Articles les plus consultés

dimanche 15 février 2015

الوجيز في فقه القواعد الشّرعيّة




الأحد 8 فيفري 2015

الوجيز في فقه القواعد الكلّيّة (الجزء 1) : مصطفى عبدالله الونيسي / باريس
معنى القواعد الفقهية لغة و اصطلاحا :
ــ المعنى اللّغوي : القاعدة في اللّغة هي الأساس و جمعها قواعد و معناها أسس . نقول أسس الشيء و أصوله ، حسيّا كان ذلك الشيء : كقواعد البيت ، أو معنويّا كقواعد الدّين و أركانه و قد ورد هذا اللّفظ في القرآن الكريم  ( وَ إِذْ يَرْفَعُ ابْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ اسْمَاعِيلُ ) (1) . و من ذلك أيضا قول الله تعالى : ( فَاَتَى اللهُ  بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ ) (2) . و القاعدة في هاتين الآيتين تفيد الأساس و هو ما يُرفعُ عليه البنيان (3)
و من معاني القاعدة في اللّغة الضّابط و هو الأمر ينطبق على جميع جزئياته  و ذلك كقولهم : كلُّ أُذون ولود و كلّ صموخ بيوض (4) و معنى ذلك أن ما كان له أذن خارجيّة فهو يتكاثر عن طريق الولادة ، و ما كان له صماخ  ـ أذن وسطى ـ فهو يتكاثر عن طريق البيض كالطّيور و السّمك.
ــ المعنى الاصطلاحي للقاعدة :   و في اصطلاح النّحاة هي الضّابط ، بمعنى الحكم المنطبق على جميع جزئياته كقولهم الفاعل مرفوع ، و المفعول به منصوب.
و أمّا معنى القاعدة في الاصطلاح الفقهي فقد اختلف الفقهاء في تعريفها بناء على اختلافهم في مفهومها ، هل قضيّة كلّية أو قضّية أغلبيّة ؟

و أمّا معنى القاعدة في الاصطلاح الفقهي فقد اختلف الفقهاء في تعريفها بناء على اختلافهم في مفهومها ، هل قضيّة كلّية أو قضّية أغلبيّة ؟
فمن عرفها على أساس أنّها قضّية كلّية قال : << هي قضّية كلّية منطبقة على جميع جزئياتها >> (5) . و هي عبارة عن صور كلّية تنطبق كلّ واحدة منها على جزئياتها الّتي تحتها (6). و هي أصول كلّية تصاغ في نصوص موجزة تتضمن أحكاما تشريعيّة عامّة في الحوادث الّتي تدخل تحت موضوعها (7).  و هذه التّعريفات ، و لئن اختلفت صياغاتها ، فهي تفيد معنى متّحدا و هو أنّ القاعدة حكم أو أمر كلّي أو قضيّة كلّية تُفهم منها أحكام الجزئيات و التّفاصيل الّتي تندرج تحت موضوعها و تنطبق عليها (8).
أمّا من نظر إلى أنّ القاعدة الفقهيّة قضّية أغلبيّة نظرا لما يُستثنى منها قال << هي حكم أكثري لا كلّي ، ينطبق على أعظم جزئياته >>(9). فالقاعدة بالنّسبة لهؤلاء هي حكم أكثريّ لا كلّي. يقول الحموي شارح الأشباه و النّظائر لابن نجيم << إنّ القاعدة هي عند الفقهاء غيرها عند النّحاة و الأصوليين ، إذ هي عند الفقهاء حكم أكثري لا كلّي ، ينطبق على أكثر جزئياته لتعرف أحكامها >> ( 10).
و القول أنّ أكثر قواعد الفقه أغلبيّة مبنيّ على وجود مسائل و لو كانت قليلة مستثناة من تلك القواعد تخالف أحكامها حكم القاعدة . و السبب أنّ المحقّقين لمّا أرجعوا المسائل الفقهيّة عن طريق الاستقراء إلى القواعد الكلّية كان كلّ واحد من تلك القواعد ضابطا جامعا لمسائل كثيرة ، و لمّا اتخذوا من تلك القواعد أدلّة لإثبات أحكام تلك المسائل لاحظوا أنّ بعض فروع تلك القواعد قد يعارضه أثر أو ضرورة أو قيد أو علّة مؤثرة تخرجه عن الاطراد فيكون مستثنى من تلك القاعدة و معدولا به عن سنن القياس ، فحكموا على طبيعة هذه القواعد بالأغلبيّة لا بالاطراد.  و كمثال على الاستثناء بالأثر ذكروا جواز السّلم و الإجارة في بيع المعدوم الّذي يكون الأصل فيه عدم الجواز ، و كمثال على الاستثناء بالإجماع ذكروا عقد الاستصناع  ، و كمثال على الاستثناء بالضرورة ذكروا طهارة ماء الآبار في الفلوات مع ما تلقيه الرّيح فيها من البعر و الرّوث و غيره (11).  و النتيجة أنّ أغلب العلماء يذهبون إلى أنّ هذه القواعد هي أحكام أغلبية غير مطردة لأنّها تصوّر الفكرة الفقهيّة المبدئيّة الّتي تعكس رؤية المنهاج القياسي العام في معالجة القضايا و ترتيب أحكامها. و القياس كثيرا ما ينخرم  و يُعدل عنه في بعض المسائل إلى حلول استحسانيّة استثنائيّة لمقتضيات خاصّة بتلك المسائل ، تجعل الحكم الإستثنائي فيها أحسن و أقرب إلى مقاصد الشّريعة في تحقيق العدالة  و جلب المصالح و درء المفاسد و دفع الحرج. و لذلك كانت تلك القواعد قلّما تخلو من مستثنيات في فروع الأحكام التّطبيقية خارجة عنها، إذ يقدّر الفقهاء أنّ تلك الفروع المستثناة من القاعدة هي أليق بالتّخريج على قاعدة أخرى ، أو أنّها تستدعي أحكاما استحسانيّة خاصة. و لكن الاستثناء الّذي قد يطرأ على بعض تلك القواعد لا ينقض كلّية تلك القواعد و لا يقدح في عمومها للأسباب التّالية :
ــ لمّا كان مقصد الشّارع ضبط الخلق إلى القواعد العامّة و كانت الشّريعة موضوعة على مقتضى ذلك الوضع ، كان من الطّبيعي إجراء القواعد على العموم العادي لا على العموم الكلّي العام الّذي لا يتخلف عنه حكم جزئيّ ما (12) . يقول الشّاطبي في موافقاته : << إنّ الأمر الكلّي إذا ثبت فتخلف بعض الجزئيّات عن مقتضاه لا يخرجه عن كونه كليّا ، و أيضا فإنّ الغالب الأكثري مُعتبر في الشّريعة اعتبار القطعيّ >> (13).
ــ كما أنّ المتخلفات الجزئيّة لا ينتطم منها كلّي بإمكانه معارضة هذا الكلّيّ الأكثريّ الثابت و لو تخلف عنه حكم استثنائي جزئي . و هذا شأن الكلّيات الاستقرائيّة ، فتخلف بعض الجزئيّات لا يكون قادحا إلاّ في الكلّيات العقليّة (14) . فالكلّيات الاستقرائيّة صحيحة و إن عن مقتضاها بعض الجزئيّات (15) . يقال مثلا : كلّ حيوان يحرك فكّه الأسفل عند المضغ . و لكن هذه القاعدة الكلّية الاستقرائيّة نجد أنها قد شذّ عنها التمساح  الّذي يحرك فكّه الأعلى عند المضغ ، فخروج التمساح عن القاعدة لا يُخرج القاعدة عن كونها كلّية . فالعموم العادي المبني على الاستقراء لا يُوجب عدم التّخلف، أمّا الّذي يوجب عدم التّخلف إنّما هوإنّما هو العموم العقليّ ، و ذلك لأنّ العقليّات طريقها البحث و النّظر ، و أمّا الشّرعيّات فطريقها الاستقراء .
باريس 15/02/15        
مصطفى عبدالله الونيسي 


ـــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة البقرة / الآية 128
2) سورة النّحل / الآية 26
3) القواعد الفقهيّة : على أحمد النّدوي ص 39
4) المعجم الوسيط 
5 ) الجرجاني : كتاب التّعريفات
6 ) شرح الكوكب المنير لابن النّجار الحنبلي ( الوجيز)
7 ) محمّد مصطفى شلبي : المدخل في التعريف بالفقه الاسلامي
8 )  د . محمّد صدقي : الوجيز ص 15/16
9 و 10 ) ؟ عيون البصائر شرح الأشباه و النّظائر للحموي (الوجيز)
12 ) مجلّة الأحكام العدليّة : شرح الأتاسي ( الوجيز 16) .
13 ) الشّاطبي : هو أبو اسحاق إبراهيم بن موسى اللّخمي الغرناطي المالكي المتوفى سنة 790  هجريّا .
14) الوجيز ص 17
15) الموافقات : الشّاطبي

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire