الرئيس فؤاد المبزّع في أول حديث صحفي له لـ«الشروق» (1/2) بن علي قال لي كلّم التلفزة والإذاعة... أنا راجع

السيد فؤاد المبزّع قبل بعد إلحاح شديد أن يكشف أسرار مسكه بمهمة رئاسة الجمهورية... وبالاستجابة لمطالب القصبة I وII... وكيف تمت عملية انتقال الرئاسة من بن علي الى الغنوشي فالمبزع.
تونس ـ الشروق
لأول مرة يتكلّم.. عن الثورة.. وعن تسلّمه لأخطر منصب.. في أخطر لحظة من تاريخ تونس...
نأى بنفسه عن التجاذبات وعن التصريحات... بقي متكتّما على أحداث تهمّ تاريخ تونس... لاعتقاد منه أن التصريحات والتصريحات المضادة، إنّما تصبّ في خانة التجاذب... والتوق الى المناصب...
وهو يعتبر نفسه بعيدا عن التجاذبات وبعيدا عن التوق لأي منصب...
يقول إن ضميره مرتاح... لم يظلم أحدا... ولم يودع أحدا السجن...
لم يلج قصر قرطاج الرئاسي الا يوم سلّم المهمة في ديسمبر 2012 الى السيد المنصف المرزوقي.. فقد عمل بصفته رئيسا للبلاد (مؤقت) بين القصبة وبناية مستشاري الرئاسة...
هل خاف من الرئاسة... أم هو درأها عن نفسه... السيد فؤاد المبزع يتحدّث...
ما الذي حدث بالضبط يوم 14 جانفي... في القصر الرئاسي، بعد خروج بن علي من البلاد؟
كان يوم 14 جانفي 2011 يوم جمعة، باشرت مهامي العادية بمجلس النواب، صباحا، ثم رجعت الى بيتي... وكانت المعلومات هي نفسها التي تصل الناس... لم تكن لنا معلومات خاصة عن حقيقة ما يجري بالبلاد...
مثلا، قبل جانفي 2011 كانت هناك أحداث كبيرة ومهمة وخطيرة، تحدث في الحوض المنجمي في 2008... وكنت وقتها أستقي المعلومات الميدانية عن طريق زملاء نواب بالمجلس من الجهة... كذلك الأمر بالنسبة لأحداث سيدي بوزيد التي انطلقت منتصف ديسمبر 2010... النفاذ الوحيد للمعلومة كنت أتوصل به بواسطة زملاء نوّاب من الجهة...
يوم 14 جانفي 2011 اذن كنت أتابع تطورات المظاهرة الكبرى بشارع بورقيبة، لا عن طريق أجهزة الدولة (الرسمية) بل من المشاهدات والمشاركات ان من أصدقاء او من العائلة ممن كانوا في شارع بورقيبة يومها...
مساء الجمعة 14 جانفي باغتتني مكالمة هاتفية من الرئاسة (الأمن) حيث قال لي مخاطبي: معك الرئاسة... أنت في منزلك... نحن بحاجة اليك الآن... سنأتي لنصطحبك...
ما هي الا دقائق قليلة حتى جاءني عدد من أمن الرئاسة فأخذوني على متن سيارة «مرسيدس سوداء» تابعة للأمن الرئاسي نحو القصر الرئاسي بقرطاج... لم ينبسوا بكلمة واحدة طوال «الرحلة»... كان عددهم أربعة او خمسة، ولجنا الباب الرئيسي لقصر قرطاج، لكن لم ندخل القصر، بل جنحوا بي الى بناية خاصة بالأمن الرئاسي... اعتقد أنها تسمى قاعة العمليات. وصلنا فوجدنا مجموعة من عناصر الأمن الرئاسي.. أحدهم كان اسمه «سيك سالم». قال لي تفضّل أنت الرئيس الآن.. قلت له كيف؟.. قال هناك تراتيب.. فقلت أين الوزير الأول؟.. وما هي الا لحظات حتى جاء السيد محمد الغنوشي.. لم أكن أعلم أن الرئيس خرج من البلاد.. قال لي «سيك سالم»: الرئيس «مشا...» أنت الرئيس الآن...
جاء سي محمد الغنوشي.. فسألته عن الخبر فقال: في بالي.. بن علي خرج من البلاد...
حسب الدستور هناك ناحيتان: هناك الشغور المؤقت، وفيها عندما يغادر الرئيس البلاد يعطي المهمة للوزير الاول عبر وثيقة مكتوبة.. والثانية هناك الشغور الدائم (حسب الدستور) حيث يتولى رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين إن تعذّر على الأول مسك مهام الرئاسة لمدة أقصاها ستون يوما (60 يوما)... وقد قيل لنا انه ربما سيعود... وإن بن علي متعود على الخروج من البلاد دون إعلام.. أحد.
هكذا تم الاتفاق على أن يتسلّم سي محمد الغنوشي، مقاليد الرئاسة، لأن الذي يقرر الشغور الدائم هو المجلس الدستوري اذ يجب ان يجلس بكل أعضائه ويقرر بالاجماع حالة الشغور الدائم... عندها يتسلّم رئيس مجلس النواب المهمة..
الذي حدث أن أعضاء المجلس الدستوري، لم يكن ممكنا الاتصال بهم... وبالرئيس وقتها.. ولم يكن ممكنا دستوريا ان يتولى يوم 14 جانفي 2011 رئيس مجلس النواب خطة الرئاسة إذن اتجهنا نحو الحل الأول...
وهنا أسألك: تصوّري أنني تسلّمت الرئاسة وفق الفصل 57 من الدستور دون موافقة المجلس الدستوري... عندها سأكون في حالة انقلاب.. أليس كذلك؟
لم يفكّر الحقوقيون في هذا الأمر، لقد آثروا الاعتراض... والنقد.. وقد التقيتهم وبيّنت لهم أساس القرار وأنا حريص جدّا على الناحية القانونية.
لذلك، تكلّم سي محمد الغنوشي وقال نظرا الى أن الوضع على هذه الشاكلة «فإني أتسلّم المسؤولية» وذلك في انتظار ان يجتمع المجلس الدستوري، بكامل أعضائه لتكون خطوة 15 جانفي قانونية.
جاءتني الرسالة من المجلس الدستوري يوم السبت صباحا (15 جانفي 2011) وقد تلوتها على أعضاء مكتبيْ مجلس النواب ومجلس المستشارين...
لقد طبّقت نص الدستور بالحرف.. ثم أعلنت بعدها وبدأت تحمّل المسؤولية انطلاقا من قرار المجلس الدستوري.
الى هذا الحدّ، فإن السيد فؤاد المبزّع لم يخرج عن القانون؟
نعم... ومنذ ذلك التاريخ، اعتبرت نفسي رئيسا مؤقتا للجمهورية.. ذلك ان نص الدستور واضح في هذه الناحية.
أصبحت رئيس الجمهورية يوم 15 جانفي 2011 كيف باشرت مهامك؟
اتجهت الى الرئاسة ولكن لم أدخل القصر... باشرت مهامي في مكتب من مكاتب المستشارين، وهي بناية منفصلة عن القصر... ولكنها ضمن نفس الفضاء...
لم أدخل قصر قرطاج، الا يوم استقبلت الرئيس المرزوقي بعد ان عيّن من المجلس التأسيسي رئيسا للجمهورية.
لماذا لم تدخل القصر الجمهوري؟
هذا قرار خاص... وأردت ان أقطع مع ما كان سائدا.. لأتماهى مع ما أتت به الثورة.
فقبل 14 جانفي كان الرئيس في القصر بمفرده، وكان مستشاره في البناية التي باشرت فيها مهامي... كرئيس مؤقت.
صف لنا مشاعرك يوم 14 جانفي وأنت تعلم في القصر الرئاسي، أنك الرئيس.. وأن في البلاد ثورة... وأن شأن الحكم انقلب رأسا على عقب؟
لم أحسّ بالخوف ولكن أحسست بجسامة المسؤولية.. وكان لابدّ من كثير من الحنكة والصبر... لممارسة هذه المسؤولية.
لذلك قلت لك اني أردت القطع مع الماضي ومباشرة المستقبل بالوسائل التي يتطلبها... هذا المستقبل.. أردت القطع مع نمط أسلوب الحكم... أردت ان أفصل بين ما كان موجودا من أن الرئيس هو «الفاتق الناطق» وبين ما هو مستجدّ الآن، بأن يكون رأس الهرم منسّقا ومشرفا ومستمعا للآخرين، لاتخاذ القرار بشكل جماعي.
كنت تستقبل الأحزاب والمنظمات... في حين كانت الحكومة (حكومة قائد السبسي) هي التي تسيّر شؤون الدولة؟
لقد استقبلت الهيئات النقابية والمهنية والأحزاب السياسية... لأنني كنت أعتبر ان الحكومة تمارس الحكم في التنفيذ.. ولكن كل القرارات تؤخذ في مجلس الوزراء برئاسة الرئيس..
ما لا يعرفه الناس، هو ان مجلس الوزراء كان يدوم أكثر من 5 ساعات سواء مع السيد محمد الغنوشي أو السيد الباجي قائد السبسي.
وكانت كل القرارات تؤخذ في مجلس الوزراء بمشاركة كل الوزراء وكتّاب الدولة... وكل الآراء تطرح... والجميع يدلي برأيه حتى وإن لم يطبّق.
ولم أمض مرسوما واحدا، إلا بعد موافقة مجلس الوزراء عليه... لذلك أذكر أنه مع الحكومتين كان الانسجام تاما بين فريق الوزراء في الحكومة وبين الرئيس.
لو نعود قليلا الى يوم الثورة... ماذا قال لك بن علي عبر الهاتف، في المكالمة التي مرّت اليك من السيد محمد الغنوشي ثم مررتها الى السيد عبد الله القلال؟
يوم 14 جانفي مساء، بينما كنا في مقر أمن الرئاسة، هاتف بن علي سي محمد الغنوشي ثم طلب منه ان يخاطبني فنقل إليّ الخط، فقال لي: كلّم التلفزة والإذاعة.. وتراجعوا في كلمة سي محمد الغنوشي... فأنا عائد الى تونس... قلت له: هذا غير ممكن.. كيف تبقى دولة بلا رئيس... وأنت لم تترك وثيقة واحدة... تتماشى مع نص الدستور... وأن قضية رجوعك غير ممكنة... عندها قال لي: أعطيني سي عبد الله القلال.. وقتها بدأنا نسمع التطوّرات التي عمّت البلاد.. من حرق ممتلكات العائلة المالكة.
وماذا عن توقيف الطرابلسية؟
سمعنا مثل الناس... قيل أن الأمن هو الذي تولى إيقافهم..
وماذا عن مستشاري الرئيس السابق؟
أول اجراء طلبناه منهم أن يغادروا مكاتبهم بالقصر الرئاسي، ويبقوا في بيوتهم.
قيل إن هناك من المستشارين من بقي يتردّد على مكتبه؟
لا أبدا.. منذ يوم 15 جانفي 2011 لا أحد ـ حسب علمي ـ باشر في مكتبه..
أين بدأت نشاطك كرئيس؟
في القصبة، كانت أولى مهامي.. وتحديدا في مكتب بورقيبة بقصر الحكومة بالقصبة.. أتذكّر، ونحن شباب، ينزل من قرطاج الى مكتبه بالقصبة.
طيّب كيف كانت كلمة القلال لبـن علي، عبر المكالمة؟
لا أستطيع أن أقول لك ما قاله.. ولكن كلمة (القلاّل) كانت طبيعية.. لقد اتفقنا جميعا أن بن علي لا يمكنه أن يعود.. نظرا الى أن كل التطورات في البلاد.. كانت تؤشر الى ضرورة أن لا يعود.. وبدأت عمليات الحرق تمسّ منازل العائلة «الحاكمة»..
كيف أمكن لكم تجاوز العقبة لتسلّم السلطة، أنت والسيد الغنوشي (محمد)؟
لما بدأت أحداث «القصبة 1»، انتقلت الى قرطاج حيث مكاتب المستشارين.
كيف تصرّفت شخصيا مع تطورات القصبة 1 والقصبة 2؟
تلك كانت مطالب الشعب.. كنا سنباشر إعادة صياغة «دستور 59».. فتبيّن أنه لم يكن الخيار المرغوب فيه.
وتعرفين أن حراك القصبة 1 والقصبة 2 كان مشاركا فيه المحامون والقضاة والاتحاد العام التونسي للشغل واليسار (بالقوميين منهم والشيوعيين).. كان ذلك بمثابة التمثيل للشعب التونسي...
هل كنت متفهما لهذه التطورات؟
نعم.. هل تتصورين أن يتجه الانسان ضد التيار.. العام؟ أبدا.. ما كان ذلك ممكنا..
هل كنت وقتها ترى مخاطر نعيشها الآن؟
عندما أوجدنا الهيئة ووسّعناها، لتصبح الهيئة الوطنية لتحقيق أهداف الثورة.. بدأت تظهر الخلافات والتيارات والمتناقضات..
هل كنت تتخيل أن تصل البلاد الى ما وصلت إليه الآن؟
أبدا.. لم أكن أتصور أن تصل البلاد الى ما وصلت إليه الآن.. ولم نكن نتصور أن الاختلاف في الرأي يمكن أن يؤدي الى كل هذا العنف.
ألا تعتقد ، «سي فؤاد»، أن هناك لحظة من تاريخ تونس، تحوّلت فيها الاختلافات الفكرية الى قضية تصفية حسابات على حساب البلاد؟
ـ أنا أعتقد أن أول موضوع حصل في منوبة، عندما أقدم شاب ينسب الى السلفية، واقتلع العلم الوطني وغيّره براية أخرى، كان ذلك صدمة.. لأن الذي يجمعنا هو الوطن والعلَم.. وكنت أترقّب من السلطة أن تكون حازمة تجاه ذاك الشاب عبر إيقافه.. وهنا أقول بارك اللّه في الفتاة التونسية التي أعادت العلَم الى مكانه.. وقد سبق هذا الأمر قضية الشريط الذي عرض على شاشة «نسمة».. ربما نرجع الأمر الأول (الشريط) الى أن الأمن كان في حالة انتقالية ولكن بعد الانتخابات تحدث الاطاحة بالعلَم.. فهذا غير مقبول.
يُقال عنك، ما سيقوله التاريخ، أنك مسؤول عن رجوع رموز في النهضة عبر القفز على مسالك قانونية.. هل هذا صحيح؟
أنا لم أمض على شيء.. أمضيت على قانون العفو العام، الذي تمتّع به كل الموقوفين والمعارضين خارج البلاد وداخلها.. وكان هذا طلبا منذ عهد بورقيبة وبن علي.. العفو (التشريعي) العام..
متى أحسست أن الثورة التونسية وقع الالتفاف عليها.. من الخارج؟
أنا اعتقدت جازما أن في البلاد ثورة تتوق نحو التغيير.. وأنا أعتقد أن الثورة انطلقت من الحوض المنجمي في 2008.. واللّه، بدأنا نشعر منذ البداية، من خلال تصريحات تتمّ في الخارج.. والداخل.. من قطر.. ومن القرضاوي.. أن هذا الأمر سيحدث، فقد قدّمهم جزء من الاعلام الخارجي على أساس أنهم دعموا الثورة التونسية.. وهذا دور لعبته قناة «الجزيرة» ومعروف، أرادت أن توظّف الثورة وكأنها مستوردة.. بينما هي ثور وطنية بحتة. وليس أمامنا إلا أن نتفحّص في مطالب الناس..
غدا: هكذا علمت بحلّ التجمّع..
ـ هذا موقفي من قضية تسليم البغدادي المحمودي
ـ ... لا أحد له الحق في تكفير التونسيين
لأول مرة يتكلّم.. عن الثورة.. وعن تسلّمه لأخطر منصب.. في أخطر لحظة من تاريخ تونس...
نأى بنفسه عن التجاذبات وعن التصريحات... بقي متكتّما على أحداث تهمّ تاريخ تونس... لاعتقاد منه أن التصريحات والتصريحات المضادة، إنّما تصبّ في خانة التجاذب... والتوق الى المناصب...
وهو يعتبر نفسه بعيدا عن التجاذبات وبعيدا عن التوق لأي منصب...
يقول إن ضميره مرتاح... لم يظلم أحدا... ولم يودع أحدا السجن...
لم يلج قصر قرطاج الرئاسي الا يوم سلّم المهمة في ديسمبر 2012 الى السيد المنصف المرزوقي.. فقد عمل بصفته رئيسا للبلاد (مؤقت) بين القصبة وبناية مستشاري الرئاسة...
هل خاف من الرئاسة... أم هو درأها عن نفسه... السيد فؤاد المبزع يتحدّث...
ما الذي حدث بالضبط يوم 14 جانفي... في القصر الرئاسي، بعد خروج بن علي من البلاد؟
كان يوم 14 جانفي 2011 يوم جمعة، باشرت مهامي العادية بمجلس النواب، صباحا، ثم رجعت الى بيتي... وكانت المعلومات هي نفسها التي تصل الناس... لم تكن لنا معلومات خاصة عن حقيقة ما يجري بالبلاد...
مثلا، قبل جانفي 2011 كانت هناك أحداث كبيرة ومهمة وخطيرة، تحدث في الحوض المنجمي في 2008... وكنت وقتها أستقي المعلومات الميدانية عن طريق زملاء نواب بالمجلس من الجهة... كذلك الأمر بالنسبة لأحداث سيدي بوزيد التي انطلقت منتصف ديسمبر 2010... النفاذ الوحيد للمعلومة كنت أتوصل به بواسطة زملاء نوّاب من الجهة...
يوم 14 جانفي 2011 اذن كنت أتابع تطورات المظاهرة الكبرى بشارع بورقيبة، لا عن طريق أجهزة الدولة (الرسمية) بل من المشاهدات والمشاركات ان من أصدقاء او من العائلة ممن كانوا في شارع بورقيبة يومها...
مساء الجمعة 14 جانفي باغتتني مكالمة هاتفية من الرئاسة (الأمن) حيث قال لي مخاطبي: معك الرئاسة... أنت في منزلك... نحن بحاجة اليك الآن... سنأتي لنصطحبك...
ما هي الا دقائق قليلة حتى جاءني عدد من أمن الرئاسة فأخذوني على متن سيارة «مرسيدس سوداء» تابعة للأمن الرئاسي نحو القصر الرئاسي بقرطاج... لم ينبسوا بكلمة واحدة طوال «الرحلة»... كان عددهم أربعة او خمسة، ولجنا الباب الرئيسي لقصر قرطاج، لكن لم ندخل القصر، بل جنحوا بي الى بناية خاصة بالأمن الرئاسي... اعتقد أنها تسمى قاعة العمليات. وصلنا فوجدنا مجموعة من عناصر الأمن الرئاسي.. أحدهم كان اسمه «سيك سالم». قال لي تفضّل أنت الرئيس الآن.. قلت له كيف؟.. قال هناك تراتيب.. فقلت أين الوزير الأول؟.. وما هي الا لحظات حتى جاء السيد محمد الغنوشي.. لم أكن أعلم أن الرئيس خرج من البلاد.. قال لي «سيك سالم»: الرئيس «مشا...» أنت الرئيس الآن...
جاء سي محمد الغنوشي.. فسألته عن الخبر فقال: في بالي.. بن علي خرج من البلاد...
حسب الدستور هناك ناحيتان: هناك الشغور المؤقت، وفيها عندما يغادر الرئيس البلاد يعطي المهمة للوزير الاول عبر وثيقة مكتوبة.. والثانية هناك الشغور الدائم (حسب الدستور) حيث يتولى رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين إن تعذّر على الأول مسك مهام الرئاسة لمدة أقصاها ستون يوما (60 يوما)... وقد قيل لنا انه ربما سيعود... وإن بن علي متعود على الخروج من البلاد دون إعلام.. أحد.
هكذا تم الاتفاق على أن يتسلّم سي محمد الغنوشي، مقاليد الرئاسة، لأن الذي يقرر الشغور الدائم هو المجلس الدستوري اذ يجب ان يجلس بكل أعضائه ويقرر بالاجماع حالة الشغور الدائم... عندها يتسلّم رئيس مجلس النواب المهمة..
الذي حدث أن أعضاء المجلس الدستوري، لم يكن ممكنا الاتصال بهم... وبالرئيس وقتها.. ولم يكن ممكنا دستوريا ان يتولى يوم 14 جانفي 2011 رئيس مجلس النواب خطة الرئاسة إذن اتجهنا نحو الحل الأول...
وهنا أسألك: تصوّري أنني تسلّمت الرئاسة وفق الفصل 57 من الدستور دون موافقة المجلس الدستوري... عندها سأكون في حالة انقلاب.. أليس كذلك؟
لم يفكّر الحقوقيون في هذا الأمر، لقد آثروا الاعتراض... والنقد.. وقد التقيتهم وبيّنت لهم أساس القرار وأنا حريص جدّا على الناحية القانونية.
لذلك، تكلّم سي محمد الغنوشي وقال نظرا الى أن الوضع على هذه الشاكلة «فإني أتسلّم المسؤولية» وذلك في انتظار ان يجتمع المجلس الدستوري، بكامل أعضائه لتكون خطوة 15 جانفي قانونية.
جاءتني الرسالة من المجلس الدستوري يوم السبت صباحا (15 جانفي 2011) وقد تلوتها على أعضاء مكتبيْ مجلس النواب ومجلس المستشارين...
لقد طبّقت نص الدستور بالحرف.. ثم أعلنت بعدها وبدأت تحمّل المسؤولية انطلاقا من قرار المجلس الدستوري.
الى هذا الحدّ، فإن السيد فؤاد المبزّع لم يخرج عن القانون؟
نعم... ومنذ ذلك التاريخ، اعتبرت نفسي رئيسا مؤقتا للجمهورية.. ذلك ان نص الدستور واضح في هذه الناحية.
أصبحت رئيس الجمهورية يوم 15 جانفي 2011 كيف باشرت مهامك؟
اتجهت الى الرئاسة ولكن لم أدخل القصر... باشرت مهامي في مكتب من مكاتب المستشارين، وهي بناية منفصلة عن القصر... ولكنها ضمن نفس الفضاء...
لم أدخل قصر قرطاج، الا يوم استقبلت الرئيس المرزوقي بعد ان عيّن من المجلس التأسيسي رئيسا للجمهورية.
لماذا لم تدخل القصر الجمهوري؟
هذا قرار خاص... وأردت ان أقطع مع ما كان سائدا.. لأتماهى مع ما أتت به الثورة.
فقبل 14 جانفي كان الرئيس في القصر بمفرده، وكان مستشاره في البناية التي باشرت فيها مهامي... كرئيس مؤقت.
صف لنا مشاعرك يوم 14 جانفي وأنت تعلم في القصر الرئاسي، أنك الرئيس.. وأن في البلاد ثورة... وأن شأن الحكم انقلب رأسا على عقب؟
لم أحسّ بالخوف ولكن أحسست بجسامة المسؤولية.. وكان لابدّ من كثير من الحنكة والصبر... لممارسة هذه المسؤولية.
لذلك قلت لك اني أردت القطع مع الماضي ومباشرة المستقبل بالوسائل التي يتطلبها... هذا المستقبل.. أردت القطع مع نمط أسلوب الحكم... أردت ان أفصل بين ما كان موجودا من أن الرئيس هو «الفاتق الناطق» وبين ما هو مستجدّ الآن، بأن يكون رأس الهرم منسّقا ومشرفا ومستمعا للآخرين، لاتخاذ القرار بشكل جماعي.
كنت تستقبل الأحزاب والمنظمات... في حين كانت الحكومة (حكومة قائد السبسي) هي التي تسيّر شؤون الدولة؟
لقد استقبلت الهيئات النقابية والمهنية والأحزاب السياسية... لأنني كنت أعتبر ان الحكومة تمارس الحكم في التنفيذ.. ولكن كل القرارات تؤخذ في مجلس الوزراء برئاسة الرئيس..
ما لا يعرفه الناس، هو ان مجلس الوزراء كان يدوم أكثر من 5 ساعات سواء مع السيد محمد الغنوشي أو السيد الباجي قائد السبسي.
وكانت كل القرارات تؤخذ في مجلس الوزراء بمشاركة كل الوزراء وكتّاب الدولة... وكل الآراء تطرح... والجميع يدلي برأيه حتى وإن لم يطبّق.
ولم أمض مرسوما واحدا، إلا بعد موافقة مجلس الوزراء عليه... لذلك أذكر أنه مع الحكومتين كان الانسجام تاما بين فريق الوزراء في الحكومة وبين الرئيس.
لو نعود قليلا الى يوم الثورة... ماذا قال لك بن علي عبر الهاتف، في المكالمة التي مرّت اليك من السيد محمد الغنوشي ثم مررتها الى السيد عبد الله القلال؟
يوم 14 جانفي مساء، بينما كنا في مقر أمن الرئاسة، هاتف بن علي سي محمد الغنوشي ثم طلب منه ان يخاطبني فنقل إليّ الخط، فقال لي: كلّم التلفزة والإذاعة.. وتراجعوا في كلمة سي محمد الغنوشي... فأنا عائد الى تونس... قلت له: هذا غير ممكن.. كيف تبقى دولة بلا رئيس... وأنت لم تترك وثيقة واحدة... تتماشى مع نص الدستور... وأن قضية رجوعك غير ممكنة... عندها قال لي: أعطيني سي عبد الله القلال.. وقتها بدأنا نسمع التطوّرات التي عمّت البلاد.. من حرق ممتلكات العائلة المالكة.
وماذا عن توقيف الطرابلسية؟
سمعنا مثل الناس... قيل أن الأمن هو الذي تولى إيقافهم..
وماذا عن مستشاري الرئيس السابق؟
أول اجراء طلبناه منهم أن يغادروا مكاتبهم بالقصر الرئاسي، ويبقوا في بيوتهم.
قيل إن هناك من المستشارين من بقي يتردّد على مكتبه؟
لا أبدا.. منذ يوم 15 جانفي 2011 لا أحد ـ حسب علمي ـ باشر في مكتبه..
أين بدأت نشاطك كرئيس؟
في القصبة، كانت أولى مهامي.. وتحديدا في مكتب بورقيبة بقصر الحكومة بالقصبة.. أتذكّر، ونحن شباب، ينزل من قرطاج الى مكتبه بالقصبة.
طيّب كيف كانت كلمة القلال لبـن علي، عبر المكالمة؟
لا أستطيع أن أقول لك ما قاله.. ولكن كلمة (القلاّل) كانت طبيعية.. لقد اتفقنا جميعا أن بن علي لا يمكنه أن يعود.. نظرا الى أن كل التطورات في البلاد.. كانت تؤشر الى ضرورة أن لا يعود.. وبدأت عمليات الحرق تمسّ منازل العائلة «الحاكمة»..
كيف أمكن لكم تجاوز العقبة لتسلّم السلطة، أنت والسيد الغنوشي (محمد)؟
لما بدأت أحداث «القصبة 1»، انتقلت الى قرطاج حيث مكاتب المستشارين.
كيف تصرّفت شخصيا مع تطورات القصبة 1 والقصبة 2؟
تلك كانت مطالب الشعب.. كنا سنباشر إعادة صياغة «دستور 59».. فتبيّن أنه لم يكن الخيار المرغوب فيه.
وتعرفين أن حراك القصبة 1 والقصبة 2 كان مشاركا فيه المحامون والقضاة والاتحاد العام التونسي للشغل واليسار (بالقوميين منهم والشيوعيين).. كان ذلك بمثابة التمثيل للشعب التونسي...
هل كنت متفهما لهذه التطورات؟
نعم.. هل تتصورين أن يتجه الانسان ضد التيار.. العام؟ أبدا.. ما كان ذلك ممكنا..
هل كنت وقتها ترى مخاطر نعيشها الآن؟
عندما أوجدنا الهيئة ووسّعناها، لتصبح الهيئة الوطنية لتحقيق أهداف الثورة.. بدأت تظهر الخلافات والتيارات والمتناقضات..
هل كنت تتخيل أن تصل البلاد الى ما وصلت إليه الآن؟
أبدا.. لم أكن أتصور أن تصل البلاد الى ما وصلت إليه الآن.. ولم نكن نتصور أن الاختلاف في الرأي يمكن أن يؤدي الى كل هذا العنف.
ألا تعتقد ، «سي فؤاد»، أن هناك لحظة من تاريخ تونس، تحوّلت فيها الاختلافات الفكرية الى قضية تصفية حسابات على حساب البلاد؟
ـ أنا أعتقد أن أول موضوع حصل في منوبة، عندما أقدم شاب ينسب الى السلفية، واقتلع العلم الوطني وغيّره براية أخرى، كان ذلك صدمة.. لأن الذي يجمعنا هو الوطن والعلَم.. وكنت أترقّب من السلطة أن تكون حازمة تجاه ذاك الشاب عبر إيقافه.. وهنا أقول بارك اللّه في الفتاة التونسية التي أعادت العلَم الى مكانه.. وقد سبق هذا الأمر قضية الشريط الذي عرض على شاشة «نسمة».. ربما نرجع الأمر الأول (الشريط) الى أن الأمن كان في حالة انتقالية ولكن بعد الانتخابات تحدث الاطاحة بالعلَم.. فهذا غير مقبول.
يُقال عنك، ما سيقوله التاريخ، أنك مسؤول عن رجوع رموز في النهضة عبر القفز على مسالك قانونية.. هل هذا صحيح؟
أنا لم أمض على شيء.. أمضيت على قانون العفو العام، الذي تمتّع به كل الموقوفين والمعارضين خارج البلاد وداخلها.. وكان هذا طلبا منذ عهد بورقيبة وبن علي.. العفو (التشريعي) العام..
متى أحسست أن الثورة التونسية وقع الالتفاف عليها.. من الخارج؟
أنا اعتقدت جازما أن في البلاد ثورة تتوق نحو التغيير.. وأنا أعتقد أن الثورة انطلقت من الحوض المنجمي في 2008.. واللّه، بدأنا نشعر منذ البداية، من خلال تصريحات تتمّ في الخارج.. والداخل.. من قطر.. ومن القرضاوي.. أن هذا الأمر سيحدث، فقد قدّمهم جزء من الاعلام الخارجي على أساس أنهم دعموا الثورة التونسية.. وهذا دور لعبته قناة «الجزيرة» ومعروف، أرادت أن توظّف الثورة وكأنها مستوردة.. بينما هي ثور وطنية بحتة. وليس أمامنا إلا أن نتفحّص في مطالب الناس..
غدا: هكذا علمت بحلّ التجمّع..
ـ هذا موقفي من قضية تسليم البغدادي المحمودي
ـ ... لا أحد له الحق في تكفير التونسيين
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire