بعد أن اختارت حكومات مابعد الثورة أسهل الحلول: حجم القروض بلغ ضعف الميزانية.. والبلاد على شفا الإفلاس!!


حذر الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي مؤخرا من خطورة التفريط فيما تبقى من المؤسسات العمومية في اطار خوصصة القطاعات ذات المردودية العالية، مؤكدا في ذات السياق على رفض المنظمة الشغيلة لهذا التمشي ومحذرا من مخططات التفكيك التدريجي لعديد المؤسسات الوطنية الكبرى على غرار تونس الجوية وشركة فسفاط قفصة والتفويت في جزء من شركة اتصالات تونس.
ويأتي موقف الاتحاد بالتزامن مع احتجاج عدد من نواب المجلس خاصة نواب الجبهة الشعبية ورفضهم لحزمة المشاريع والقوانين التي تخّص القروض التي تحاول حكومة الحبيب الصيد تمـريرها وضمان التصـويت بـ"نعم" بأغلبية الاعضاء.
وهو ما رفضه عدد من النواب الذين دعوا الى الكشف عن الوثائق المتعلقة بالقروض والاطلاع عليها قبل تمريرها الى التصويت متسائلين في ذات الاطار عن مصير القروض السابقة خاصة وان البعض منها خصصّ لخلاص قروض سابقة وهو ما عجل بإطلاق صفارات الانذار سيما وان هذا التوجه عادة ما تلجأ اليه الدول المفلسة او تلك التي على حافة الإفلاس كما كان حال اليونان والأرجنتين في وقت سابق.
فماهي الوضعية المالية لتونس؟ وما هو حجم القروض التي تحصلت عليها بلادنا منذ ثورة 14 جانفي الى حد الان؟
في عملية احصائية لجملة القروض المسندة للجمهورية التونسية منذ بداية عمل الحكومات المتعاقبة على بلادنا (الباجي قائد السبسي وحمادي الجبالي وعلي العريض ومهدي جمعة والحبيب الصيد اضافة الى بعض الديون المتخلدة بذمة حكومات بن علي المتعاقبة)، بلغت قيمتها الجملية نحو 28.9 مليار دولار امريكي أي ما يعادل 54.91 مليار دينار تونسي وهو ما يقارب مرتين ميزانية تونس سيما اذا علمنا ان حجم ميزانية 2015 حددت بما يناهز 29 مليار دينار تونسي.
وبالعودة الى الارقام والمعطيات المجمعة تظهر حكومة الباجي قائد السبسي اكثر الحكومات تداينا بنحو 8.64 مليار دولار تليها حكومة مهدي جمعة وحكومة حمادي الجبالي وعلي العريض.
ومقابل ارتفاع حجم القروض ارتفعت معها قيمة الادءات الموظفة على المواطنين لتبلغ نحو190 %من قيمة الاداءات قبل «الثورة».
وفي واقع الامر لم تستطع الحكومات المتعاقبة كبح جماح خيارات تنموية لا علاقة لها بها في ظل تدخل الدول المانحة وصندوق النقد الدولي بعد ان عجزت السلط في ضرب مسالك التجارة الموازية وفرض جباية عادلة على جميع التونسيين.
مواقف رافضة
وفي هذا الإطار، قال عضو المكتب الفدرالي للجامعة العامة التونسية للشغل محمد علي قيزة» كل زيادة عشوائية في الأجور لن تحل المشكل بل تزيد في تعقيده ما لم تسع الحكومة عبر مفاوضات اجتماعية شاملة ومسؤولة تشارك فيها جميع المنظمات النقابية دون استثناء وإقصاء لإيجاد حلول ملائمة وموارد ممكنة لكي تجنب البلاد التضخم والتداين الخارجي كما جرى سنتي2011 و2012 وتحد من تدهور المقدرة الشرائية وتحافظ على مؤسستنا العمومية التي أصبحت مهددة بالخوصصة في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها أغلب هذه المؤسسات».
واضاف قيزة «لا بد من السعي للمساهمة في تسريع دورة النشاط الاقتصادي والتفكير في انقاذ المنشأة العمومية وذلك من خلال القيام بإصلاحات تتعلق بالحوكمة الرشيدة وإرساء طرق تسيير جديدة تقوم أساسا على تحسين المردودية وتعزيز الكفاءات في قطع كلي مع البيروقراطية بالإضافة إلى تطوير إنتاجية العمل وتحسين القدرات التنافسية».
سكيزوفرينيا التوجهات
من جهته اعتبر منسق الاتحاد العام التونسي للشغل فتحي الدبك "ان الحكومة تعاني من مشكلة سكيزوفرينيا التوجهات باعتبار ان فيها وزراء لهم توجه تشاركي يميل الى الاشتراكية التقدمية مثل وزير النقل محمود بن رمضان وفيها وزراء ليبيرالين بل ومن اقصى اليمين الليبيرالي مثل ياسين ابراهيم وزير التنمية لذلك تجد بعض التناقض في التوجه العام والضبابية في البرمجة اما التوجه الى القروض فالحكومة ترى فيه حلا وقتيا لتجاوز ازمة المقدرة الشرائية".
واضاف الدبك «اما الحديث عن نية الحكومة اغراق البلاد بالقروض للتفويت في المؤسسات العمومية فهو كلام يحتاج الى براهين ولا يدخل في خانة المزايدة الجوفاء«.
وختم المتدخل بالقول « ان الحكومة مسكن ببعض الملفات بجدية وخاصة على مستوى التقدم في العمل الاداري ومحاربة الفساد والرشوة ومتابعة هموم الناس في العديد من الوزارات مثل وزارة الصحة والشؤون الاجتماعية والثقافة والشباب والنقل والعدل. وفي كل الحالات الحكومة عليها باختيار التوجه الاجتماعي لتتمكن من تجاوز الازمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد وكان على اليسار التونسي ان يشارك في الحكم ليتدرب عليه ويواجه الفقر مباشرة مثل ما فعل لولا في البرازيل ولا ان يبقى على الربوة ويختص في الشتم والعويل والصياح في البرلمان".
وكانت تصريحات وزير المالية لــ«الصباح» والتي اشار فيها أنه لا يعرف كيف ستتم تغطية بقية نفقات سنة 2015» ومحافظ البنك المركزي الذي اكد لــ«الصباح» ان الحكومة لن تقدر على دفع الاجور»، أثارت المخاوف بخصوص الوضع الاقتصادي والمالي لتونس.
واعتبر العديد من المتابعين ان ما قدمه وزير المالية ومحافظ البنك المركزي هو مقدمة للحلول المؤلمة التي حذر منها الخبراء الاقتصاديون.
كما ترافقت التصريحات مع ما اشير في وقت سابق الى الازمات المالية الخانقة التي تمر بها جل البنوك العمومية في احالة واضحة الى ان التفويت فيها وخوصصتها باتت مسالة وقت بالإضافة الى زيارة وفد صندوق النقد الدولي التي تزامنت مع نقاشات القروض المسندة الى تونس والتي كان آخرها القرض الأخير والمقدر بـ 300 مليون اورو.
وقد شبه عضو مجلس نواب الشعب فتحي الشامخي عن الجبهة الشعبية القروض «بنظام الحماية الذي فرضه المستعمر الفرنسي على الباي سنة 1881».
من جهته اعتبر النائب سالم لبيض عن حركة الشعب ان تمرير القرض «هو شكل من اشكال الاستعمار الناعم الجديد وتدخل خارجي سيمس من السيادة الوطنية خاصة وان شروطه لا تلبي حاجيات التونسيين في تغيير اوضاعهم الاقتصادية بقدر ما تزيد في اغراقهم.» كما بين لبيض»انه لا يمكن القبول بقرض لم يطلع النواب على فحوى نصوصه التكميلية وهو ضرب من ضروب الاستغفال» على حد تعبيره.
خليل الحناشي