أصبح اللاعب السياسي الأول:الاتّحـــــاد... الحكيـــمُ والحكــمُ...
09 أكتوبر 2013 | 09:15

بقلم فاطمة بن عبد الله الكرّاي
تونس ـ الشروق :
الاتحاد العام التونسي للشغل، هذا الهيكل النقابي الذي مازال يثير الجدل والتساؤل، عن سرّ صموده وبقائه، عمودا فقريا للحراك الوطني ـ السياسي، سوف يحيي يوم 20 جانفي القادم الذكرى الـ 68 لميلاده... اليوم، وانطلاقا من هذا الدور الذي أنيط بعهدته، من أجل اخراج البلاد من عنق الزجاجة، يجدّد الاتحاد العام التونسي للشغل، مصافحة مع التاريخ الوطني للبلاد، عندما عزم على لعب دور سياسي، غيّرت مبادرته من خلال هذا الدور، كامل المشهد السياسي، معطيات ومتطلبات.
انطلقت كلمة الأمين العام حسين العباسي، يوم السبت في افتتاح مؤتمر الحوار الوطني، ببيت شعر للمتنبي: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم»... وكان الايحاء من هذه الكلمات، أن الاطراف السياسية التي انخرطت في هذا الحوار من أجل انقاذ تونس، واخراجها من عنق الزجاجة، هي من أطراف من «أهل العزم» ومن «أهل الكرام» كما يقتضيه ويقوله عجز هذا البيت...
لمدّة تقارب الستين يوما، بدا الاتحاد العام التونسي للشغل، كما العمود الفقري للبلاد... وللوطن... فهو الذي «يسوس» وفق نظام داخلي لم يتغير جوهر نصفه منذ بعث الشهيد فرحات حشاد و«رفاقه»، هذا الهيكل النقابي سنة 1946، يسوس قرابة الـ 50 ألف مسؤول نقابي، وهو الذي يتمتّع بتسعة آلاف هيكل نقابي، ويحتكم على ميزانية قد يصل قوامها الـ 12 مليارا (مليم) سنويا...
والحقيقة، لم ير التونسيون، بعد الأزمات المتتالية التي مرّت بها البلاد، بعد انتخاب المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر 2011، وتبوّؤ «الترويكا» المكوّنة من أحزاب المؤتمر والنهضة والتكتّل، لم ير أحد منا أمرا لافتا، أو غير مرغوب، عندما تقدّم الاتحاد العام التونسي للشغل، نحو البلاد والوطن، وتحمّل مصيره بكل شجاعة وحكمة...
هذه الجولة الجديدة للحوار الوطني، جاءت على خلفية جلسات وحوارات ماراطونية، تحمّل فيها الاتحاد وزر النقد والانتقاد... وتحمّل خلالها الاتحاد، اتهامات، كان بالامكان، لو لم تتحلّ القيادة بالحكمة، لعصفت تلك النعوت والهجومات على المركزية النقابية، بكامل الحوار الوطني وهو في المهد...
سؤال أساسي رافق هذا الاداء الصادر عن الاتحاد العام التونسي للشغل، في هذه المرحلة بالذات، ويهم السؤال مدى انخراط الاتحاد في الشأن العام، طوال تاريخه المتواصل منذ عهد الاستعمار المباشر الى عهدي بورقيبة وبن علي وصولا الى تونس ما بعد الثورة...
فإذا كان السؤال المركزي يتمحور حول ماهية هذا الانخراط ومتى؟ فإن جردا بسيطا للمحطّات الوطنية التي كان فيها الاتحاد حكما وحكيما... ونازعا لفتيل أزمة سياسية بالبلاد، يمكن أن يؤكّد مقدّمة مفادها أن المركزية النقابية، التي ولدت هيكلا وطنيا اجتماعيا مناضلا عهد الاستعمار، مثّل الى جانب القوى السياسية المنتظمة ضمن أحزاب سياسية وتيارات فكرية تقدمية، أساس الحراك الوطني باتجاه الاستقلال... إذ ما كان «يُسمح» به للنقابي لم يكن يسمح به عهد الاستعمار للسياسي.
وهنا تنبئنا صفحات التاريخ، بأن النضال الوطني الحقوقي، لدى كبرى الهيئات الدولية نقابية كانت (السيزل) أو أممية (الأمم المتحدة بكل منظماتها ذات الصلة) تقاسمه الزعماء السياسيون من بورقيبة وصالح بن يوسف مع الزعماء النقابيين، فرحات حشاد ومحمود المسعدي وأحمد بن صالح...
من ذلك أن التعريف بالقضية التونسية كان بالتداول بين أيدي زعماء النقابة وزعماء السياسة...
وما إن حلّت سنة 1956، واتفاقية 20 مارس للاستقلال، حتى كانت للاتحاد العام التونسي للشغل وثيقته الاقتصادية والاجتماعية، والتي نبعت من الميدان، ميدان انتشار الاتحاد على كامل تراب الجمهورية، مما حدا ببورقيبة «الزعيم» وبورقية الرئيس في ما بعد، الى اعتماد الوثيقة، خيارا رسميا لمؤتمر الحزب الحر الدستوري سنة 1955 بصفاقس، فقد كان الاتحاد مستعدا للاستقلال الداخلي، وحزب الدستور لم يكن جاهزا بعد..
في بداية الستينات، لم يكن خيار الاشتراكية والتعاضد، قد أضفي على الحزب الحاكم، هكذا بلا أسس، بل إن زعماء الاتحاد العام التونسي للشغل كانوا وراء هذا التوجّه.. فتواصلت المسيرة، لبناء الدولة الوطنية، وكان الاتحاد دوما، يلعب دورا أساسيا في بسط وتبنّي الخيارات السياسية الوطنية.
الاتحاد العام التونسي للشغل، حمل على كتفيه وفي كل محطة وطنية، وزر الخروج من الأزمة، ووزر النهوض بالبلاد.. حتى أن فترة السبعينات وما وصلت إليه من احتقان في 26 جانفي 1978، كانت في نظر الملاحظين، هي المحطة المزدوجة للوصول وللانطلاق في آن واحد، كما الشأن يوم السبت المنقضي 5 أكتوبر الجاري، كيف؟
ما من شكّ أن مؤسّستي البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، قد عرفتا فترة السبعينات من القرن الماضي، نفضا لكل غبار علق بالمؤسسات الرأسمالية والامبريالية، من حيث أن فترة الستينات التي تميّزت بالتحرّر الوطني في عديد البلدان، واكتساح نمط الانتاج الموجّه (ذي بعد اشتراكي) كافة البلدان الخارجة من الاستعمار المباشر لتوّها.
هنا، بدأت سنوات السبعين تراكم لمطالب أخرى، هي أقرب للفردانية L›individualisme، وبالتالي فقد لاحت الى جانب تقويض المناويل الليبرالية للتنمية، مطالب بحرية الكلمة وحقوق الانسان..ونتذكر أن الاتحاد العام التونسي للشغل الذي وصل الى محطة اللاعودة، في جداله الاجتماعي مع حكومة نويرة (الانفتاحية) ركب بسرعة قطار حرية الكلمة والاعلام وحقوق الانسان، من خلال «حربوشة» محمد قلبي رحمه اللّه، ومن خلال إيوائه لمناضلي الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان الى حدود الاعتراف بها هيكلا مستقلا..
لم يكن الاتحاد غائبا عهد بن علي ولكنه لم يكن حاضرا في مستوى التزام القيادة المركزية بالحراك..
فإضافة الى استقبال بعض هياكل الاتحاد ووجوه من المكتب التنفيذي بعض الفعاليات حول العراق وفلسطين، فإن الشأن الوطني بقي في مراوحة من الاتحاد.. حتى جاءت أحداث الحوض المنجمي في 2008 وبدأ الفرز للخنادق التي يتموقع فيها الاتحاد على أساس قيادات وأسماء وليس الهيكل برمّته.. ونذكر جميعا أنه كلما تأزمت الأمور يستدعي بن علي الأمين العام للاتحاد (السحباني ثم جراد) فيقف «حمار الشيخ في العقبة» ذلك ان المركزية النقابية ملزمة في اتخاذ قراراتها بنظام داخلي وهيئة إدارية.. تماما كما وقع في الحوار الوطني الحالي..
هذا دون ان نُغفل كيف رفض الاتحاد الانخراط في الانتخابات النيابية والرئاسية عهد بن علي، ورفض كذلك الانخراط على عكس المنظمات الوطنية الأخرى في منظومة مجلس المستشارين (الغرفة الثانية) التي أوجدها نظام بن علي سنة 2005.
الاتحاد العام التونسي للشغل، مارس دور الحكيم والحكم في ما أرادت له بعض الأطراف ان يكون الخصم والحكم حتى تكون عملية إفشال الحوار الوطني، مستندة إلى أسس نقدية سليمة.
الاتحاد لم يمنح هؤلاء فرصة الانقضاض على الزلات... فكان ان اتخذ القرار الصعب في أوج الغضب الشعبي والحزبي والحقوقي والمدني، على إثر اغتيال الشهيد محمد البراهمي، بأن أقرّ مبادرة لا تستجيب لمطالب الأغلبية في الشارع وفي المشهد السياسي، حين تملّك الغضب الجميع وقرّروا: «ارحل» للحكومة والتأسيسي..
كان قرارا صعبا، رأى فيه المعارضون لحكومة «الترويكا» خذلانا لهم حين أقرّت مبادرة الاتحاد الابقاء على التأسيسي.
فقد كان لزوما تهدئة الأجواء وعدم الدفع بالبلاد نحو المجهول..
الاتحاد الحكم والحكيم، بالتأكيد أنه لا يمكن ان يرضي جميع الأطراف.. لكن الثابت انه يرضي الوطن.. ويرضي نسق التاريخ..
فالحكمة تقتضي الصبر ودور الحَكم يتطلب الكثير من الشجاعة ورباطة الجأش.

أحوار وطني أم انقلاب فاضح !؟
لقد شاهدت البارحة برنامج ( شكرا على الحضور ) في القناة الوطنية الأولى ، و هالني ما سمعت و ما رأيت و خاصة من طرف خميس قسيلة القيادي في حزب نداء تونس و التّجمعي سابقا عندما يقول أن الحوار الوطني ليس شيئا آخر غير خارطة الطريق المقترحة من الرّباعيّة الرّاعيّة للحوار . وعند استماعي للسّيد خميس كسيلة و هو يعرّف لنا مفهوم الحوار الوطني تبيّن لي أنّ تعريفه و تعريف جماعته للحوار ليس هو تعريفنا و لا فهمنا للحوار. فتعريف السيد خميس و جماعته للحوار الوطني بدا لي بكلّ بساطة تعريفا شاذّا و مشوّها بكلّ المقاييس . فالحوار بالنسبة إليه هو خارطة الطريق المزعومة ، فهي بالنّسبة إليه كلّ لا يتجزأ، و لمن أراد أن ينخرط في هذا الحوار فعليه أن يعمل بهذه الخارطة ككلّ أو يتركها ككلّ( بلا زيادة و لا نقصان ) حسب تعبيره. كلام خطير يصدر عن رجل يدّعي أنّه ديمقراطي و حداثي. كلام يستبطن فرض واقع جديد لا صلة له بالشّرعيّة و الإرادة الشّعبية الّتي أفرزتها انتخابات 23 أكتوبر 2011. و ما استنتجه من هذا الكلام ، من دون لفّ أو دوران، أنّ خارطة الطريق هي الآلية الّتي تفتقت عنها عبقرية أركان الثّورة المضّادة و من لفّ لفهم لفرض انقلاب ناعم على الإرادة الشّعبية لا يكلّف مهندسيه خسائر و لا تضحيات ( في الأرواح و العتاد) !
إنّ الإمضاء على ما يسّمى بخارطة الطريق، وليس الحوار الوطني، هو انسحاب من ساحة المعركة و خيانة للشّعب و التفاف على الثّورة .
إن بلادنا الغالية تونس لا تستحق أن ندفع بها إلى المجهول ، و أنّ ثورة 14 جانفي 2011 رائدة ثورات الرّبيع العربي هي أكبر و أشرف و أكرم من هذا المصير البائس الذّي تريد قوى الثّورة المضادة أن تصنعه و تفرضه علينا بأساليب استبدادية غدت معروفة لا صلة لها بالدّيمقراطيّة و الشّرعيّة و دولة القانون و المؤسسات و نحن متفرّجون و مفعول بنا دون أن نحرّك ساكنا.
نحن قوم مسالمون و لا نريد اصطناع المعارك الوهميّة التّي يكون الرّابح فيها خاسرا مسبّقا، و لكن إذا ما فُرضت علينا معارك و خاصة منها تلك الّتي تستهدف كرامتنا و عزّتنا فإنّنا نفضل ألف مرة الموت و نحن واقفون صامدون نذود عن المبادئ و القيم العالية و ندافع عن العزّة و الكرامة من الموت و نحن مستسلمون خانعون لا نحرّك ساكنا .
واختم قولي متوجها إلى السّيد خميس قسيلة و أمثاله : ( الحمدلله أنّ كلّ يوم يمرّ تنكشف فيه نواياكم الخبيثة أكثر ، و لتعلموا أنّ خارطة الطريق ليست قرآنا ( و عليكم أن تبّلوها جيّدا و تشربوا ماءها )، وأنّ الرّباعيّة المزعومة ليست معصومة )، و لا هي في حقيقة الأمر راعية للحوار الوطني بل هي راعية للحمير اللاّوطني كما نطق بذلك السّيد عبدالسّتار موسى واحد من أكبر أزلام النّظام السّابق.
مصطفى عبدالله و نيسي/ باريس
لقد شاهدت البارحة برنامج ( شكرا على الحضور ) في القناة الوطنية الأولى ، و هالني ما سمعت و ما رأيت و خاصة من طرف خميس قسيلة القيادي في حزب نداء تونس و التّجمعي سابقا عندما يقول أن الحوار الوطني ليس شيئا آخر غير خارطة الطريق المقترحة من الرّباعيّة الرّاعيّة للحوار . وعند استماعي للسّيد خميس كسيلة و هو يعرّف لنا مفهوم الحوار الوطني تبيّن لي أنّ تعريفه و تعريف جماعته للحوار ليس هو تعريفنا و لا فهمنا للحوار. فتعريف السيد خميس و جماعته للحوار الوطني بدا لي بكلّ بساطة تعريفا شاذّا و مشوّها بكلّ المقاييس . فالحوار بالنسبة إليه هو خارطة الطريق المزعومة ، فهي بالنّسبة إليه كلّ لا يتجزأ، و لمن أراد أن ينخرط في هذا الحوار فعليه أن يعمل بهذه الخارطة ككلّ أو يتركها ككلّ( بلا زيادة و لا نقصان ) حسب تعبيره. كلام خطير يصدر عن رجل يدّعي أنّه ديمقراطي و حداثي. كلام يستبطن فرض واقع جديد لا صلة له بالشّرعيّة و الإرادة الشّعبية الّتي أفرزتها انتخابات 23 أكتوبر 2011. و ما استنتجه من هذا الكلام ، من دون لفّ أو دوران، أنّ خارطة الطريق هي الآلية الّتي تفتقت عنها عبقرية أركان الثّورة المضّادة و من لفّ لفهم لفرض انقلاب ناعم على الإرادة الشّعبية لا يكلّف مهندسيه خسائر و لا تضحيات ( في الأرواح و العتاد) !
إنّ الإمضاء على ما يسّمى بخارطة الطريق، وليس الحوار الوطني، هو انسحاب من ساحة المعركة و خيانة للشّعب و التفاف على الثّورة .
إن بلادنا الغالية تونس لا تستحق أن ندفع بها إلى المجهول ، و أنّ ثورة 14 جانفي 2011 رائدة ثورات الرّبيع العربي هي أكبر و أشرف و أكرم من هذا المصير البائس الذّي تريد قوى الثّورة المضادة أن تصنعه و تفرضه علينا بأساليب استبدادية غدت معروفة لا صلة لها بالدّيمقراطيّة و الشّرعيّة و دولة القانون و المؤسسات و نحن متفرّجون و مفعول بنا دون أن نحرّك ساكنا.
نحن قوم مسالمون و لا نريد اصطناع المعارك الوهميّة التّي يكون الرّابح فيها خاسرا مسبّقا، و لكن إذا ما فُرضت علينا معارك و خاصة منها تلك الّتي تستهدف كرامتنا و عزّتنا فإنّنا نفضل ألف مرة الموت و نحن واقفون صامدون نذود عن المبادئ و القيم العالية و ندافع عن العزّة و الكرامة من الموت و نحن مستسلمون خانعون لا نحرّك ساكنا .
واختم قولي متوجها إلى السّيد خميس قسيلة و أمثاله : ( الحمدلله أنّ كلّ يوم يمرّ تنكشف فيه نواياكم الخبيثة أكثر ، و لتعلموا أنّ خارطة الطريق ليست قرآنا ( و عليكم أن تبّلوها جيّدا و تشربوا ماءها )، وأنّ الرّباعيّة المزعومة ليست معصومة )، و لا هي في حقيقة الأمر راعية للحوار الوطني بل هي راعية للحمير اللاّوطني كما نطق بذلك السّيد عبدالسّتار موسى واحد من أكبر أزلام النّظام السّابق.
مصطفى عبدالله و نيسي/ باريس
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire