Articles les plus consultés

mercredi 13 novembre 2013

A la mémoire de notre frère Ali Nouir, l'un des premiers fondateurs d' ANNAHDHA

A la mémoire de notre cher frère Ali Nouir Rahimaho Allah


24 mars 2011, 15:21
الأخ علي نوير كما عرفته  

الأستاذ مصطفى الونيسي

يقول الله تعالى:] وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسيجزي الله الشاكرين[ (آل عمران: 145)

إن نبأ وفاة المجاهد الأستاذ علي نوير يرحمه الله نزل علينا نزول الصاعقة وأصابنا في الصميم ولكن المؤمن بالله لا يسخط ولا يغضب ولا يعترض على حكم الله تعالى فله ما أخذ وله ما أعطى، وإن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا تعالى، فلا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون. (كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر  والخير فتنة، وإلينا ترجعون.[ (الأنبياء 45) عزاؤنا أنك ستلقى ربك راضيا مرضيا عنك إن شاء الله تعالى وأن امتحان الدنيا قد انتهى إلى غير رجعة. نسأل الله أن يثبتنا على دينه وأن لا يفتننا بعدك.
إن الحديث عن هذا الأخ الحبيب رحمه الله وطيب الله ثراه وأسكنه فسيح جنانه هو من صميم الحديث عن تاريخ الحركة الإسلامية المباركة بصفة خاصة، وهو من صميم الحديث عن تاريخ الإحياء الإسلامي بصفة عامة الذي أخبرنا به رسول ا الله r إذ أن الله تعالى تكريما لهذه الأمة ورحمة بها قد تعهد في الأول أن يبعث لها على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها وينفض عنها غبار التخلف والانحطاط ولعل المقصود بالمجدد في هذا المقام ليس بالضرورة مصلحا بعينه بل قد يكون جماعة أو تيارا متمثلا في طليعة من المؤمنين والمؤمنات قد وهبت الغالي والنفيس لإعلاء كلمة الله تعالى وإن الحديث عن فقيدنا لا يمكن أن يشذ عن هذا القانون وهذا النبأ الإلهي العظيم.
كما أن الحديث عن هذا المجاهد لا أستطيع أن أفصله عن مرحلة التأسيس لحركة الإحياء الإسلامي المعاصر في الجنوب الشرقي لبلادنا. فالحديث عن مآثره هو الحديث عن جزء مهم من حياة الحركة الإسلامية المعاصرة في تلك الربوع من بلادنا والتي تمثل مدينة مدنين التي تتميز باتساع مساحتها أهم مدنها.
لقد عرفت الأخ علي نوير في المعهد الثانوي المختلط بمدنين  وقد كان معروفا عندنا بعلي بالحاج أصيل قرية شربان من منطقة السباسب السفلى من ولاية المهدية، وهو منحدر من وسط اجتماعي ريفي متواضع كأغلب أبناء المجتمع التونسي، وقد كان قبل وفاته رحمه الله مقيما في مدينة سوسة عاصمة الساحل التونسي متزوج وله من الأبناء والبنات ستة مهنته أستاذ رياضيات متخرج من دار المعلمين العليا بتونس فوج 1973-1974. لقد كان من المؤسسين الأوائل للحركة الإسلامية ببلادنا وكان سفيرا لها في جهة الجنوب الشرقي المترامي الأطراف. كما أنه تولى الإشراف على منطقة الساحل بجهة سوسة وكان عضوا بارزا في مجلس شورى الحركة وقد حوكم في كل المحاكمات التي تعرضت لها الحركة سنوات 1981-1987-1991 وهكذا ارتبطت أسماء المجاهدين والمصلحين بالأحداث الهامة لبلادنا العربية والإسلامية فيكتب لها الخلود خلود هذه الأحداث والإنجازات الحضارية. لقد تعرفت عليه بداية السنة الدراسية 1974-1975 وقد كنت تلميذا في السنة الخامسة آداب وكان قد انتشر بيننا نبأ قدوم أحد الأخوة إلى المعهد ليدرس الرياضيات فهو أستاذ ولكنه ليس ككل الأساتذة الذين عرفنا من قبل، إنه أستاذ داعية إلى الله تعالى جاء ليعين أبناء الجهة على تأسيس صحوة إسلامية مباركة ترد للأمة عزتها وكرامتها، انتشر هذا الخبر انتشارا واسعا وكانت الفرحة عارمة في صفوفنا ومثل هذا القدوم حدثا بارزا دعم بدايات العمل الإسلامي وأثلج صدور فتية مؤمنين ومن محاسنه أيضا أنه كان لنا نصيب بين يديه وفي مجالسه من مختلف العلوم الإسلامية وخاصة منها الدراسات الإسلامية الحركية المعاصرة والسيرة والتاريخ كما أننا بفضل صحبته حفظنا جزءا مهما من كتاب الله تعالى ابتداء من سورة مريم-طه-الأنبياء-الحج-المؤمنون- النور الإسراء-الكهف وغيرها من المقاطع القرآنية المختارة وقد كان أغلبها من القرآن المكي، ومعه حفظنا أحاديث نبوية كثيرة وحكم بليغة.
إن العمل الإسلامي قد تطور وانتقل من مرحلة إلى أخرى بفضل الله تعالى فهو كائن حي ينمو ويشتد عوده بفضل رجاله والساهرين على حسن سيره وكذلك كان الأخ علي رحمه الله له بصمات وتلاميذ في كل المراحل التي مرت بها الحركة، فبعد عودته من مدنين أواخر السبعينات واستقراره في مدينة سوسة أشرف على العمل الإسلامي في هذه المنطقة وهي منطقة حساسة وخطيرة بحكم موقعها وكثافة سكانها وهناك تخرج على يده جمع كبير من الدعاة المعروفين بحسن بلائهم وإخلاصهم وأذكر على سبيل المثال لا الحصر بعض الأخوة المقربين إليه الذين تربوا على يده ويأتي على رأسهم الأخ الخطيب سالم قنعاب رحمه الله تعالى وقد تولى الخطابة بالحي الجامعي بباردو 2 بأول سنة التحق فيها بالجامعة 76-77، وكذلك الأخ المجاهد علي العريض أطلق الله سراحه ورده إلينا عزيزا والأستاذ الخذيري تعرفت عليه بالكلية الزيتونية وقد تولى الخطابة في مسجد من مساجد سوسة في الثمانينات وقد كان مسجده يقصده المصلون من كل صوب، وقد كنت إذا رأيت الأخ الخذيري يتكلم أو يبتسم أو يلقي درسا فإني أتذكر الأخ علي نوير.
لقد كان يطلعنا على كثير من أموره الخاصة ويطرح علينا أفراحه ومشاغله ونحن لا زلنا شبانا صغارا في الثانويات فهلا كرسنا هذا السلوك مع أطفالنا في بيئة قائمة على الشفافية وتقاليد التشاور، لقد نجح "عزيزنا" أن يكون قدوة حسنة لنا وهي أهم تحد يمكن أن يتعرض له الدعاة إلى الله.
صفاته الخلقية: وخاصة للأخوة الذين لا يعرفونه مباشرة: لقد كان أسمر البشرة ثابت الخطوة حاد النظرات، أسود الشعر، جهوري الصوت، ليس هو بالطويل ولا بالقصير، كرازماتيا ووقورا، كان جادا مدركا لما يقول كما أن المرض الذي توفي بسببه كانت أعراضه بادية عليه منذ ذلك الوقت، إلا أننا لم نكن نتصور أن يتطور هذا المرض إلى أن يصبح سبب الوفاة، وهو لم يتجاوز الثانية والخمسين من عمره رحمه الله.
وباشر الأستاذ المتخرج الجديد عمله ولم يتجاوز سنه آنذاك ست وعشرون سنة وكان ذا كفاءة علمية عالية مما ساعده على النجاح في مهمته الدعوية. وصدق رسول الله r إذ يقول إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه وسرعان ما نسق الأمر بيننا عن طريق أحد الذين تعرف عليهم خلال زيارته الاستطلاعية الأولى في شهر أوت 1974 وتم اللقاء الأول في مسجد المدينة الرئيسي آنذاك مسجد الولي الصالح سيدي علي بن عبيد وكان اللقاء محدودا من ناحية العدد ومن الأخوة الذين حضروا هذا اللقاء أذكر الأخ سالم قنعاب رحمه الله تعالى ومحمد اليحياوي ومحمد السعودي وسعيد عنقر ومصلح شنيب… وقد كان اللقاء لطيفا والحب متبادلا كأننا نعرفه منذ دهور واستطاع فقيدنا من ذلك اللقاء أن يسعنا بأخلاقه وكرمه وعطفه وحنانه وصدق الله العظيم إذ يقول] فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم وشاورهم في الأمر[ (آل عمران : 159) وبسرعة استأجر منزلا كبيرا في أحد الأحياء الشعبية للمدينة قرب الحي الزيتوني بشارع الحرية باتجاه طريق بني خداش، وسرعان ما أصبح بيته عبارة عن مدرسة لتهيئة الدعاة والمتحمسين للعمل الإسلامي. أما عن سر استقراره في مدنين إثر تخرجه مباشرة فقد قال أنه كان بإمكانه اختيار مكان ثان قريبا من مدينته ولكنه قام بذلك تطوعا منه وتقربا إلى الله تعالى إذ أنه لم يكن يخطر بباله من قبل أن يختار هذه الجهة ولكن لما اقتضت مصلحة الدعوة ذلك تبين له ما تحتويه الجهة من إمكانيات كامنة تحتاج إلى من يستثمرها ويوظفها التوظيف الأمثل لتدعيم الصحوة فقد تبرع ليقوم بهذا الدور ليكون أول سفير للجماعة والحركة الإسلامية في تلك الربوع.
لقد كان أول عمل يقوم به هو تقسيم الأخوة إلى مجموعات صغيرة لا يتجاوز عدد أفرادها ثمانية أشخاص على الأكثر وكانت المجموعات تتعاقب على بيته على امتداد نهاية الأسبوع الدراسي بدأ من مساء يوم الجمعة إلى غاية يوم الأحد بعد الظهر وليلة الاثنين أحيانا. كانت هذه المجموعات موزعة حسب مستويات تكوينها الشرعي ووعيها الحركي وتحمسها للفكرة الإسلامية. وقد كان يشرف على هذه اللقاءات بنفسه إلى مدة تمكن فيها بفضل الله تعالى أن يرشح نخبة من الأخوة كان قد اطمأن إلى كفاءتهم وخلقهم الإسلامي فكلفهم بالإشراف على هذه اللقاءات الدراسية والتربوية ليتفرغ إلى غيرها من الأعمال الجليلة، كما أنه استطاع في ظرف وجيز أن يؤسس مجلسا يسهر على شؤون العمل الدعوي والتنظيمي ممتدا على كامل تراب الجهة وأذكر من هؤلاء الأخوة الذين يحضرون هذا المجلس: الشيخ ضو سويد من تطاوين وأحد الاخوة من جرجيس من جرجيس حفظهما الله تعالى وغيرهما من الأخوة.
ومن نشاطه الدعوي تأسيس الدروس الدعوية في مساجد المدينة كما أنه ساهم بطريقة مباشرة في ترشيد الدرس الأسبوعي ليوم الثلاثاء قبل صلاة المغرب في مسجد المعهد وقد كان هذا الدرس مخصصا لتدريب الأخوة على الخطابة والتدريس وأتذكر أنني قدمت لأول مرة درسا حول الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه في جمع كبير من الأخوة وقد أعطاني ذلك دفعا معنويا مهما أما عن تأسيس هذا الدرس فقد كان من حسنات الأخوة ضو مسكين وسالم قنعاب ومحمد اليحياوي حفظهم الله جميعا قبل سنتين من قدوم الأخ علي نوير إلى الجهة. كما أن فقيدنا ساهم بصفة رئيسية في تأسيس درس يوم الجمعة بعد صلاة العصر كما أنه تولى بنفسه في مرحلة أولى الإشراف على تأسيس خطبة الجمعة في مسجد المعهد وقد كان أول من خطب وصلى بنا الجمعة الأخ محمد اليحياوي. كان من نشاط فقيدنا أيضا تنظيم الرحلات والخرجات وقد كنا نظمنا في مناسبة من المناسبات رحلة إلى مدينة قابس التقينا فيها بجمع مبارك من الأخوة أتذكر منهم الأخوة عبد العزيز لعميري ومحمد العدايلي.
كما أنه كان يشارك في المحاضرات والندوات وخاصة منها تلك التي كان ينظمها اليساريون والقوميون، فكانت تلك المحاضرات التي أريد من خلالها مسخ هوية البلاد وطمسها أصبحت منبرا للدعوة وقد كان ناجحا في كل مداخلاته بفضل إتقانه للغة العربية وقد عبر لي أكثر من مرة على حبه العميق للغة العربية وتذوقه للأدب العربي.
لقد كان بيته بيتنا ومكتبته التي يحبها كثيرا مكتبتنا وكان يعد الطعام بنفسه ليطعمنا ويفرش لنا الفراش ويوزع علينا الغطاء وكان يحبنا ويعطف علينا ويغرس فينا قيم الخير والمحبة والإيثار. كان أحدنا يتحين الفرصة ليخدمه ولكنه كان يفوت علينا ذلك بذكاء كبير وفي المقابل كان يوفر لنا الفرص الكثيرة لخدمة الدعوة والمصلحة العليا للجماعة وقد كان ما يفتأ يعلمنا أن التعلق يجب أن يكون بالفكرة والمثال وأن الأشخاص مهما بلغوا من التقوى وخشية الله تعالى فقد يضعفون ويفترون في أخر العمر وعليه فينبغي أن لا نتخذ منهم حجة على سلامة الفكرة والمشروع وعلينا أن نسأل الله تعالى دائما أن يثبتنا ويثبت قلوبنا على دينه وطاعته.
كما كان يعلمنا حب الإنفاق لشراء الكتب وكل الوسائل التي يمكن أن تساعد الداعية في دعوته في زمن كانت فيه الأموال قليلة ونادرة. وأتذكر جيدا يوم سافر في إجازة من الإجازات إلى العاصمة واعدا إيانا بجلب ما يمكن أن يتوفر عليه من مصادر تحتاج إليها جهتنا في العمل الإسلامي. وفي عودته جلب معه بعض المصادر ومنها "رسائل الشهيد حسن البنا" وبعض أعداد مجلة "الدعوة" لسان حال جماعة الإخوان المسلمين في مصر وبعض الكتب الأخرى. أما عن نسخة "رسائل الشهيد حسن البنا" فلم تكن جديدة بل هي مستعملة ويبدو أن الاخوة فوتوا فيها عمدا لجهتنا لنستفيد منها، وقد تكون تلك النسخة هي أول نسخة توجد في الجهة. وقد كان هذا الكتاب آنذاك من نصيبي، اشتريته بدينار ومائة مليم تونسي. إلا أن الكتاب ولئن اشتريته فهو في الواقع لم يكن ملكا خاصا بل إنه كان على ذمة كل من يحتاج إليه، وقد كان هذا الأمر معلوما. إن اختيار "الأخ علي" لهذا الأخ أو ذاك أن يشتري هذا الكتاب أو ذاك هو أمر مقصود، إذ الكتاب وخاصة منه الإسلامي في ذلك الوقت كان عزيزا ونادرا، ووجود الشخص المناسب الذي يمكن أن يستثمر الكتاب على أحسن وجه وأوسع نطاق هو من أصعب المسائل، وبناء عليه غدا ترشيح شخص لشراء هذا الكتاب أو ذاك هو من ناحية تشجيع وتكريم ومن ناحية ثانية هو تحميل للمسؤولية ودفع للهمم. وهذا الشعور كنا قد عشناه في مراحل التأسيس الأولى للحركة. وإني بعد ربع قرن من الزمان أكاد أتذكر كل الاخوة المكثرين من شراء الكتب وأسماء كتبهم التي قد لا تجدها عند غيرهم. إن الحرص على شراء الكتب في تلك المرحلة غدا علامة على حب الإنفاق وخدمة الدعوة. لقد كانت تصرفات الأخ علي نوير معنا حتى في شراء الكتب مدروسة ومقصودة وتحفها أبعاد تربوية وحركية.                 
صفاته الخلقية: من صفاته الخلقية أنه كان مخلصا لربه متجردا لدعوته محبا لإخوانه في الدين والعقيدة وقد كان صبورا في تحمل الأذى في سبيل دينه مصرا على المبادئ والقيم لا يقبل في ذلك مساومة ولا تنازلا كان صلبا في الحق والذود عن حماه، كان تواضعه جما وكذلك شجاعته وحبه للجهاد، وقد كان يردد على مسامعنا لو سألتم الشهادة بحق لبلغتم منازل الشهداء ولو متم على فراش الموت، كان يقول لنا في أكثر من مقام لو أن مصالح هذه الدعوة تناقضت في يوم من الأيام مع مصالحي الشخصية لفديت هذه الدعوة حتى بنفسي التي بين جنبي وأنا ضاحك مستبشر بما عند الله وما عند الله خير وأبقى وكان يردد (ولست أبالي حين أقتل مسلما :: على أي جنب كان في الله مصرعي) كان يقينه في الله عظيما لا يتزعزع وكان يكثر من قول الله تعالى:] من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا[ موضحا ذلك بأمثلة حية من التاريخ الإسلامي وكثيرا ما كان يستشهد بحديث خباب بن الارت . وقد كان قلبه معلقا بالآخرة وقد كان يوصينا بذكر الموت وكان يردد : أحبب من شئت فإن مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيّ به، كما تدين تدان… وأذكر جيدا في ليلة من الليالي كنا نتدارس السيرة النبوية ولما وصلنا إلى المشهد الذي كان فيه الرسول r يصارع سكرات الموت مضمدا جبينه بالماء البارد مخاطبا ابنته فاطمة الزهراء قائلا : إن للموت لسكرات يا فاطمة… انهمرت عند ذلك دمعاته غزيرة على خديه واسترسل في البكاء برهة من الزمن. كان إذا دعا الله تعالى أخلص في الدعاء وبكى من خشية الله تعالى وأبكى من كان معه من الحاضرين.
لقد كان قلبه كبيرا ورحيما بعيد النظر بليغ البيان ثابت الجنان حازما ومنضبطا في واجباته خاصة منها الدينية من صلاة وصوم وكان ملتزما بصيام الاثنين والخميس وكان واسع الإطلاع على الواقع محيطا بشئون إخوانه وحركته. إن شخصيته رحمه الله تعالى أجد لها أوجه تشابه وخطوط تواصل مع كثير من الشخصيات الإسلامية التي كان لها تأثير واضح في مسيرة الفتح الإسلامي والحضارة الإسلامية بحسب ما ارتسم في ذهني من مطالعات مختلفة لسير سلف هذه الأمة الصالح، ففي شخصيته قبسا من نور الداعية الكبير الشهيد عبد القادر عودة وقبسا من نور الشهيد الإمام حسن البنا رضي الله عنهما وهما من الشخصيات الإسلامية المعاصرة وقد كان يحبهما حبا جما. أما من التابعين فقد كانت شخصيته تذكرني بشخصية التابعي إبراهيم بن الأدهم وسعيد بن جبير رضي الله عنهما. أما من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن شخصيته تذكرني بشخصية الفاروق عمر بن الخطاب والإمام علي كرم الله وجهه وسفير الإسلام إلى اليمن معاذ بن جبل وسعد بن معاذ أمير الأنصار. وصدق الله العظيم إذ يقول "ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون" [سورة إبراهيم 24و25].
ما أعظم وأحلى أن يجد الإنسان لنفسه صلة ورابطة جامعة تربطه بهذا الرهط الكريم من المؤمنين والمؤمنات. ولقد كان آخر لقاء لي به في مؤتمر سوسة ربيع 1981. لقد أحببناه كما أحبنا وقد كنت دائما في غربتي التي حسبتها محدودة أمني نفسي دائما بزيارته والتزود بتوجيهاته ونصائحه ولكن سنة الابتلاء حالت بيني وبينه وتلك هي ضريبة العمل الصالح والجهاد في سبيله سبحانه. هذا جزء بسيط مما نتذكر ونعرف عن هذا الرجل الفذ ذا القلب الكبير والفضل العظيم، وان ما استأثر الله به في علمه ولا شك أفضل وأكرم. إن فقيدنا في غير حاجة إلى مدحنا ولا إلى تعديد محاسنه ومآثره، فهو الآن –إن شاء الله- في جوار ربه مع الشهداء والصديقين والدعاة والصالحين من هذه الأمة وحسن أولئك رفيقا. إن تعديد مآثر مثل هؤلاء الدعاة هو مفيد لنا وللأحياء من بعدنا نستلهم منه النور واليقين. إذ بتذكر خصال هؤلاء الأحبة ومواقفهم نستطيع أن نتجاوز خلافاتنا الجزئية وما يشدنا من شؤون الدنيا التي لا تستحق منا في أحيان كثيرة ما نوليها من اهتمام، بل قد تنسينا ذكر ربنا وطاعته وتلهينا عن أولوياتنا وقضايانا الكبيرة التي يجب أن تشد انتباهنا. واهتمامنا. نسأل الله تعالى أن يبارك في ذريته ويعيننا وإياهم على استثمار هذا الرصيد الهائل الذي ورّثنا إياه هذا الرجل المجاهد. نسأل الله عز وجل أن يعوضهم فيه خيرا كثيرا ويرزقهم الصبر والسلوان وأن يكلؤهم بتوفيقه وعزته التي لا ترام فإنه نعم المولى ونعم النصير. فإلى أن يلقى الجميع ربه الحكم العدل وداعا أيها العزيز وإن ذكراك ستبقى خالدة ما بقي في الأرض عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وإن غدا لناظره لقريب. فأبشر أيها "الحبيب" برضوان من الله وسلوان وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. أبناؤك بفضل الله وكرمه صالحون وناجحون وسيدعون لك بالخير صباحا مساء، وإن الإنسان إذا انقطع، انقطع عمله إلا من ثلاث من علم ينتفع به أو من ابن صالح يدعو له أو صدقة جارية. أما عن دعوتك المباركة فإنها ماضية إلى يوم الدين ولها رب كريم يحميها، وإن إخوانك في السجون والمنافي يدعون الله لك ويلحون في الدعاء، كما أن أبناءك هم أبناؤنا. نسأل الله سبحانه أن يحفظنا ويحفظ دعوتنا من كل سوء إنه سميع مجيب.                      
    
] والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين[ العنكبوت آية 69.
باريس 18/4/2000 الموافق لـ : 13 محرم 1421
   

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire