يبي لـ«الصحوة»: الشيخ راشد الغنوشي أخطأ وأخشى من توظيف حكومة جمعة للملف الاقتصادي
●العلاقة بالنظام السابق هي القطرة التي أفاضت الكأس ولكنها ليست القضية الوحيدة
●مجريات العملية السياسية تدفع باتجاه الالتقاء والتشارك بين حركة النهضة وبقايا النظام السابق
●إدماج المنظومة القديمة لن يؤدي إلا إلى إفشال عملية الانتقال الديمقراطي
●الأصلح للحركات الإسلامية أن لا تعيق عمليات التطور الذاتي داخلها
●أخشى أن توظف حكومة جمعة الملف الاقتصادي لإطالة أمد بقائها في الحكم
تحدث رياض الشعيبي المنشق مؤخرا عن حركة النهضة وأمين عام حزب “البناء الوطني” المؤسس حديثا عما اعتبرها أخطاء قامت بها حركة النهضة، معتبرا أن حزبه الجديد ليس تراجعا عن مبادئ الحركة الإسلامية إنما هو تطور طبيعي لمختلف الحركات الإسلامية التي لا بد أن تنتقل إلى مرحلة الأحزاب الوطنية، كما حذر الشعيبي من توظيف حكومة جمعة للملف الاقتصادي قصد إطالة أمد بقائها في الحكم. وفيما يلي نص الحوار:
ما هي آخر مستجدات حزبكم حديث النشأة؟
كنا قد تقدمنا بمطلب ترخيص قانوني لنشاط الحزب بتاريخ 25 فيفري 2014، ووصل هذا المطلب للوزارة الأولى يوم 28 فيفري، وقد ضم هذا المطلب جميع الشروط القانونية المطلوبة لتنظيم حزب سياسي، لكن ما راعنا إلا أن اتصلت بنا الوزارة الأولى بعد حوالي شهر وأعلمتنا بأن هناك وثائق ناقصة في المطلب ولما اتصلنا بالمصالح المعنية أعلمونا بوجود اجراءات ووثائق إضافية خارج قانون الأحزاب لا بد من الاستظهار بها تتمثل في ضرورة الاستظهار ببطاقات حسن السيرة لكل أعضاء الحزب، فتحفظنا على هذا الاجراء واعتبرناه يضيق على حرية التنظم في تونس ويخالف قانون الأحزاب، لكن مع ذلك قبلنا به تسهيلا للاجراءات الإدارية وتسريعا لها وقمنا باستخراج بطاقات حسن السيرة لكل أعضاء الحزب وأضفناها للملف للحصول على التأشيرة يوم 28 أفريل وهو آخر أجل قانوني كي تستجيب الوزارة الأولى للطلب ونرجو أن يكون هذا الاجراء الذي تم عن حسن نية وليس عن نية مبيتة لتعطيلنا عن حقنا القانوني في النشاط والتنظم.
كيف كانت ردات الفعل داخل حركة النهضة على الخطوات التي قمتم بها مؤخرا(أي الاستقالة من الحركة وتأسيس حزب جديد)؟
استقالتنا من حركة النهضة كانت بناء على قراءة تقييمية للأداء السياسي للحركة ومسؤوليتها في المرحلة السابقة عن إدارة البلاد، وقد عبرت عن هذا الموقف منذ كنت في الحركة من خلال مجموعة من المقالات التحليلية التي كنت أنشرها وأعبر فيها بشكل غير رسمي عن مواقف متحفظة ومعارضة لتوجهات وخيارات سياسية سلكتها حركة النهضة، ولما تبين لي عدم إمكانية التأثير في هذه الخيارات السياسية من داخل الحركة خيرت الاستقالة والاتصال بمجموعة من المناضلين السياسيين في الساحة من أجل تأسيس تجربة سياسية جديدة مما أنتج حزب “البناء الوطني” الذي تشكلت هيئته السياسية وتقدمنا بناء على ذلك بمطلب ترخيص وانتخبنا مكتبا سياسيا وأمينا عاما للحزب الذي يستعد الآن لتركيز مكاتبه الجهوية. وقد كانت ردات الفعل داخل حركة النهضة تتراوح بين الأسف ورفض القرار، ففي حركة النهضة لي كثير من الأصدقاء جمعتني بهم سنوات من النضال داخل الحركة وهذه الصداقة لا يمكن أن تتأثر بمثل هذه المواقف السياسية، وقد أصر هؤلاء الأصدقاء على بقائي في حركة النهضة لكن لما تبين لهم عدم القدرة على التأثير في القرار الذي اتخذته لم يعد أمامهم إلا القبول به. وفي حزبنا الآن سنتعامل مع حركة النهضة ومع غيرها من الأحزاب بناء على ما نقدره من مصلحة وطنية، والتقاؤنا مع حركة النهضة أو مع غيرها سيكون بناء على هذا التقدير فقط لا من جهة توتر من تجربة ماضية ولا من جهة ارتباط نفسي بتجربة مكثتُ فيها أكثر من ثلاثين سنة، وستكون مواقفنا متحررة.
قيل الكثير عن أسباب استقالتك من حركة النهضة، لكن أليس أهم هذه الأسباب هو تعامل “النهضة” مع رموز النظام السابق إذ أن من المبادئ التي أعلن عنها حزبكم الجديد عدم التحالف مع رموز النظام السابق فضلا عن موقفك من الحوار الوطني الذي اعتبرته انقلابا لم تستفد منه إلا المنظومة السابقة؟
الموقف من بقايا النظام السابق كان قمة جبل الجليد الطافية فوق الماء وهو القادح الذي أدى إلى الاستقالة، لكن تباعدي مع حركة النهضة في مستوى الخيارات السياسية كان منذ الأيام الأولى للثورة فيما يخص الكثير من المواضيع سواء فيما يتعلق بالموقف من اعتصام القصبة الأول أو اعتصام القصبة الثاني أو الموقف من حكومة الباجي قائد السبسي والهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة ثم التمشيات السياسية للحركة والقانون الانتخابي وغيرها من القضايا المتتالية التي اتخذت فيها حركة النهضة خيارات لم تكن مستساغة لي ورأيت فيها انزياحا عما أعتقده من صواب، فقضية العلاقة بالنظام السابق هي القطرة التي أفاضت الكأس ولكنها ليست القضية الوحيدة التي تفرقني عن حركة النهضة على أهميتها بالنسبة لي. وقد نشرت في سنة 2013 مساهمة في التقرير الاستراتيجي العربي فيها دراسة تحليلية بعد سنة من تجربة الترويكا في الحكم قدمت فيها قراءة نقدية لتجربة الترويكا في الحكم وعددت الأشياء التي رأيتها خاطئة في هذه التجربة وكان لي تقييم سلبي من هذه التجربة، وبالتالي فموقفي كان مبنيا على قراءة كاملة لمرحلة ولأداء سياسي كامل خلالها.
هل هناك صفقة سياسية بين حركة النهضة ورموز النظام السابق؟
إن مجريات العملية السياسية تدفع في النهاية في اتجاه الالتقاء والتشارك بين حركة النهضة وبقايا النظام السابق لأن توجه بعض القوى السياسية في الساحة للتنازل فيما يتعلق بالتعامل مع بقايا المنظومة القديمة قد يدفع إلى التقاء في مرحلة ما بين هذه القوى السياسية وبقايا النظام السابق، حتى أصبح هناك ترويج لمقالات سياسية تعتبر أن نجاح الانتخابات القادمة لا يمكن أن يحصل إلا بإدماج المنظومة القديمة في حين أعتقد أن نجاح الانتخابات لا يمكن أن يكون على حساب مطالب الثورة وأهدافها وعملية الانتقال الديمقراطي، ويمكن أن تعيد الانتخابات الاستبداد والفساد للبلاد بسبب انتهازية بعض الأحزاب بما يحقق لها المزيد من الاصوات بعيدا عن الهدف الاستراتيجي للثورة التونسية المتمثل في ارساء الديمقراطية وتثبيتها. فعودة المنظومة القديمة من خلال الانتخابات يعني خسارتنا للانتقال الديمقراطي الذي لا يمكن أن ينجح إلا بإفراز طبقة سياسية جديدة تكون قادرة على فتح أفق مستقبلي للتونسيين والاستجابة لانتظاراتهم أما إعادة إدماج المنظومة القديمة فلن يؤدي إلا إلى إفشال عملية الانتقال الديمقراطي.
على ذكر رموز النظام السابق، ما موقفكم من الأحكام التي صدرت في كبرى قضايا شهداء الثورة وجرحاها؟
المحاكمات العسكرية التي حصلت كانت ضربة موجعة للنفس الثوري ولروح الثورة في تونس، فبعد ثلاث سنوات من الثورة تم تبرئة – تقريبا- كل رموز النظام السابق من الأحداث التي حصلت أثناء الثورة وقبلها، ولا اريد أن أتوقف عند المحاكمات العسكرية إذ شهدنا قبل ذلك سلسلة من عمليات إطلاق سراح كثير من رموز النظام السابق من وزراء داخلية ورئيس برلمان… وفي نهاية المطاف تسير بعض القوى في الدفع باتجاه تبرئة النظام السابق واتهام الشعب التونسي الذي يمكن أن تتحول ثورته إلى إدانة له، لكن اقول إن معركتنا مازالت مستمرة مع قوى الجذب إلى الوراء.
تريد اليوم أن تخوض تجربة سياسية خارج حركة النهضة، والشيخ راشد الغنوشي قال إنه لا مستقبل لمن يخرج عن حركة النهضة في الوضع الحالي. ما تعليقك؟
كنت أفضل أن ينأ الشيخ راشد الغنوشي بنفسه عن هذا الحديث، وبما أنه أخطأ فلن أسترسل معه في هذا الخطأ.
ممن يتكون حزبكم؟
أولا إن القوة الرئيسية الموجودة داخل حزبنا هي الشباب وهدفنا من خلال ذلك هو تجديد الطبقة السياسية في البلاد تكون قادرة على قيادة البلاد في المستقبل إذ أن ما نلاحظه اليوم هو تهرم الطبقة السياسية ما يجعلنا نقلق على مستقبل العمل السياسي في تونس. ويتكون هذا الحزب من ثلاث مجموعات وهي؛ مجموعة المستقيلين من حركة النهضة أو الذين خاضوا تجربة سياسية في مرحلة من حياتهم داخل الحركة الإسلامية بشكل عام وانقطعوا منذ مدة بسبب تحفظات ومواقف وقراءات نقدية لأداء الحركة الإسلامية ومواقفها وخياراتها، وهؤلاء اجتمعوا على رؤية تقييمية لأداء الحركة الإسلامية وخرجوا بخلاصات تم تضمينها في مشروع حزب “البناء الوطني”، وهناك مجموعة من الاشخاص الذين نشطوا في أحزاب سياسية أخرى من توجهات مختلفة وهم أيضا قاموا بقراءات في النقد الذاتي أكدوا فيها على الحاجة إلى التحرر من القيد الإيديولوجي الذي يكبل الإنسان عن حقيقة الفعل في الواقع وعن رؤية الواقع كما هو والعمل على النهوض به، أما المجموعة الثالثة التي تمثل الغالبية في الحزب فتتكون من الشباب الذي لم تكن له تجربة سياسية سابقة وهو متحمس للعمل السياسي ويريد أن يساهم من خلال هذا الحزب لإنجاح التجربة والوصول بها إلى تحقيق أهدافها.
يستغرب البعض أن يكون رياض الشعيبي أمينا عاما لحزب وسطي اجتماعي وهو الذي تربى في الحركة الإسلامية طيلة ثلاثين سنة، ما رأيك؟
المفترض أن التطور الطبيعي للحركات الإسلامية إذا أرادت أن توفر شروط استمراريتها في الواقع وقدرتها على الاستقطاب والتأثير وصياغة البرامج التي يمكن أن تقدم بها حلولا للناس، أن تنتقل إلى مرحلة الأحزاب الوطنية، وما أسسناه اليوم يكون هو التطور الطبيعي لمختلف الحركات الاسلامية الموجودة في الساحة لان ما تدافع عنه الحركات الاسلامية من منطلق الهوية ومن منطلق طابعها الاحيائي للقيم الإسلامية يمكن ان يتجسم في اطار وطني باعتبار ان الاسلام هو مقوم اساسي من مقومات المجتمع الذي نعيش فيه، لذلك لا نعتبر أنفسنا تراجعنا عن المبادئ التي كنا نؤمن بها في إطار الشكل التقليدي للحركة الإسلامية، فما نشتغل عليه الآن هو التطور الطبيعي للمبادئ الإسلامية في حين توجد عوائق عديدة موجودة داخل الحركات الاسلامية تمنع تطور هذه الحركات في هذا الاتجاه وأرى أن الأنسب والأصلح لهذه الشعوب وهذه الأوطان وللحركات الاسلامية ايضا أن لا تعيق عمليات التطور الذاتي التي يمكن ان تحصل داخلها في اتجاه ان تتحول إلى أحزاب وطنية.
ما موقفكم من حكومة المهدي جمعة؟
حكومة جمعة هي حكومة ضعيفة جدا سياسيا بسبب عدم توفر الغطاء السياسي لها ومن الأفضل أن تركز على المساهمة في إنجاح العملية الانتخابية والتسريع بها عوضا عن أن تفتح ملفات عويصة لم تستطع الحكومات السابقة حلها، ولا أعتقد أن هذه الحكومة بتركيبتها الحالية وبالظرفية السياسية التي تمر بها البلاد قادرة على حل هذه الملفات، وأنا أتخوف من فتح بعض الملفات خاصة الاقتصادية والاجتماعية التي تنوي هذه الحكومة التوقف عندها، أتخوف من أن يكون هذا الأمر سببا ومطية لإطالة عمر هذه الحكومة أكثر مما هو متوقع لها.
لكن حكومة جمعة تتحدث اليوم عن وضع اقتصادي صعب لا يمكن تأجيل النظر فيه؟
فيما هو متوفر عندي من معطيات فإن التصريحات التي جاءت على لسان رئيس الحكومة أو المستشار الاقتصادي لرئاسة الحكومة كلها تصريحات مبالغ فيها لخلق أجواء اعلامية وشعبية مهيأة للقبول باجراءات اجتماعية واقتصادية متوقع لها أن تكون مرفوضة شعبيا من ذلك رفع الدعم او اتخاذ اجراءات اقتصادية موجعة ستكون كلفتها الاجتماعية كبيرة، فالوضعية الاقتصادية في تونس رغم صعوبتها ليست بالصورة التي تبرزها الحكومة الحالية وأخشى أن يتم توظيف الملف الاقتصادي لغايات سياسية متعلقة بالفترة التي ستستمر فيها هذه الحكومة في المستقبل.
ما موقفك من السماح بدخول سياح إسرائليين إلى تونس؟
هذا شكل من اشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني ونحن نرفض كل أشكال التطبيع مهما كانت مبرراتها إذ “تجوع الحرة ولا تأكل من ثدييها”.
ما موقفكم من استمرار قطع العلاقات مع سوريا؟
أصبح الملف السوري معقدا وتدخلت فيه عدة أطراف خارجية وصارت سوريا محل صراع إقليمي بين دول كبيرة تجاوزت مصلحة الشعب السوري. فالمشكل السوري هو مشكل إقليمي ولم يعد مشكلا قطريا، لذلك لا بد أن نتوقف ونتثبت جيدا في تعاطينا مع هذا الموضوع حتى تكون مواقفنا مبنية على ما نقدره من مصالح الشعب السوري.
حاوره: رياض الرّهيف
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire