حكوماتنا و القروض الأجنبيّة
كم يحزنني أن أرى حكومات ما بعد الثورة في بلادي يتسابقون في
عمليات تسوّل مهينة و بشروط مجحفة لا تخدم
بأي شكل من الأشكال مطالب الحرّية و الكرامة و العدالة
الاجتماعيّة
. و يا ليتهم يتسابقون في الاقتراض بفوائض
من أجل التنميّة و الاستثمار النّافع من أجل التّشغيل و النهوض بالبلاد اقتصاديّا . إنهم يقترضون من أجل الاستهلاك و
تزويد خزينة الدّولة لتسديد مرتبات الموّظفين . إنهم يعالجون الصعوبات الآنية بطرق لا يقرّها العقل و لا الشّرع و لا
الأخلاق ، و لا يفكرون في سيادة بلادنا و مستقبل أولادنا . إنهم يرهنون سيادتنا و مستقبلنا للأجنبي المقرض.
إني لست من المختصين في المجالات الاقتصادية و المالية و كلّ ما له علاقة بالتّنمية ، و لكن مفسدة الاقتراض
بهذا الشكل الّذي تلهث وراءه حكوماتنا المتعاقبة لا تخفى على كلّ عاقل محبّ لوطنه . و مراعاة للواقع الصّعب الّذي
تمرّ بلادنا لا أقول أنّ الإقتراض يجب أن يتوقف، فهذا قول لا يقوله عاقل ،فحتّى البلدان الغنيّة مثل فرنسا و غيرها من
البلدان الغنيّة تقترض ، و لكن ما يجب تحريمه و تجريمه و منعه هو الاقتراض من أجل الاستهلاك و سداد مرتبات
الموّظفين الكرام . فهؤلاء مثلهم مثل بقيّة التونسيين من العاطلين عن العمل و الطبقات الضعيفة الّذين لا تفكر
حكوماتنا إطلاقا في الاقتراض من أجل تشغيلهم . إن الاقتراض الّذي نقبل به هو الإقتراض من أجل الإستثمار و
التشغيل ، و ما عدا ذلك فهو خيانة للعباد و البلاد ، فلا ترهنوا بلادنا و سيادتنا للأجنبي ، و لا تتجاروا بكرامتنا على
موائد اللّئام مقابل فتات من القروض الّتي لا تغني و لا تشبع من جوع . و لا تنسوا أنّ ثورتنا كانت و لا تزال ثورة حريّة
و كرامة و عدالة أجتماعيّة ، و أنّ طريقنا إلى النهوض الاقتصادي و الازدهار يمرّ عبر ما يقدّمه شعبنا من تضحيات و
تضامن و توازن بين الجهات و تقاسم للثورة الوطنّية بعدالة و إنصاف و ما عدا ذلك فهو من قبيل الترقيع و الموت
البطيء لفيئات كثيرة من شعبنا الصّامد .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire