Articles les plus consultés

lundi 3 juin 2013

إضاءات في الحكم و السيّاسة من السيرة النبويّة





نظام الحكم في الاسلام : نشأة وصيرورة (ج1) / الأستاذ مصطفى لونيسي

عرف النظام السياسي للحكم في الإسلام بنظام الخلافة , و هو نظام يؤمن بالسيادة العليا لله و رسوله التشريعية والقانونية . فالخلافة نائبة عن الحاكم الحقيقي الذّي هو الله سبحانه , و سلطاتها محدودة بتلك الحدود و الأحكام التّي حددها الشارع الحكيم صاحب السلطة الحقيقية سواء كانت هذه السلطة تشريعية أو قضائية أو تنفيذية


بسم الله الرّحمن الرّحيم

البحث الأول :
نظام الحكم في الإسلام
نشأة و صيرورة
الفصل الأول : محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم المؤسس الأول للدولة الإسلامية :
الحلقة  الأولى : الإطار العام للموضوع :

تقديم  : عرف النظام السياسي للحكم في الإسلام بنظام الخلافة , و هو نظام يؤمن بالسيادة العليا لله و رسوله التشريعية والقانونية . فالخلافة نائبة عن الحاكم الحقيقي الذّي هو الله سبحانه , و سلطاتها محدودة بتلك الحدود و الأحكام التّي حددها الشارع الحكيم صاحب السلطة الحقيقية سواء كانت هذه السلطة تشريعية أو قضائية أو تنفيذية . فالله خالق هذا الكون و خالق الإنسان و سائر المخلوقات التي سخرها لخدمة هذا الكائن المتميز الإنسان الذي كرمه الله و أراده أن يكون خليفته في هذا العالم المشهود [ وعد الله الذّين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذّين من قبلهم و ليمكّننّ لهم دينهم الذّي ارتضى لهم و ليبد لنّهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا و من كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ] 1 . إن صفات الحاكمية وما ينتج عنها من سلطات هي مجتمعة في يديه سبحانه و ليس في هذا الوجود من قوة مهما علا شأنها قادرة أو مؤهلة لا من قريب ولا من بعيد لتحمل هذه الصفات أو تنالها مجتمعة أو متفرقة . فهو وحده قاهر لكل شئ , و مسيطر على كل شئ , و عليم بكل شئ , منزه عن الخظإ و النسيان و العيوب ............, لا معقب لحكمه و لا يسأل عما يفعل , و ما عداه ، كلهم ، سيسألون عما يفعلون و يصنعون. يقول الله عز و جلّ :[ و هو القاهر فوق عباده وهوالحكيم الخبير] 2 و يقول سبحانه :[ هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء و الأرض ]3 ‘ و غير ذلك من الآيات البيّنات المحكمات التّي تبيّن بكل وضوح أنّ الما لك الحقيقي هو الله و أنّه وحده صاحب السلطة الحقيقية و لا ينكر ذلك إلا مكابر جاهل و عنيد كفّار. و نتيجة لهذا التصور و بناء عليه ‘ فإنّ الطاعة الدينيّة و القانونية لا تكون أصالة إلاّ لله وحده خالصة له دون سواه‘ و لا يحق للإنسان ‘عبدالله‘ أن يترك هذا القانون ‘ليتبع قوانين وضعية ناقصة بطبعها أو يتبع شرعة ذاته و ميولاته. يقول الله تعالى :[ ثمّ جعلناك على شريعة من الأمر فآتبعها و لا تتبع أهواء الذّين لا يعلمون ] 4 و يقول سبحانه :[ و تلك حدود الله و من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه] 5 ‘ و غير ذلك من الآيات التي تفيد بأنّ الطاعة لا تكون أصالة إلاّ لله و رسوله. يقول العلاّمة ابن خلدون في تعريف نظام الخلافة :( ...فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشّرع في حراسة الدّين و سياسية الدّنيا به.....) 5
ولقد أجمع جمهور العلماء قديما على أنّه لا بدّ من إمام يقيم الجمع و ينظم الجماعات ،و ينفذ الحدود ، و يجمع الزّكوات من الأغنياء ليردها على الفقراء، و يحمي الثغور،و يفصل بين الناس في الخصومات بالقضاة الذين يعينهم ، و يوحد الكلمة،و ينفذ أحكام الشرع ويلم الشعث ويجمع المتفرق ،ويوحد الكلمة،و يقيم المدينة الفاضلة التي حثّ الإسلام على إقامتها .

و هذا القانون ‘ أو هذه الشريعة التّي أمر الله النّاس بآتباعها ليس هناك من وسيلة لفهمها و تبليغها للعالمين و نشرها بينهم و خاصة عند البعثة سوى رسول الله صلى الله عليه و سلّم ‘فهو وحده المؤهل لتبليغ أحكام الله و شرائعه إلى النّاس كافة على
الوجه الصحيح و المطلوب كما نزلت و كما أرادها الله بلا تحريف و لا تأويل فاسد.
فالصحابة ‘كانوا ‘ يستفيدون أحكام الشرع من القرآن الذّي يتلقونه عن الرسول (ص) ‘وكثيرا ما كانت تنزل آيات القرآن مجملة غير مفصلة ‘أو مطلقة غير مقيدة‘ كالأمر بالصلاة ‘جاء مجملا لم يبين القرآن عدد ركعاتها و لا هيئتها و لا أوقاتها‘و كالأمر بالزكاة ‘ جاء مطلقا لم يقيد بالحد الأدنى الذي تجب فيه الزكاة‘ و كذلك كثير من الأحكام التّي لا يمكن تنفيذها دون الوقوف على شرح ما يتصل بها من شروط و أركان و مفسدات‘ فكان لا بد من الرّجوع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لمعرفة الأحكام معرفة تفصيلية وعملية . فالرسول هو المبلغ عن ربه ‘وأدرى الخلق بمقاصد شريعة الله و حدودها و نهجها و مراميها .7 يقول الله تعالى :[و أنزلنا إليك الذكر لتبين للنّاس ما نزل إليهم من ربهم ولعلهم يتفكرون ]8 . وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه أوتي القرآن و الحكمة ليعلم النّاس أحكام دينهم . قال الله تعالى [ لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته و يزكيهم و يعلّمهم الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين]9 . و قد ذهب العلماء إلى أنّ الحكمة هي شئ آخر غير القرآن ‘ و قالوا هي السنة . و قد روى أبو داود عن المقدام بن معد يكرم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله :( ألا إني أوتيت الكتاب و مثله معه). فالرسول صلى الله عليه و سلم هو الممثل لحاكمية الله في حياة الناس ‘ و طاعته من طاعة الله [ و من يطع الرّسول فقد أطاع الله]10 ] يقول سبحانه :[فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما ]11 و يقول :[وما أتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا]12
فالصورة المثلى و الشكل المناسب لحكومة البشر في التصور القرآني هو أن تسلّم الدّولة بسيادة الله و رسوله القانونية و الدّينية ‘فتكون حقيقة الخلافة ‘كنظام سياسي ‘هي خلافة بالوكالة عن المالك الحقيقي ‘لأن كل ما يناله الإنسان في حياته من خيرات و قدرات و طاقات أنّما هي هبات ‘ و عطايا من عند الله تكرّم بها المولى
 على عباده لينظر ماذا هم فاعلون فيها ‘ و ذلك لأن الإنسان مهما ملك ‘فإنما هو مالك على سبيل المجاز و بالوكالة ليس إلاّ. يقول الله تعالى :[ و إذ قال ربك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة...]13 و يقول عزّ من قائل :[و لقد مكّنّاكم في الأرض و جعلنا لكم فيها معايش...] 14
و نظام الخلافة ‘هذا‘ لا يمكن أن يعدّ خلافة شرعية صحيحة إذا لم يتبع أحكام المالك الحقيقي ‘ الذّي هو الله‘و يلتزم بآتباع أوامره و باجتناب نواهيه و الوقوف عند حدوده . أمّا نظام الحكم الذّي يعرض عن طاعة الله و الإلتزام بشرائعه فهو ليس نظاما إسلاميا ،بالمفهوم السياسي، و إنّما هو نظام في جوهره تمرد و انقلاب على صاحب السلطان الحقيقي‘ يقول الله تعالى [ هو الذّي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره و لا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلاّ مقتا و لا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلاّ خسارا]15. ّ
و إذا كانت هذه إجمالا حقيقة النظام الإسلامي، أو ما عُرف تاريخيا بنظام الخلافة ‘ فما هي طبيعتة و خصائصه التي أرسى دعائمها الأولى محمد بن عبدالله ‘عبدالله و رسوله ‘ صلى الله عليه و سلم ؟
 مصطفى عبدالله الونيسي
باريس/فرنسا  
 المراجع :
1)سورة النّور :آية 55
2)سورة الأنعام : آية 18
3)سورة فاطر : آية 3
4)سورة البقرة :آية229
5)سورة الطلاق :آية 1
6)مقدمة ابن خلدون ص دار إحياء التراث العربي /بيروت.لبنان /الطبعة الرابعة
7)د.الشيخ مصطفى السباعي/السنّة و مكانتها في التشريع الإسلامي ص53/المكتب الإسلامي /بيروت /ط4/1985
8)سورة النحل : آية44
9)آل عمران :آية164
10)النساء :آية 80
11)النساء :آية65
12) الحشر :آية7
13) البقرة :آية 30
14) الأعراف : آية10 
15)فاطر آية 39

1 commentaire: