاسلاميين ورمزهم الأكبر ..ولكن الشباب أكلوا الوليمة (السلطة) واستقرت في بطونهم .. ولايقدرون على التراجع..
فتعالوا في هذه الجولة على مزرعة الربيع العربي الاسلامية لنرى الخيول المطهمة والحمير والبغال والأبقار وسائر الأنعام الاسلامية والتي تقوم الولايات المتحدة بترويضها وحلبها وربطها من أعناقها وقرونها..والامتحان هو الفيلم..
فما الذي سيفعله أردوغان مثلا وكل حزب العدالة والتنمية التركي الذي فقد صبره مئات المرات مع الرئيس بشار الأسد ..وتورط بالدم السوري والليبي ؟ ماالذي سيفعله ولدى المخابرات الاسرائيلية والغربية والأمريكية ملايين الوثائق على صفقات تولي السلطة وبيع الاسلام وبيع دم المسلمين من سورية الى ليبيا والعراق وحتى لبنان وغزة .. أردوغان في هذه المسألة سيلقي خطابا ديبلوماسيا فيه بعض العنترية ولكنه سيبلع الاهانة كما تبلع الأفعى أرنبا ضخما ولاتغص .. ولن يجرؤ على تجاوز الخطوط المرسومة له .. فهو الآن في موقع لايحسد عليه بسبب ورطته في سورية ..واذا لم يساعد في تبريد الجو حول الاساءة للرسول فلن يستحق أكثر من دفعة أمريكية بسيطة لالحاقه بعدنان مندريس ..مشنوقا..
وماالذي سيفعله محمد مرسي سوى ممارسة الديبلوماسية التي فعلها مبارك ووزيره أحمد ابو الغيط وتكرار الحفاظ على السلام الدولي والعلاقات وحسن الضيافة والجوار وهو الذي ملأ آذاننا تقريعا بتخاذل الحكام عن نصرة الدين ورسوله؟؟.. وماالذي سيفعله تنظيم الاخوان المسلمين العالمي والمصري سوى البحث عن فتوى لسد الذرائع ..لأن أي عنترية اخوانية والامتناع عن التنفيذ هنا تعني أن ملفات الاتفاقات السرية ستسرب الى الاعلام العالمي ببراءة وسيعرف العالم تفاصيل الدور الاخواني في التغيير المصري و الثورة ومابعد الثورة وتسقط شرعية الاخوان ويتحولون الى ديكتاتورية جديدة .. بل وسيعرف العالم من الذي كتب خطابات مرسي في مؤتمر عدم الانحياز في طهران .. أقصى ماسيفعله مرسي الآن هو العمل الديبلوماسي لتجاوز الأزمة كأي حكومة لا اخوانية..
وبالطبع سيطير عمرو خالد الى أميريكا للوعظ .. فهذه مواسم ثعابينه الكلامية حيث سيمارس ألاعيبه على مستمعيه ويدعوهم الى اظهار سماحة الاسلام ومحبته وعدم دمويته .. بالطبع سماحة الاسلام التي دعا فيها الجمهور معه للصلاة لاهلاك الرئيس السوري والانتقام منه بدل دعوة السوريين للاحتكام للصلح لاتدخل في هذا السياق .. أما ان تعنتر عمرو خالد فستظهر له الشيكات والعمولات التي تلقاها عن كل فتوى لتمرير الاسرائيليات الى الدين الاسلامي وماأكثرها وهو يعرف ماذا أعني .. وكذلك الشيك (الخليجي) الذي سبق دعاءه لاهلاك الرئيس السوري..ولاأنصحكم بتوقع سماع “دعاء الهلاك” على من اساء للرسول من شخص مثل المحتال عمرو خالد..
أما ماالذي سيفعله ملوك وأمراء آل سعود فهو انهم سيفعلون مافعلوه مع هذه الأزمات دوما أي النوم والشخير..وتذكّر أن الاسلام ليس دمويا الا في سورية وليس حقودا الا على الدولة السورية .. وستسمعون دهاة الافتاء السعودي من بن باز الى بن عثيمين الى اللحيدان والعريفي الذين أفتوا بابادة ثلث الشعب السوري .. حيث سيشق هؤلاء بطون الأحاديث ويستولدون الآيات القرآنية بعمليات قيصرية عاجلة فتاوى وتوجيهات سمحة مما لاعين رأت ولاأذن سمعت ولاخطر على قلب بشر يخلطونها ببعض تمثيليات الغضب والصياح .. ونتحدى أن يطلب العرعور من المسلمين الأمريكيين قرع الطناجر ليلا في نيويورك أو كاليفورنيا والتكبير من على الشرفات احتجاجا..
القرضاوي المحتال والنصاب اذا لم يتصنع المرض والغياب هذه الأيام لدواع صحية فقد يخطب خطبة عصماء ويطلب الاعتذار والاّ… ولن نعرف ماذا بعد والا .. ولكن لاتتوقعوا أنه سيطلب منكم قتل أحد وأن يقول قوله (اقتلوه ودمه في رقبتي).. فهو يحب الدم الحلال .. ودم الفرنجة فيه نكهة الخنازير وهو لن يضعه في رقبته ..
ولن يتبرع النائب الكويتي الطبطبائي (كما فعل في ادلب السورية) بمدافع مضادة للطائرات لمن يحارب ثأرا لكرامة الرسول .. لأنه في هذا الشأن الرسولي الكبير ومع ماما امريكا بالذات لايمكن أن يكون اسم النائب الكويتي هو السفسطائي بل البطبطائي أو الانبطاحي ..أوالصوصطائي .. وهذا مثله مثل أحمد الأسير (أو الكسير) واسلاميي الحريري ..الذين سيردون على الفيلم بحملة ركوب دراجات هوائية سلمية ..
تلامذة القرضاوي في الحكم في تونس قد يأتون بعزمي بشارة ليساعدهم عبر محاضرة في ايجاد مخرج عبقري (أبيض) وهو أبو المخارج ويبيض الصفحات .. وقد يشير عليهم بأن يصدروا اجتهادا من عيار اجتهاد الغنوشي في البكيني على البحر .. ويظهر الغنوشي مع أخيه الأبله المرزوقي (نسخة علي الظفيري) ليقول له بصوت مبحوح (فيلم الرسول بلاه) .. وقد يشير عزمي باستضافة ممثلي الفيلم في مهرجان قرطاج كنوع من التحدي الثوري ..لاحراجهم بكرم العرب..
كل الاسلاميين الثوريين من المحيط الى الخليج أمام امتحان قاس سيسحب منهم الدسم الايماني كله .. وسيكسر شوكتهم ويحولهم بين عشية وضحاها الى مجرد حكومات أمر واقع وحكومات ثرثرة وبهورة .. وحكومات مثقوبة ومركوبة ..وستكون بداية النهاية للحركات الاسلامية معنويا ..
أما من هم في موقف لايحسد عليه فهم الاخوان المسلمون السوريون والثورجيون السوريون جميعا فهم كتبوا حبهم للناتو وطائراته على الغيوم التي تعبر السماء وعلى الحور الدمشقي العتيق وهم مدينون له في كل شيء من الرعاية الاعلامية الى الرعاية في مجلس الأمن الى هدايا السلاح والمعلومات والدعم اللوجستس والاستخباراتي ووعوده بأن أيام الاسد معدودة وهو من قدم لهم هدية رمضان باغتياله خلية الأزمة .. فكيف سيجرؤون على رفع عقائرهم وحناجرهم .. أو رفع أصابعهم في وجهه؟؟ .. وأغلب الظن أننا سنكتشف أن ألسنة (جمع لسان) الاسلاميين السوريين ستضمر وتذوب وتضمحل في قيعان الأفواه حتى لايبقى من الواحد منها سوى جذمور صغير بحجم ذكر الطفل الوليد بعد الختان .. وسيكون ذلك تحديا لنظرية دارون في التطور .. فلسان الاخوان والثورجيين السوريين تورم وتضخم وتعملق من كثرة الاستعمال والثرثرة والوعيد والدعاء على انتهاك النظام للشرائع .. ولكنه سيذوب في ليلة الفيلم المسيء وضحاها كما لو كان قطعة سكر في فم الشقراء هيلاري كلينتون .. ولن يكون أبدا بحجم ما كان كبيرا في فم مونيكا لوينسكي!!!!
والعضو الذي لايعمل يضمر حسب تشارلز دارون .. وهذا العضو (اللسان طبعا وليس ماكان في فم مونيكا) في فم الاخوان السوريين سيتلاشى تماما.. ومن لايصدق فليقرأ محاولة معظم صفحات الثورة السورية أو كلنا شركاء لتبرير السكوت باختلاق أعذار مثيرة للسخرية والضحك..والترويج للمؤامرة على ماما أمريكا..من قبل النظام السوري الذي موّل الفيلم..لاحراج الثورة السورية..
ان فيلم (براءة الاسلام) ليس بريئا .. وهو سيف مسلط على رقاب الاسلاميين الجدد بأن يثبتوا أنهم قادرون على ترويض شعوبهم في سيرك الربيع العربي .. وأنهم أنفسهم حيوانات مروضة ستمارس ضبط النفس الذي ستمارسه اي حكومة عميلة سابقة ..ضبط النفس فقط..فقد تكون الخطوة القادمة ..هدم المسجد الأقصى.. وفيلم اليوم هو بروفة للتدرب على امتصاص الغضب ..الغضب الذي سيمله الناس طالما أنه لاينتج بعد عدة أزمات مشابهة متلاحقة .. ويعرفون بعد عدة تجارب أن الصراخ لن يجدي لأن الحكومات التي صارت اسلامية هي نفسها تلتزم بضبط النفس ..ويصبح كلب بافلوف (الجمهور العريض) معتادا على تلقي الاخبار المهينة والخسائر مع شعور بالعجز .. حتى هدم المقدسات..
وهذا الفيلم لمصر سيبقى مثل “فيلم اعدام صدام حسين في صباح العيد” للعراقيين الذي افتتح ودشن رسميا عهد الكراهية بين السنة والشيعة في القرن الواحد والعشرين ..ودشن الحروب الأهلية .. ولانزال ندفع ثمنه حتى الآن ..فالاشارة الى دور قبطي في فيلم براءة الاسلام سيدشن رسميا عهد الكراهية والتنابذ بين الأقباط والمسلمين في مصر .. وسيتكفل سلاح ليبيا المسروق والمهرب بتغذية الطرفين .. فالجحيم قادم الى مصر ولن تترك لتنجو بخزعبلات محمد مرسي .. وقد يكون الثمن المطلوب من مرسي المشاركة في حرب على ايران أو الانضمام بشكل عسكري فاعل أكثر الى الحملة على سورية وايران .. وتأجيل الجحيم القادم ..
أما خبر أن مقتل سفير أميريكا في ليبيا كان على يد اسلاميين ردا على الفيلم فهو نكتة مصرية .. لأن الاسلاميين الليبيين لايجرؤون على هذا التحرك فزعيمهم بلحاج نفسه خريج غوانتانامو والأمريكيون يعرفونه كما يعرف بلحاج قضبان قفصه ورقمه في غوانتانامو وعدد المرات التي استجوب فيها وعدد المرات التي تبول فيها حراسه الأمريكيون في فمه .. فيما المهدي حاراتي مشغول بنقل الليبيين ليجري فتوحاته في سورية مع عبد الرزاق طلاس على السكايب .. وأغلب الظن ان من هاجم السفارة الامريكية هو من أراد تدشين العودة الأمريكية الى قاعدة ويليس .. وليكون الأمريكيون قريبين من حدود محمد مرسي مباشرة لشده من اذنه اذا ما تطاول..وللتحضير للتدخل يوما ما في مصر لانقاذ الاقباط ..عندما ياتي الجحيم..
هناك بعض من يعتقد أن اميريكا ربما تحس أنها بحاجة لدفع الاسلاميين أكثر فدفعت بهذا الفيلم لمسرحة الخلاف مع الاسلاميين ولاظهارهم أقوياء يثرثرون ويطلبون الاعتذار ويجرجرونها الى المحاكم فتعتذر فيكون ذلك منح شرعية معنوية لهم تمكنهم من تطويع بقايا التمرد في مجتمعاتهم المترددة في قبولهم .. ولكن أميريكا لاتعتذر ..ولم تعتذر يوما عن جرائم كبرى جدا .. ولن تعلم العبيد ثقافة أن يطلبوا الاعتذار فيجابون .. وهذا الطرح ليس له رصيد لمن يعرف العقل الغربي المتكبر والمغرور..
انني لاأريد لهذه القضية أن تتفاعل ولاأن تكبر لكنني أحس بنفاق التيارات الاسلامية الرسمية (وليست الشعبية) من خلال تعاملها معها والركون الى العقلانية السياسية التي تنكرها على الآخرين فيما تشنع على الشعب السوري وتحرض عليه المجانين .. انني أعتقد أن الفيلم بالنسبة للاسلاميين ياأصدقائي هو وليمة أبي جعفر المنصور أو وليمة أبي عمامة البرّاق (باراك أوباما) .. وفيلم الاساءة للنبي يشبه دم أبي مسلم الخراساني على طعام الوليمة .. وعلى الاسلاميين على مائدة السلطة أن يأكلوا من الاساءة .. ومن دم النبي المسفوح رمزيا ..دون أن يتذمروا الا في حدود المسموح .. وسيأكل الاسلاميون من المحيط الى الخليج ..لحم النبي ويشربون دم النبي صاغرين .. ولن يشربوا بول النبي الذي حدثونا عنه في فتاواهم بل بول السيد الأمريكي وهم يحاربون في سورية .. كما يأكلون الآن لحم الشعب السوري ويشربون دم الشعب السوري .. لاحياهم الله
_____________________________________________________________________

dimanche 16 septembre 2012

Un témoignage phare

» حوار اليوم

الدكتور «نجيب القروي» (ابن الوزير السابق حامد القروي) لـ«التونسية»:«النهضة» تعاملت مع السلطة كغنيمة

10/09/2012 23:29

  الباجي قائد السبسي مجرّد صورة وتاريخه ليس نظيفا

 من العيب أن نسلّط على هذا الشعب شخصا مكروها مثل لطفي زيتون

 «إبراهيم القصّاص» عار على تونس



 حاوره العربي الوسلاتي

ظلّ لفترة طويلة مغيّبا عن صدارة الأحداث لكنه فجأة ودون مقدّمات احتلّ أهمّ العناوين بعد نشره للتقرير الطبي الخاص بالحالة الصحيّة لحمادي الجبالي لرئيس الحكومة المؤقتة وصديقه المقرّب. عرف بانتمائه سابقا لحركة الاتجاه الإسلامي وبقربه من رموز الحركة... أنشأ جمعية خيرية ذات خلفية إسلامية في تونس قبل اندلاع الثورة في سابقة هي الأولى من نوعها هو الدكتور نجيب القروي  ابن الوزير الأول السابق حامد القروي, عن تاريخه صلب الحركة الإسلامية ونضاله السياسي المحظور وعلاقته بالنظام السابق  وعن رأيه في الحراك السياسي المتقلّب في البلاد وتقييمه لآداء «النهضة» في الفترة الماضية حدّثنا الدكتور...
 نجيب القروي اسم عاد فجأة البروز على صدارة الأحداث واحتلّ حيّزا كبيرا من اهتمام وسائل الإعلام خاصة بعد التقرير الأخير الذي كشفه عن رئيس الحكومة «حمادي الجبالي» والمتعّلق بحالته الصحيّة...
ـ في الحقيقة لن أعيد الخوض في هذا الموضوع, تجمعني علاقة صداقة خاصة بالسيد حمادي الجبالي وأنا طبيبه الخاص وقدّ جرتنا الأحداث والتطورات الأخيرة للكشف دون عمد عن حالته الصحيّة وقد خضت كثيرا في هذا الموضوع ولم أكن انوي صراحة ذلك لان اهتماماتي أبعد من ذلك بكثير, كنت قد حدّدت توجهاتي عقب الثورة بالتركيز على العمل الجمعيّاتي والاجتماعي والابتعاد عن عالم السياسة الذي اعتبره ملّوثا جدّا... الصورة التي أبحث عنها لنجيب القروي ليست هي التي أنا الآن بصدد تداولها لأني أفضلّ البقاء في العمل الخيري والتطوعي وأفضّل لو كانت الفرصة قد سنحت لي بالتعريف بنشاط الجمعية الخيري وبأهدافها بعيدا عن عالم السياسة...قد أكون مجبرا على الكشف على بعض الحقائق الخطيرة وشنّ حرب على بعض الأطراف خلال الأيام القادمة  لانّ الأمر يتعلقّ بمسألة مبدأ وبمشروع حياة وقد ألجأ إلى استخدام كلّ الأسلحة التي بحوزتي للكشف عن بعض المخطّطات القذرة التي تتعلق أساسا بالطبّ الإستعجالي.

 لو توضّح لنا أكثر...

ـ لي خبرة 18 سنة في طبّ الاستعجالي وهذا الاختصاص كوّنته شخصيا  ولنا طاقم عمل متكامل في سوسة وكنّا ننوي ترشيح إحدى الكفاءات التي تعمل هنا منذ فترة للإشراف على هذا الاختصاص لكن اعتقد أن وزير الصحّة السيد عبد اللطيف المكّي يفكرّ في تسمية شخص آخر نكاية في شخصي وفي شخص حمّادي الجبالي على اعتبار الصداقة الكبيرة التي تجمعني به... هناك مساع أٌقوم بها حاليا لإنقاذ مشروعنا لكن يبدو أن الحرب قادمة لا محالة...

 وما الذي يزعج عبد اللطيف المكيّ في علاقتك بحمادي الجبالي...؟

ـ عبد اللطيف المكيّ مشروع ديكتاتور,هو يحلم برئاسة الحركة وربّما رئاسة البلاد, هو يكنّ عداوة كبيرة لحمّادي الجبالي ويريد تسمية كفاءة أخرى عوضا عن التي اقترحناها نحن لا لشيء سوى نكاية في حمادي الجبالي وهذا ما لن أقبله ولذلك قد تكون المواجهة بيننا قريبا في انتظار أن التقي الشيخ راشد الغنوشّي على أمل أن يتفهمّ الموضوع...عبد اللطيف المكّي شخص خطير وأنا أعرف ممارساته وشبكة علاقاته والخيوط التي يربطها حاليا لتطويق الحركة...هذا موضوع ثان لا أريد الخوض فيه حاليا وكلّ ما أبحث عنه حاليا هو التعريف بنشاط الجمعية أن سمحتم لي بذلك...

 الفرصة أمامكم ولكم المجال للتعريف بالجمعية وبنشاطها...ولو أن دعوة العشاء التي نظمتموها مؤخرا بحضور رئيس الحكومة قد تكون أوفت بالغرض...

ـ (ضاحكا) الحمد لله دعاية مجانبة لم نكن نحلم بها...الجميع أٌقام الدنيا ولم يقعدها لمجرّد تواجد حمّادي الجبالي في العشاء المذكور وكأن الأمر فيه شبهة ما...جمعية التعاون هي فكرة انبثقت من مجموعة ضيقة باقتراح شخصي منّي...تقوم على توزيع بعض الإعانات إلى العائلات المعوزة والمحتاجة...في بداية  2010 فكرّنا في تكوين هذه الجمعية في إطار قانوني...الجمعية ذات خلفية ومرجعية إسلامية واضحة... كان من الصعب الحصول على التأشيرة في تلك الفترة خصوصا في ظلّ سوابقي في تلك الفترة مع وجود  تحفظات على شخصي... «بن علي» كان يعرفني جيّدا منذ كان مدير أمن ويعرف كلّ كبيرة وصغيرة عن شخصي لذلك طلبت من الوالد مباشرة المعونة وقلت للوالد بأن يقول لبن علي نجيب يريد تكوين جمعية... وستكون أهداف الجمعية في الملف الذي سنتقدم به مقبولة... نسّقنا مع  المسؤول مع الجمعيات في وزارة  الداخلية وحتى اسم الجمعية كان باقتراح من وزارة الداخلية ونحن وافقنا على هذه الشروط وقدمنا تنازلات بالجملة حتى لا يسقط مشروعنا كما انه كان من بين الأعضاء شخص تجمّعي صرف وضعته خصّيصا مع المجموعة حتّى نكون محلّ ثقة ونكون مكشوفين أمام الداخلية وفي 31 أوت 2010 تحصلنا على الترخيص ويوم 4 سبتمبر نشرناها في الرائد الرسمي... تحصّلنا على التأشيرة بالأكتاف الحمد لله الأكتاف استعملناها في طاعة الآخرة...مع ذلك عانينا من بعض التضييقات وهذا كان طبيعي جدّا بحكم التوجه الإسلامي للجمعية خاصة وان وضعنا شعار الجمعية حبّة وسبع سنابل وكلّ شخص متديّن يفهم معنى هذا الشعار... حاولنا التعريف بالجمعية حينها والإشهار لها في بعض الجرائد التي رفضت رغم أن العملية لم تكن بالمجان.فتوجهنا إلى التعريف بالجمعية على الفايسبوك من خلال صفحة أنشاها أمان الله المنصوري الناشط المعروف على شبكة التواصل الاجتماعي...مقرّ الجمعية في سهلول وبدأنا في العمل من خلال جمع بعض الملابس وتوزيعها والأمر كلّه كان يسير تحت أنظار البوليس الذي يراقبنا باستمرار...

 كونك ابن حامد القروي هل سهّل ذلك من توسيع نشاط الجمعية خاصة وأنكم كنتم تعملون في العلن على عكس البعض الآخر...

ـ نجيب القروي معروف في سوسة بتوجهاته ومرجعيته الدينية لذلك طلبت مقابلة وزير الداخلية السابق رفيق الحاج قاسم وهو ما كان فعلا حيث أخبرته بنشاط الجمعية وأخبرته مسبقا بأنه ستكون هناك تقارير سلبية ضدّي لذلك لا فائدة من التضييق عليّ لأنه لن تكون هناك اهتمامات سياسية داخل الجمعية وذلك حتى لا تسبقني التقارير إلى مكتب الوزير...الوزير السابق تساءل حينها لماذا فسحنا المجال أمام المحجبّات للعمل في الجمعية فأخبرته أنهن متطوعات ولم يكن الأمر مقصودا... حقيقة لم تمارس علينا ضغوط كبيرة رغم تخوفات بعض الولاة حينها حيث اتصلوا بي وعبّروا لي عن مخاوفهم من العمل الذي نقوم به لكن الحمد لله رغم التضييفات لم تحبط عزائمنا ثم جاءت الثورة وتخلصنا جميعا من القيود.

 نشاطكم هذا الذي يصنّف سابقا في خانة المحظور ألم يزعج السيد حامد القروي بالنظر إلى وزنه وتاريخه السياسي...؟

ـ لا... الأمور لم تصل إلى هذه الدرجة كما انه  ليس بالخطورة التي يتصوّرها البعض...وأنا من جانبي لم أشأ الدخول في نقاشات ومصادمات وكنت مطيعا وأستجيب لكلّ الإملاءات التي تصلنا أحيانا من بعض الولاة أو الجهات الرسمية...الحمد لله جاءت الثورة وفسح لنا المجال للعمل بأكثر حريّة وتوسّع نشاطنا مع توافد اللاجئين الليبيين ونصبنا خياما في المنطقة الحدودية وتواصلنا مع مفوضية اللاجئين ومع برنامج الغذاء العالمي...الجمعية أخذت بعدا عالميا وهذا ما نحمد الله عليه...كّنا مجموعة من المتطوعين ثم نجحنا في خلق مواطن شغل لأننا تحصلنا على دعم إضافي وتمويلات خارجية من جمعيات إسلامية من كندا ومن عدّة بلدان أخرى وتحديدا من جمعيّة «إخاء» القطرية...

 بحكم المرجعية الإسلامية التي تطغى على الجمعية الأكيد أنكم تتواصلون بشكل دائم مع حركة «النهضة» أن لم تكن الجمعية حاليا تعمل تحت غطاء «النهضة»...

ـ هذه تهمة باطلة التصقت بنا حتى قبل اندلاع الثورة, ليست لنا علاقة بـ«النهضة» أو بغيرها من الأحزاب, نحن حريصون على عدم الخلط بين الحراك الاجتماعي والحراك السياسي ونسعى جاهدين للمحافظة على استقلال الجمعية...وللتصحيح هناك من «النهضة» من يحاربنا ويسعى لاحتوائنا حتى نكون مجرّد امتداد للحزب...من أخطاء «النهضة» أنها نصبّت مسؤولا على الجمعيات الخيرية وهو محسن الجندوبي الذي يفرض علينا قيودا كبيرة في شكل تجمّع جديد...هم يعتبروننا منافسين وتحديدا «سي الجندوبي» الذي يعمل على حصر نشاطنا وتجاهلنا بشكل مفضوح...من الخطأ تسييس الجمعيات وفعل الخير في سبيل الله لا تدخل فيه حسابات سياسية...جميعة التعاون ليست لها علاقة لا ب«النهضة» ولا بغيرها من الأحزاب السياسية...
 ربّما تواجد حمّادي الجبالي القيادي البارز في حركة «النهضة» وراء هذه المزاعم...
ـ أوّلا حمادي الجبالي صديق حميم منذ الثمانينات, وأنا ناضلت صلب الحركة حتّى 1991 بعدها قرّرت التوقف عن النشاط السياسي ومع عودتي من فرنسا في 1993 عقدت العزم على تطليق النضال السياسي وتبنّي النضال الاجتماعي... كوّنت مركزا للطب الاستعجالي وكوّنت الجمعية الحالية...
 لكن من المفارقات الغريبة أن يكون ابن حامد القروي الوزير الأول في حكومة بن علي دكتورا «خوانجي»...
ـ أحترم والدي كثيرا لأنه لم يتدخّل في حياتي الشخصية والمرّة الوحيدة التي اغتاظ فيها منّي كانت عندما أبلغه المعتمد بأنّي أحضر حلقات دينية في جامع الغزالي...كان دوما يوصيني بأن لا أفعل شيئا في منزله ولي كامل الحريّة أن أمارس حياتي بالشكل الذي أرتضيه خارج إطار العائلة...ما لا يعلمه كثيرون ان والدي تفادى الصدام مع بن علي بسبب خوفه على مستقبلي.
 لكنّ كونك ابن حامد القروي أكيد ان هذا الاسم أكسبك حصانة كبيرة...
ـ نعم هذا صحيح,لم تمارس عليّ ضغوط كبيرة, ملاحقتي كانت من بعيد...وتعلقت أساسا ببعض الدعايات على غرار «الشلاط» الذي كان يعتدي على الفتيات والرواية حصلت عندما كنت طالبا...الى يومنا هذا مازالت التهمة ملتصقة بشخصي وأعتقد حينها أن عجز البوليس عن التعرّف على هويّة «الشلاط» الحقيقي دفعت رجال الأمن حينها إلى إلصاق التهمة بشخصي حتى يقال إن الأمر خارج عن إرادتهم بما أن المعني بالأمر هو ابن حامد القروي شخصية في البلاد ورئيس النجم الساحلي حينها.الدّعايات مازالت تلاحقني على غرار إمارة بن قردان حين قيل أن نجيب القروي هو أمير المؤمنين قبل أن يتضّح زيف الأمر...»لحمتي طريّة»

 كنت متديّنا متشدّدا...؟

ـ كنت «خوانجي» لا أصافح الفتيات,مناضل في الاتجاه الإسلامي وكنت طالبا بارزا في الكلية وترشحت للمجلس العلمي في الكليّة وتم اختياري...وقع استنطاقي في مناسبتين في أمور لا مفرّ منها ,الأولى في 1984 عندما ساهمت في طبع كتاب بمعيّة بعض الزملاء عند التّيجاني الحدّاد (زوج عمّتي) في الذكرى الثالثة لإنشاء حركة الاتجاه الإسلامي ووقع التفطّن للأمر وتم جلبنا جميعا للاستنطاق...المرّة الثانية في 89 عندما عدت من الجزائر لأنه تمّ اعتقالي هناك بحكم أني كنت أقطن مع شخص مفتشّ عنه...في تونس لم أكن يوما هاربا أو مفتشّا عنه...ابتعدت عن النضال السياسي في 1987 بنصيحة من بن علي الذي طلب منّي عن طريق الهادي بكّوش أن أتوارى عن الأنظار,سافرت إلى فرنسا وبعد ذلك التاريخ بشهر جاء انقلاب 7 نوفمبر 1987.
 والدي نصحني بالسفر ,واصلت الدراسة بالجزائر ومن ثمّ في فرنسا حيث ناضلت هناك وتقابلت مع الشيخ راشد الغنّوشي حين كنت أترجم له بعض الكتابات والحوارات...

 هل مازال هناك تواصل بينكم وبين الشيخ راشد الغنّوشي...؟

ـ لا لم يعد هناك تواصل بيننا... أريد أن ألتقيه لمدّه ببعض الملاحظات والنصائح لكن تعذّر عليّ ذلك...القيادات الحالية أعرفها جيدا وكنت على تواصل دائم معها على غرار علي العريّض ونور الدين البحيري عبد الحكيم الهاروني والعجمي الوريمي باستثناء لطفي زيتون الذي قيل لي أنه بدأ نضاله في لندن...

 هل ترى بأن هذه القيادات حافظت على مبادئها السابقة أم ان المناصب غيّرت فيها الكثير...؟

ـ تغيّروا كثيرا بل يمكن القول إنيّ لم أعد اعرفهم... لدي تحفظات كبيرة بلغتها لحمادي الجبالي لكن للأسف السلطة ليست بيده لوحده.. لا يجب أن نكون عميا حتّى لا نشاهد ما يحصل حاليا... أنا دخلت الجامعة في الثمانينات من أجل الدفاع على الاخلاق... ما أعرفه عن الاسلام انه دين أخلاق لكن عندما أجد إسلاميين يخالفون وعودهم ويكذبون ويعطون الامانة لغير أهلها لن يكونوا محلّ ثقة مجدّدا... ثم أن النضال والسجن لا يعني بالضرورة ان تكون إنسانا كفء  لتسيير وزارة أو إدارة...كان حريا بهم على الأقل الاستنجاد بأشخاص يملكون الكفاءات والمستوى الكافي لتسيير دواليب الدولة... إذا كان البعض يعتقدا أن مجرّد الفوز بانتخابات شرعية يعني آليا مرور إلى رتبة الوزير  وينصبّ معه أصدقائه دون كفاءة بحكم الشرعية التي يمتلكها فهذا غباء... لو كان رجال الشارع وحتى الجامعة مؤهلون لتولي وزارة ما لتعلمنا ذلك في الكتب ولو أننا نكتشفه اليوم مع «صحابنا توّة»... أنا مصاب بخيبة كبيرة تماما كما قواعد عريضة من هذا الشعب... لا يمكن إنكار هذه العيوب والهفوات ومن يقول بعكس ذلك فهو يتعامى...الشرعية ليست كراسي بل خدمة هذا الوطن... حتى حمادي الجبالي يجتهد كثيرا لكن هناك بعض النقائص في عمله وهذا ما أوصيه به دائما...هناك أسماء لا ترتقي حقيقة لحكومة شرعية انتخبها شعب ثائر...» وزير الصناعة ما فاهم شيء... وزيرة البيئة «ضايعة فيها»,,, وزير التشغيل ما يعمل في شيء» إذا أخطأنا في التسميات علينا بتصحيح الوضع فالاعتراف بالحقّ فضيلة...نحن اليوم في طور بناء ديمقراطية والشعب له الحق في قول كلمة الحق ومن العيب التسلط عليه... هل يعقل أن نسلّط شخصا مثل لطفي زيتون أكثر اسم مكروه في تونس اليوم ونتركه غصبا على رؤوس الناس في نظام ديمقراطي...؟؟؟
للأسف غالبيتهم تعلّم على يد نظام واحد يعتمد على الإقصاء والانتقام لذلك من الطبيعي أن يكونوا امتدادا للنماذج السابقة لأنهم لم يختبروا ولم يعايشوا أنظمة مغايرة... إذ مازلنا نشاهد الكاتب العام للنهضة يرافق الوالي فهذا دليل على بقاء ممارسات النظام السابق وهذا مفهوم لان الكاتب العام للتجمع كان يأتي نفس الممارسات وهذا ما لا يحصل مثلا في فرنسا ودول أخرى معروفة بتبنّي الديمقراطية...
في السابق ومباشرة بعد اندلاع الثورة كنت على تواصل دائم ببعض الأصدقاء في الخارج وكنت أؤكد لهم دائما بأن تونس لن تعود كما كانت أبدا لكن يبدو أني لم أعد على نفس هذه الدرجة من الثقة ومن اليقين...لقد تسرّب الشكّ إلى اليقين... اليوم أصبحت خائفا خاصة وأن فئات كبيرة بدأت تتحسّر على الحقبة الفارطة... أنا أخشى على تونس لأني لم أجد من مراجع سواء من الحكومة أو المعارضة قادرة على توحيد الصفوف والرقيّ بهذا الشعب وتوعيته من جديد على أسس ديمقراطية صحيحة... إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا وتونس بعد أن عانت طيلة 55 سنة من خراب أخلاقي  وجدت أن السلطة والمعارضة غير مطابقين لما حلمت به... للأسف لا توجد بوادر
انفراج... تونس تتطلّب منا توحيد الصفوف حاليا والمرور إلى مرحلة البناء وبعدها يكون لكلّ حادث حديث... لكن الآن الجميع يتصرّف بعقلية الغنيمة والكلّ يتسابق للفوز بنصيبه...

 ألا تعتقد أن هذا الحكم قاس نوعا ما لأننا بلد حديث العهد بالديمقراطية والحرية ولازلنا في الخطوات الأولى ومن السابق لأوانه تقييم المرحلة ككلّ بمجرّد حصول هنّات متفاوتة في أشهر معدودة...؟

ـ ذهب الملوك وبقي السلوك...لهذا أبدو متخوّفا بعض الشيء... للأسف لم نلمس أيّة محاولات بناءة للنهوض بهذه البلاد...وما نعيشه اليوم لا يؤشر أبدا لمغادرة هذا النفق...

 هل اقترح عليك منصب ما خاصة وأنت صديق مقرّب من رئيس الحكومة..؟

ـ لا لم تقع مفاتحتي في هذا الموضوع وحتى إن حصل ذلك فلن  أقبل مهما كان المنصب.

 في ظلّ التحفظات الكبيرة التي مررت عليها كيف يتراءى لك الاستحقاق الانتخابي القادم...؟

ـ هناك ضبابية كبيرة وحقيقة لست على بينّة من الخارطة الانتخابية لكن أتمنى أن يكون الطيف السياسي واقفا على نفس الدفّة حتى نتمكّن من معاينة الوضع بالشكل المطلوب...نحن الآن في منعرج خطير وعلى كلّ السياسيين وضع أجندتهم الخاصة بعيدا والعمل على خدمة الوطن ومن ثم سيفسح المجال للصراع السياسي مجدّدا ولكن ليس الآن...هذا ما نأمله لكن في ظلّ الانقسامات الحالية سواء داخل «الترويكا» أو في أكبر الأحزاب في البلاد يبدو الأمر صعبا جدّا إن لم نقل مستحيلا...

 وماذا عن المجلس التأسيسي...؟

ـ مستوى منحطّ... هؤلاء يمثلون الشعب واختارهم الشعب لتربيته من جديد أخلاقيا وسياسيا وإذا كان ربّ البيت للدّف ضاربا فلا تلومن الصبية على الرقص... إبراهيم القصّاص عار على تونس وأخجل حتى من مشاهدته وما يأتيه أحيانا داخل المجلس التأسيسي لا يليق بروّاد بعض المقاهي... أنا لا أتشرّف بهذه الممارسات. يؤلمني أن تصل تونس إلى هذا الوضع وتونس اليوم فقدت هيبتها...مناعة الدول تكمن عادة في أمنها وعدالتها لكن ثورة البلطجية التي نعيشها اليوم تؤكد ان الجسد ضعيف  وفاقد للمناعة والعدالة تبدو هي الأخرى مريضة جدّا في ظلّ الأصداء التي تأتينا بين الفينة والأخرى. من المفروض أنّ المعتدين على مناعة الدولة يتم استئصالهم وبترهم كليّا لأننا نسير في اتجاه أن تصبح تونس دولة «الباندية» سواء سلفيين أو غيرهم...
المصيبة أن بعض السلفييّن يعتبرون أنفسهم مكلفين من الرب بمهمّة...هم يعتقدون أنهم يمتلكون الحق دون سواهم وهذا أخطر ما في الأمر.للأسف حاولت توجيه النصح لكن ما من مجيب فغالبيتهم يرفض الردّ على مكالماتي...علي العريض كنت على تواصل دائم معه تماما كما هو الحال مع نور الدين البحيري لكن كلاهما مباشرة بعد تنصيبهما في الوزارة أصبحا يرفضان الرد على مكالماتي وحتى على إرسالياتي القصيرة لقد أصبحت محروما من النصح وربمّا أصبح لهم «نصّاح» جدد...

 أنت تعتبر نفسك مناضلا سياسيا فكيف تقيّم نضال الرئيس المؤقت المنصف المرزقي خاصة بعد توليه رئاسة البلاد...؟

ـ المنصف المرزوقي هو أستاذي, درّسني سابقا وكنت مع مجموعة من  الطلبة المناضلين نجتمع معه سابقا في مكتبه فقط هذا ما يمكن أن أقول عنه...هو الآخر حاولت الاتصال به لتبليغ رسالة ما لكن تعذّر عليّ ذلك...

 لماذا كلّ هذا الرفض والصدّ...؟

ـ ربما لأني خارج عن منظومتهم فهم يتصرفون بعقلية «الماكينة»...بكلّ تواضع أشعر أني قادر على مدّ الإضافة على الأقل بالنصح لكن للأسف وجددت الأبواب موصدة من طرف أشخاص كانوا مقرّبين منّي... عيبهم الكبير أنهم تقوقعوا على أنفسهم  ورفضوا التواصل مع محيطهم وهذه ليست أخلاق وسلوك سيّدنا أبي بكر أو عمر الذي قال لا خير فيك إن لم تقلها ولا خير فيّ إن لم أسمعها... ليست هذه أخلاقنا وليس هذا الحكم الإسلامي الذي حلمنا به... حتى الشيخ راشد الغنوشي حاولت ولازلت أسعى للتواصل معه ولكن إلى حدّ اللحظة لم أوفّق في ذلك,لي من مجموعة من الرسائل التي أود إيصالها له أوّلها أني سأدعوه إلى حكم البلاد كما يحكم خلق الله جميعا... ثانيا عدم الوقوع في فخّ إقصاء التجمعيّين لان ذلك  سيكون بمثابة قنبلة موقوتة ستؤشر لعزلة حقيقية ستسقط «النهضة» نهائيا...ليس كلّ من تقلّد مناصب في السابق هو سارق أو ملوّث اليدين تونس فيها الكفاءات والإطارات الكبيرة والتي بفضلها كنّا في أعلى المراتب وكانوا جميعا مجبرين على الانخراط في التجمّع وإذا كان السرّاق هم من صنعوا مجد تونس فمرحبا بهم مجدّدا أفضل لنا من الوضع الذي نعيشه اليوم.. ملف التجمعيّين هي مجرّد ورقة مزايدة سياسية ولا تليق بنخبة تحكم البلاد وتعكس عدم نضج البعض.

 هل تعتقد أن هذه السياسة التي تتوخاها «النهضة» اليوم وراء انقسام الشعب وبروز حركة «نداء تونس»...؟

ـ حركة «نداء تونس» هي أكبر أخطاء «النهضة» وهي من الأسباب المباشرة في اتساع رقعته وتوسيع شعبيته...وعودة التجمعيين المورّطين ستتحمّلها «النهضة»...المسؤولية التاريخية الآن على «النهضة» لان الحكم في يدها وهي مدعوة الآن للتعريف بحكم بديل تحبّب فيه الناس وهي تقدّم مثال لحكومة ما بعد الثورة... فيسقط الشعب في فخّ المقارنات والحنين إلى الماضي خاصة إذا كان الفشل عنوان المرحلة الحالية.

 «نداء تونس» خصم سياسي كبير لأن الباجي قائد السبسي هو الذي يتزّعمه...؟

ـ لا... الباجي قائد السبسي هو مجرّد صورة ثم أن تاريخه السياسي  ليس بالنظيف لكن قوّة «نداء تونس» هي في استقطابه لمنافسي «النهضة» ولكلّ المقصييّن من الحياة السياسية وهذه تسببّت فيه «النهضة» لاحتكامها إلى التفرّد بالقرار والتقوقع على نفسها...«النهضة» صنعت «نداء تونس» وجعلته منافسا كبيرا لان أوصدت الأبواب أمام عديد الكفاءات والأصوات...الجميع استبشر بانتخاب «النهضة» بمن فيهم المختلفين معها في التوجهات الإيديولوجية لكن خيبتها الحالية وفشلها في تسيير البلاد جعلها تخسر الكثير من قواعدها الشعبية. خطأ «النهضة» الكبير أنها تعاملت مع السلطة كغنيمة وفرّطت في الكفاءات التي كانت قادرة على تسيير الدولة ولم تتفطن إلى أنها عاجزة عن تسيير الدولة بمفردها...

 بعيدا عن عالم السياسة, والدك كان رئيسا للنجم الساحلي,كيف تقيّم وضعية الفريق اليوم...؟

الحمد لله الذي عافاني ممّا ابتلى به غيري... لا علاقة لي بعالم الرياضة والحمد لله...

 بماذا تودّ ن تختم...

ـ أعتقد أن كلامي قد لا يعجب الكثير خاصة أنصار «النهضة» الذين يوالونها دون شروط أو قيود ولكنيّ متمسكّ بما قلت لأنه واجب تاريخي احتراما لمسؤولياتي تجاه هذا الوطن ولأن الساكت عن الحق شيطان أخرس. 

lundi 3 septembre 2012

Figure de l 'islam contemporain


رحيل حميدة قطب: حميدة الّتي عرفت
أمّ البراء أ. نجيبة بلحاج


رحيل حميدة قطب :  حميدة الّتي عرفت ـ  أمّ البراء أ. نجيبة بلحاج                                                   

هاتف داخليّ شدّني للكتابة عن حميدة:

الله أكبر و لله الحمد، العالم على كبره صغير، و العمر على سعته قصير ..
فارقتنا منذ أيّام الأخت السّمحة حميدة قطب .. وجدتني أعيش نفس الظّروف و نفس المشاعر الّتي حدّثتني عنها الأخت الرّاحلة عندما رحلت عنها شقيقتها أمينة قطب.. حدّثتني أختي حميدة كيف أنّ ( مجلّة منبر الدّاعيات) طلبت منها أن تكتب مقالا عن أمينة إثر وفاتها سنة 2007م ، و كيف أنّها وجدت صعوبة نفسيّة للكتابة في هذا الموضوع.. و أجدني اليوم أعيش نفس الموقف، و في هذه المرّة، الدّافع إلى الكتابة ليس طلبا خارجيّا  إنّما هو هاتف داخليّ يصرخ في أعماق قلبي خُذِي القلم و اكتبي، سجّلي حقائق ما عشتِهِ خلال ما يقارب الثّلاثين سنة مع أختك الرّاحلة، علّك بهذا تُساهمين في نفض بعض غُبار التَّعتيم الإعلاميّ الّذي لقيته هذه الأسرة من جهة و إفادة النّشء  الطّالع من الشّباب بهذه التّجربة الحيّة فيعتبر بها في حياته اليوميّة و حركته نحو الله.. و لكن عبثا أحاول .. تُوّفيت حميدة قطب يوم الجمعة مع آذان صلاة الجمعة يوم 13يوليو 2012م  قبل أيّام قليلة من بداية شهر رمضان، و نحن الآن في شهر شوّال، و لم يتحرك القلم إلاّ الآن مع محاولاتي المتكرّرة السّابقة للإمساك به لهذا الغرض النّبيل، فمن حقّها عليّ و على كلّ من عرف حقيقة شخصيّة حميدة أن يذكر لها ما قدّمت. بل من حقّ الإنسانيّة جمعاء أن تذكر مناقبها الآن بعد أن لقيت ربّها. ففي حياتها كانت متجرّدة للّه، آخر شيء تفكّر فيه هو نفسها و تكره حبّ الظّهور . فكانت جنديّة من جنود الخفاء إذا ما نظرنا إلى حقيقتها و حقيقة ما قدّمت.
ثبات على الحقّ وسماحة وقُدرة على تفهم الشّباب الناشئ في الغرب:
 و هذا القلم أعجز مِن أن يُعبِّر عمَّا يجيش في القلب من خواطر بعد رحيل الأخت الحبيبة حميدة قطب، فما بالك بأن يُسجل أو يرسم حقائق حياة كاملة مليئة بالعطاء و الصّبر و التّسامح  ومحبّة الآخر مع الثّبات على الحقّ.. سماحة و بسمة لا تفارق تقاسيم الوجه و هي تنطق بقوّة الحقّ، بل تسطع به و هي شامخة أبيّة، لا لفّ و لا دوران و لا ذُلَّ و لا هوان، شموخ و علّوٌ في الحقِّ لا يُناقض تفهّم الآخر ، خاصّة الجيل الجديد من الشّباب المسلم الّذي يعيش في ديار الغرب و الّذي وجد نفسه مخضرما بين ثقافتين لا يعرف أيّ موقف يقف ، أ يتبنّى الأولى أم الثّانية .. فيضطرب و تضطرب حياته، فتراها تحتضن هذا الاضطراب بقلبها المملوء حبّا للإنسان  و بعقلها الرّاجح و علمها العقائديّ المتأصّل و خبرتها بتاريخ الإنسانيّة  وهي خرّيجة الجامعة، اختصاص تاريخ .. فتعرف كيف تضع الإصبع على السّبب و المتسبّب في الخلل. و تتبيّن الضّحيّة  من الفاعل الحقيقيّ المؤدّي لهذا الاضطراب، فتُوجّه و تُرْشِد، إرشادا مجديا ينفذ إلى  القلوب ويؤثّر فيها.

لقائي بحميدة: المسار و المآل
القلم حقيقة أعجزُ مِنْ أَنْ يخُطَّ حقائق عشتها  طيلة ثلاثين سنة من العمر في مدينة ماسّي بفرنسا ، مع الأخت الرّاحلة إلى ربّ كريم رحمن رحيم، هذا القلم أصغر من أن يلمس حتّى مجرّد اللّمس هذه الحقائق. و لكن أحاول أن أنقل بعض ما دار في نفسي من خواطر لها صلة بهذه الحقائق..
عرفتُ الأخت الحبيبة إلى القلب حميدة قبل أن أحلّ بفرنسا سنة 1981م، عرفتها كفرد من أسرة مجاهدة رعاها الأستاذ الشّهيد سيّد قطب، عرفتها عبر ما نُشر من كتب و مؤلفات للأستاذ الشّهيد نسأل الله له القَبُول و الرّحمة و الأستاذ محمّد أخوه الأصغر نسأل الله له الحفظ و الرّعاية و النّفع به.
و علمت أنّها مُقيمة في باريس صحبة زوجها الفاضل الدّكتور حمدي مسعود.. و كنت حينئذ أبحث عن الإسلام الّذي أراده الله لتسير به البشريّة و تُعّمر به الأرض .. فقد شعرتُ وقتها بأنّ ما عليه المجتمع الّذي كنت أعيش فيه هو بقايا إسلام و أغلبه تقاليد وضعها الإنسان لنفسه أو جلبها المستعمر له حلّت شيئا فشيئا محلّ حقيقة الإسلام و التّربية على مبادئه .. و كانت ثَمَّة بداية صحوة إسلاميّة تريد أن تنفض الغبار الّذي عَلِق بإسلام النّاس هناك و ضيّع الكثير منه، رغم كون أنّ هذا الغبار لم يقض على العاطفة الّتي تزخر بها قلوب النّاس هناك لحساب هذا الدّين.. و دعوت الله و أنا أتلمّس طريقي نحوه سبحانه و تعالى أنْ يُعرّفني بما يُحبّه و بمن يُحِبّه و يُلْهِمنِي الرُّشد و إن كان ذلك بنقلي إلى أيّ مكان في العالم، المُهّم أن أجد طريقي إلى الله كما يحبُّه الله…
و عبر الابتلاء، و كأنّ الله استجاب لدعائي، وجدْتُنِي في باريس جارة للأخت حميدة قطب منذ سنة 1982م إلى الآن..إلى لحظة وفاتها، ولم تكن مجرّد جارة لي، فقد كانت أسرة لي بكلّ ما في هذه الكلمة من معنى، بل من معاني..



حميدة: الجمع بين الانفتاح و الثّبات على الحقّ

شهادة حقٍّ وجدت الإسلام يتحرّك في بيتها، في شخصها، في علاقتها بالمسلمين ممّن كانوا يطلبون زيارتها للاستفادة من علمها و تجربتها سواء اختلفت أو اتّفقت معهم، سواء عادوها أو صاحبوها.. في علاقتها بغير المسلمين من أصدقاء زوجها في العمل و غيره ، أو الّذين عرفتهم هي عندما كانت تدرس في الجامعة الفرنسيّة.. أو من جيرانها ..
وَجَدْتُنِي أُجاور قمّة من قمم الانفتاح على الآخر و رمزا من رموز التّواضع والتّجرّد للّه و محبّة الآخر و إن اختلفت معه في الرّأي. تعلّمت منها أنَّ الإنسان يحبّ الإنسان و لا يمكن للإنسان أن يكره مخلوقا من مخلوقات الله السّابحة في كونه الممتّد. و إنّما الّذي يكرهه بقوّة و بلا مداراة و لا نفاق العمل الّذي لا يُرضي الله، العمل المضّر بالبشريّة و الّذي يمكن أن يهوي بها إلى متاهات لا قبل للإنسان ذاته بها، و إن سمح الإنسان لنفسه أن يخوض معركة مع أخيه فلحساب استنقاذ البشريّة من هذه المتاهات المهلكة.
 عرفت فيها نقيض ما تروّجه بعض وسائل الإعلام عن هذه الأسرة و عنها هي من أمثلة القول أنّهم ارهابيّون  و منغلقون أو ما شابه ذلك.. و في الوقت ذاته هي قمّة من القمم الثّابتة على الحقّ التّي لا تخاف في الله لومة لائم و تصدع به دون تردّد و دون تلكؤ  .. فأحببتها في الله، و أحبّها كلّ جيرانها..كلّ من عرفها.أذكر أُسرة أحد المسؤولين الكبار عن المعبد اليهودي الملاصق لشقّتها.. و سبحان الله يوم وفاتها، كنت نازلة من شقّتها واعترضتني زوجة هذا الجار و أنا أركب مصعد العمارة، فبادرتني بالقول ..مساء النّور، كيف حال السيّدة مسعود( يعني الأخت حميدة)؟ هي سيّدة جِدُّ طيّبة .. هي شخصيّة تُحبّ، هي  متميّزة.. هذه شهادة عفويّة تلقائية صدرت من جارتها غير المسلمة يوم وفاتها وهي لا تعلم أنّها فارقت.
قِصّة بسيطة في ظاهرها عميقة في أبعادها أحبّ أنْ أنقلها أيضا ضمن هذه الخواطر الّتي أكتبها: كنت عند أختي الرّاحلة يوما و حدثّتني و الأخت عزيزة، رفيقة دربها و مُقيمة عندها، فقالتا : جارنا المُلاصق لنا له كلب اعتدنا سماع نُباحه دائما.. و منذ أيّام غاب هذا النُّباح ..فهذا أمر غريب .
 و عرفنا بعد فترة أنّ الكلب مات. فلمست رأفة و حُزْنا لغياب هذا الحيوان في ملامح الأختين.. و نحن نعلم ما هي عقيدة المسلم فيما يتعلّق بتربية الكلاب في الشُّقق.. درجة راقية في الإحساس بالآخر و محبّة الآخر سواء كان انسانا أو حيوانا و مهما كانت المعتقدات .. هذا الحبّ الرّاقي للآخر لم يمنعها مِنْ أنْ تصدع بالحقّ متى وجب ذلك.. أذكر يوما اسْتُضِفْنا معا عند جارة أمريكيّة مُتّزوجة من أمريكي من أصل يهودي و اعتنق البروستانتينيّة ، أتيا إلى فرنسا لمهمّة يقومان بها في الكنيسة البروستانتينيّة و دار حوار ساخن في بيت الجارة حول علاقة أمريكا بحرب العراق أيّام  صدّام حسين فرأيت في حميدة قُوَّة في الحقّ عالية  مُصاغة بخُلُقٍ دمِثٍ لا يمكن للعدوّ إلاّ أن يحترمها أو أن يسكت ولو على مضض.. فالحقّ يعلو و لا يُعلَى عليه أيّا كانت المواقف، وأيّا كان المكان، و أيّا كانت الأحداث،إذا كان الإنسان واثقا بمبادئه قوّيا بالله و في الله.
لا أستطيع في هذا المقال الصّغير أن أذكر كلّما سجّلته الذّاكرة في حياتي مع حميدة العزيزة .. ولكن أذكر إجمالا علاقاتها بأساتذتها في الجامعة الفرنسيّة، بالطُّلاب هناك مسلمين و غير مسلمين، فرنسيين و غيرهم، علاقتها بالأطبّاء و الممرضين و الممرضات في المستشفيّات التّي تردّدت عليها للعلاج .. محبّة الجميع و احترامهم لها أينما حلّت و أينما وُجِدَت لسماحة خُلُقها و لقّوة عقيدتها و إن خالفوها.



حميدة سلوك متميّز و أخلاق راقية :

بحثت في كلّ اللقاءات و الجلسات.. في كلّ اللّحظات الّتي التقيت بها مع حميدة في بيتها، في بيتي، عند الآخرين، في السّيارة، في الشّارع، فما وجدت لحظة لغو واحدة في عمر حميدة الّذي عرفته و عشته معها.. فإن تحدّثت فلحساب الحقّ، و إن صمتت فلحساب الحقّ، و هذا لم يمنع مِنْ أنْ تكون الجلسات معها شيّقة و مُحَبَّبَة لمن حضرها للصّغير و الكبير، للمسلم و غير المسلم، للغريب و القريب، للمُخْطئِ و المُصيب في حقّها.

حميدة الأديبة

كثيرا ما شغلت نفسها بالقراءة و طلب المعرفة إلى آخر لحظة في حياتها، كانت مطالعاتها مُتّنوعة ، شغُوفة بالأدب و كان كلُّ ذلك لحساب المعرفة و متابعة الأحداث و الاهتمام بالآخر. و قد خلّفت حميدة وراءها كتبا مطبوعة أذكر منها : رحلة في أحراش اللّيل،و نداء إلى الضّفة الأخرى و العديد من المقالات المنشورة و غيرها من المخطوطات الّتي لم تطبع من بينها رسالة حول  حادثة التّحكيم بين علي و معاوية باللّغة الفرنسيّة.
 رأيت في حياتها تُرْجمانا حيّا لما عبّر عنه الإمام الشّافعي رضي الله عنه  في البيت التّالي:
أينما  ذُكِرَ  اسم الله في  بلد        يُعَدُّ   أَرْجاؤه مِنْ لبِّ أوْطَانِي
و أيضا:
سافِر تَجِدْ عوضا عمّن تفارقه     وانصب فإنّ لذيذ العيش في النّصبِ.
 فحتّى سفرها لم يكن مرّة واحدة لحساب ذاتها بل كان دائما لحساب الواجب وما يرضي اللّه، وكانت سعيدة بذلك مهما كانت المشاقّ، تستمدّ تلك السّعادة من شعورها بإرضاء اللّه.
و حجم شخصيّة حميدة جدير بأن يؤلّف فيه كتاب يتناول دراسة حياتها من جوانبها المتعدّدة: حميدة الإنسان، حميدة العابدة و الحافظة لكتاب الله،حميدة المرّبية،حميدة الدّاعية ، حميدة الصّبورة المُحتسبة و المجاهدة، حميدة الحقيقة بالشّهرة الزّاهدة فيها و حميدة الأديبة.  

أسأل الله أن يتقبّل منها هذا العمر الّذي سخّرته للجهاد في سبيله بالكلمة الطّيبة ، بالعمل الصّالح، بالثّبات على المبدإ و إن اقتضى ذلك الصّبر على السّجون ( و قد قضت الأخت حميدة ما يقارب السّبعة سنوات في سجون جمال عبدالنّاصر في زنزانة و المجاهدة زينب الغزالي يرحمهما الله)،و أسأله سبحانه و تعالى أنْ لا يفتننا بعدها و أن يُلحقنا بها في مقام رحمته يوم لا ظلّ إلاّ  ظلُّه.

                                         باريس 21أوت 2012
                                         أمّ البراء أ. نجيبة بلحاج
  

Article intéressant

الهوية والمواطنة الإصلاح ووسائل التغيير ثورة الخائفين وحيرة الثائرين: مقاربة إنسانية
الهوية والمواطنة الإصلاح ووسائل التغيير

ثورة الخائفين وحيرة الثائرين: مقاربة إنسانية

رياض الشعيبي
كثيرا ما حلمنا نحن أجيال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي بهذه الثورة العظيمة التي تجتاح عالمنا العربي هذه الأيام. لكن لا اعتقد أن أحدا منا كان يعني بتسمية الثورة ما نشاهده اليوم من استرسال للأحداث ومن تداع للوقائع. ربما لأننا كنا نرى هذه الثورة في ثقافة الآخرين اقتلاعا من الجذور عنيفا وتحوّلا في موازين القوى شديدا، فكنا لذلك نتوقع طعما للثورة ترتعد عنده فرائصنا انتشاء مشتقا من نصر الثائرين. لكن ثورة الشباب من اجل الكرامة لم تأت على النسق الذي انتظرته تلك الأجيال ولا على المعنى الذي حوته المعاجم وكتب التاريخ. فما المختلف في هذه الثورة؟

- العبور من الافتراضي إلى السوسيولوجي.
- سيكولوجية ثورة الخوف.
- منطق الثورة وحيرة السياسة.

1. العبور من الافتراضي إلى السوسيولوجي:

بعيون حداثية تتحوّل الثورات العلمية والتكنولوجية دائما إلى حدث سياسي مزلزل، فبعد الثورة الكوبرنيكية وما هيّئت له من سقوط للأنظمة السياسية القروسطية في أوروبا والثورة الصناعية التي فجرت الثورات الاشتراكية جاء دور الثورة الاتصالية لتفرز ما نشهده من ثورات في المنطقة العربية وربما علينا أن نتوقع تحولات أخرى بعد الثورة البيولوجية التي بدأت تشق طريقها منذ حين.

فقوى التغيير السياسي في الواقع العربي أعيتها الحيلة وهي تبحث عن منفذ للواقع تستطيع عبره مخاطبة الجمهور وتعبئته للتصدي للظلم والاستبداد. وكانت العقود الأربع الأخيرة تاريخا طويلا من الفشل المتراكم والمعيق لإحداث هذا التغيير. وفي الوقت الذي ثقلت فيه يد الدكتاتورية على رقاب الأحرار والمناضلين، نشأ جيل بين صفحات تواصلية على الفايس بوك والتويتر والدايلي مويشن وغيرها من المواقع الافتراضية في شبكة النات. بدأ هذا الفعل التواصلي بسيطا وسطحيا بدردشة او معاكسة لكنه انتهى فعلا تغييريّا عظيما في التاريخ المعاصر. وجدير بالباحثين هنا التوقف للبحث في شروط هذا التحول من الافتراضي إلى الواقعي. على الأقل كان العلم الحديث يشد خطابه دائما على هذا المبنى الأكسيومي بين افتراضية المنطلقات وواقعية النتائج، وكان الجميع يسلّم بذلك ماداموا جعلوا أنفسهم أدوات لنمذجات نسقية حديثة.

أمّا أن يؤول الأمر على هذا المنوال إلى الفضاء السوسيولوجي فما كان له ليحصل لولا تحول الثورة الذي عاشتها المنطقة العربية. ومع ذلك فإنّ تأويل الأمر على انه قانون علمي يؤول به الباحث من الفرضي إلى الحتمي، لا يعبر عن كل شروط إمكان تحقق هذه الثورة. فالذهاب من الافتراضي إلى السوسيولوجي احتكم إلى إرادة والى منظومة قيمية اكتمل بهما التفاعل الكيميائي للثورة. فالشباب الذي جمعته المحادثات النصية القصيرة استطاع أن يبني جسرا من الثقة البينية الضرورية لتشكيل أية إرادة جماعية. إن الثقة في عمقها استجابة إرادية لوضع من الانفتاح الإنساني الأقصى. كان شباب النات يترجم ببساطة تعبيراته صدقا فطريا يهرب به من مغالطات الواقع إلى صفاء عالمه الافتراضي. شق شباب الثورة طريقهم فارين من واقع الاضطهاد والاستلاب إلى عالم افتراضي يستطيعون أن يعبّروا فيه بحرية كانوا دائما يفتقدونها في الواقع. فلقد كان الافتراضي ضربا من الوهم الفردي أو هو حلم فردي معزول فلما أن أصبح الحلم جماعيا بدأ يتحقق أو هكذا غنت إحدى الفنانات البرازيليات.

2. سيكولوجية ثورة الخوف:

ربما لو أردنا وصفا جامعا مانعا للواقع العربي قبل التحولات الأخيرة لملأته عبارة الخوف. كان عالمنا عالم خوف في الوقت الذي تصمّ فيه آذاننا بالحديث عن الأمان. وهذه مفارقيّة أنطولوجيّة خطيرة في تأثيرها على التوازنات النفسية وتلك المتعلقة بالوعي. فالكائن السياسي الذي يستشعر، بما عنده من ملكات تتجاوز المباشرتية في فاعليتها، وضعا حادا من الخوف يواجه صورة نفسية عمومية تصنعها آلة مهيمنة على الواقع. لذلك لم يكن من السهل تحرر هذا الكائن السياسي من هذه الصورة، بل ولم يكن ممكنا له التخلص منها بما يتراكم من وعي. الخروج المتدفق للآلاف من الشباب في زمن قصير يعكس هذه الصعوبة النفسية. فأمام سجن الوعي في صورة المجتمع الآمن، منع الخوف الموضوعي عند فئات مجتمعية عديدة من أن يجد تصريفه الطبيعي.

لقد لاحظنا خلال هذه الثورات المتتالية نسق تصاعد المطالب الاجتماعية الى سياسية والاصلاحية الى ثورية والمرحلية الى فورية. هل كان ذلك تكتيكا سياسيا؟ اذن من المفترض وجود عقل سياسي موجه للثورة. لكن لم تستطع الة الانظمة المستبدة البرهنة على ذلك برغم ما تملكه من امكانيات الرقابة والقمع. التفسير هنا نجده في عامل الخوف.

الخوف الذي تحول من معيق الى مفجّر ثم الى قلق وحيرة.

ربما يعتقد المستبدون الذين يشتغلون على زراعة الخوف في مجتمعاتهم انهم بذلك يؤمنون سلطانهم. ربما يكون ذلك صحيحا اذا ما اكتفت هذه الانظمة بالمقدار المناسب من الخوف وصرفته داخل المجتمع بالاليات الذكية والمرنة التي تتوخاها بعض الانظمة حتى تلك التي تنعت على انها ديمقراطية. فالانغلاق التام وسد كل المنافذ على تصريف الشعور بالخوف بما في ذلك محاصرة العنف الاجتماعي والتغاضي على الأحداث المعزولة واستعمال الرموز بشكل ساذج، كل ذلك يدفع لحالة من الاحتقان الذي يعبر عن بنية عميقة من الخوف لكنه خوف متدفق لا خوف كامن.

الآن وقد ملأ الخوف شوارع المدن لم لا يعود إلى مكامنه المعزولة؟

هو السبب نفسه الذي أشعل نار هذه الثورات أي الخوف ذاته. نلاحظ هنا كيف يتحول الشعور بالخوف شيئا فشيئا إلى شعور ايجابي أي محفز على الفعل والمبادرة بدل أن يكون عائقا كما أراده الطغيان. الخائف هو الذي لا يتردّد ولا يتراجع عندما يصبح الخوف دافعه للفعل. لذلك كنا نرى هذا النسق المتصاعد من الزخم في المطالب وفي التحشيد الجماهيري للتعبير عن الخوف العمومي في مجتمع الاستبداد.

فالوعي كبنية ذهنية حاصل، لكنه لم يكن كاف لإحداث مثل هذه التغييرات لأسباب متعددة. أولا لان الوعي المتراكم وفق التسلسل المنطقي كان يجب أن يعبر عن نفسه هيكليا ضمن النسيج المجتمعي المنظم قبل أن يتحول إلى قوى صانعة للثورة وهذا لم يحصل في كل الثورات العربية التي حصلت حد الساعة. ثانيا لان تلبس هذه الثورات في مسارات تحققها بهذا الحجم من الوعي المفترض لانجاز ثورة كان غائبا بإجماع الملاحظين.

فما الذي كان يحصل بالتدقيق إذن؟

بالنظر إلى علم النفس الاجتماعي فان هذه الثورات تضمنت وعيا خائفا تفجر بدافع تلقائيّة انسيابه في حراك عفوي يخشى من أن تراجعه في لحظة ما يمكن أن يجعله فريسة الاستبداد. لذلك كانت مطالب الجمهور الثائر قصوى في تعبيراتها الكاملة وقاطعة في مبدئيتها. ولأنّ هذا الخوف لا يزال يتملك مشاعر الناس نرى شباب الثورة يدفع بأنفاس جديدة في الشارع تحت مسميات حماية الثورة أو أمناء الثورة أو غيرها من التعبيرات السياسية الثورية ذات الطابع العفوي ولكن غير الحزبية أو المهيكلة إلا في حدها الأدنى.

3. منطق الثورة وحيرة السياسة:

الثورة حادثة خارقة، كما الكسوف وربما أكثر لان قوانين الطبيعة أضحت اليوم ذات صرامة أحالت الكثير مما كان يبدو معجزا إلى واقع موضوعي. لكن الثورة مازالت إلى الآن لم تنشئ منطقا خاصا بها ولا هي سكنت لما هو متوفر من أدوات التحليل المنطقي العقلاني. وربما لا يتحقق من أي محاولة لأفهمة حادثة ثورية ما سوى السيطرة والتوجيه أي ممارسة السلطة باعتبار أن الوعي بالشيء يفضي حتما إلى الهيمنة عليه في هذه الابستيمية المعاصرة. ولان الثورة استهدفت السلطة فلا غرو أن نجدها تفلت من كل سلطة سياسية كانت أو معرفية. لذلك لا نطمح حقيقة تأسيسا معرفيا لمنطق الثورة، إنما من المفترض أن تتعلم الإنسانية من ظاهرة تعميم الغضب وإغراق الواقع ثورة على نواميسه التقليدية. ومثلما تتكشف لنا أحيانا ظواهر كونية على أنّها خوارق لا تتكرر إلاّ مرة أخرى فنستغل ظهورها لنتعلم منها، كذا أمر الثورة. يجب أن تجلس نخبنا وتمرغ انفها في التراب أمام هذه الثورات المتفجرة في أنحاء المنطقة العربية وتصبر على التعلم منها صبرها على بلوغ الحكمة. وانه لباعث على العجب حقا أن نقرأ كتابات غير ثورية في مثل هذه الثورات المعاصرة، نصوص تسحب الماضي على الحاضر في تغاض بغيض عن حدة الانكسار المفترض في واقع التحولات الثوريّة. نشهد ذلك في استمراء الحديث عن الحرّيات والدّيمقراطية في سياقاتها المشهديّة الليبرالية مثلا، ألم يستحضر هؤلاء ما يفترضه السياق الليبرالي من نهاية لتاريخ الثورات؟ إنّني حقا لأعجب كيف يمكن لثورة تستبطن ضرورة معاني التغيير الجذري العنيف والفجائي وبالطفرة أن تتماهى مع مطالب النظرية الليبرالية القائمة على مفهوم الاتجاه الأفقي للتاريخ، اللهم إلا إذا كانت من قبيل العقاقير الصيدلية المحافظة على الوزن، ثورة لايت.

لذلك أعتقد أن مسؤولية الوفاء لهذه الثورات تفترض الاشتغال على ثلاثة مستويات من المراجعات: أوّلا: مراجعات ابستمولوجية للبناء المعرفي الإنشائي الوضعي الذي هيمن على العلوم الإنسانية وقطعها عن مواردها المجتمعية والقيمية والتاريخية بما أدى إلى حالة الإبهام التي تخترق الوعي العربي في مواجهة هذه الثورات.

ثانيّا: مراجعات في الفكر السياسي حول الحكم الرشيد، والوحدة الثقافيّة والتنوّع السياسي، والعمق المجتمعي للدولة، والحاجة للمجتمع الأهلي في سياق نمط حياتي متحرّر من شكلانيّة التنظيمات القانونية العصريّة، والتعاطي مع روح القوانين وأهمية مراعاة ذلك في التشريع والتنزيل وغيرها من قضايا الفكر السياسي.

ثالثا: مراجعات تأسيسية وواقعيّة تخص نسق الفعل المجتمعي وقدرة الحياة الحزبية على التعبير عن الحالة العربية الراهنة، والنخب التقليدية في علاقتها بمجتمعاتها، وبروز نخب جديدة وتموقعها ودورها، والتعبير العفوي داخل المجتمع وارتباطه بالمشروعية الواقعيّة.

في ما يبدو لي أن هذه المراجعات ضرورية أما لمحاولة فهم هذه الثورات التي تجتاح الواقع العربي الجامد منذ نصف قرن، وأما تعبيرا عن ايجابية العقل العربي واستعداده للوقوف والتتلمذ عليها عله يستطيع أن يشق طريقه من جديد في دورة الإنتاج الحضاري الإنساني. أذكر أنّ فيلسوفا عظيما قال ذات يوم أنّ الفكر كبومة مينيرفا لا يطلع إلا آخر النهار عندما يكون الواقع قد شارف على إتمام دورته.

في النهاية ما يبعث على القلق أن ثورة الخائفين قد أنجزت بين حالتين متقاربتين لا يوحي التنقل بينهما بالطفرة التي من المفترض أنها خاصية الثورة، هما الخوف الذي تفجر في وجه الاستبداد والحيرة التي خلفها هذا الخوف.



Une figue fraiche