Articles les plus consultés

samedi 24 octobre 2015

المجاهد محمد قرفة

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=916417131772590&set=a.314877761926533.74731.100002129367457&type=3

حبا! يبدو أنك وصلت إلى هنا عن طريق Google. هل تعلمـ(ين) أن تورس ليس جريدة إلكترونية، بل هو محرك بحث عن الأخبار؟ تفاصيل أكثر عن تورس موجودة هنا.المجاهد البطل محمد قرفة الجزء الأول ... بقلم مصطفى ونيسي

نشر في الحوار نت يوم 23 - 02 - 2010

ركن الذاكرة الوطنية : من رموز الثورة على المستعمر الفرنسي 
المجاهد البطل محمد قرفة رحمه الله تعالى الجزء الأول 1/2
البطل محمد قرفة هو بطل من أبطال الثورة على المستعمر الفرنسي في الجنوب التونسي. وهو أصيل منطقة الحوايا ، مثله كمثل رفيقه في المقاومة البطل الشهيد مصباح بن خليفة الجربوع، غير أن الأول كان من أنصار الأمانة العامة أي صالح بن يوسف، فكان مصيره شبيها بمصير زعيمه التعتيم الإعلامي و المحاكمات الظالمة ثم الشنق. أمّا مصباح الجربوع فقد كان من أنصار الديوان السياسي ، أي الحبيب بورقيبة ، وتبعا لذلك اشتهر وذاع صيته في كل البلاد التونسية . و للتاريخ فإن محمد قرفة لا يقل درجة في جهاده وإخلاصه لتونس و تفانيه في خدمتها بكل ما هو غال و نفيس عن رفيق دربه في المقاومة مصباح الجربوع غير أن الظروف السياسية القائمة على موازين القوى القاهرة في أحيان كثيرة خدمت الثاني أي مصباح و لم تخدم الأول. ونحن إذ نحاول التعريف بهذا البطل ،بما توفر لنا من ثائق جد محدودة،
فإننا نحاول رد الإعتبار إلى هؤلاء الرموز حتى تعرفهم الأجيال القادمة فتترحم عليهم و تفيهم حقهم من الإحترام و التقدير.
محمد قرفة- بثلاث نقاط على حرف القاف كان بالنسبة إلي الجيل الأول الذّي وُلد أثناء الإستقلال أو بعده مباشرة في تلك الجهة ، أي بني خداش و ما جاورها، أسطورة ملحمية تغنى بها الشعراء و ردد اسمها الوطنيون الأحرار. فمحمد قرفة بالنسبة للسيد عمار السوفي مؤرخ الحركة الوطنية في الجنوبالتونسي قد لعب أربعة أدوار في الحركة الوطنية، قلّ أن قام بها رجل أمّي في العالم. انضم هذا الرجل للمقاومة المسلحة وانخرط انخراطا كاملا في حركة الثوارسنة1952 1954، ثمّ سرعان ما أصبح قائدا لمجموعة من هؤلاء الثوار. كما أنّه أصبح قائدا صلبا و محنكا لثوار جيش التحرير الوطني في منطقة و رغمة 1956، وهي تُطلق تقريبا على كل الجنوب الشرقي. لقد ارتبط اسم محمد قرفة ،أثناء المفاوضاتالتونسية الفرنسية على الإستقلال التام، بجيش التحرير الوطني التونسي الذي أسسه الزعيم صالح بن يوسف سنة 1955قبل أن يغادر هذاالاخير أرض الوطن، وقد عُيِّن المناضل الطاهر الأسود قائدا عاما لهذا الجيش، ومحمد قرفة قائدا لفرقة ورغمة في جيش التحرير. خاض هذا الجيش معارك كثيرة حالفه الإنتصار في أغلبها رغم قلة العدد والعتاد مقارنة بعدد و عتاد الجيش الفرنسي المسنود بأنصار بورقيبة أنذاك. وكانت آخر معركة قُُبيل مفاوضات التسليم ( معركة جبل مغطى) بمنطقة أم العرائسعندما أعلنت فرنسا التخلي عن الجيش لصالح تونس. عندها وقع الإتفاق بين قادة جيش التحريرالوطني و أحد القادة الجزائريين للإتصال بالسّلط التونسية الرسمية للتفاوض، فسافر وفد من المقاومين ومعهم المناضل الجزائري و تقابلوا مع المناضلين الباهي الأدغم والطيب المهيري رحمهما الله اللذين وعدا مفاوضيهم بالسّلامة و الأمان في صورة القبول بتسليم الأسلحة، ولكنهما لم يضمنا في المناضل الهادي قدورة. و بالفعل تمّ تسليم جزء من الأسلحة بمنطقة –تلايت- من ولاية القصرين، ولكن هناك جزء من السلاح المتميّز مرره الثوار لإخوانهم الجزائريين قبل عملية التسليم.
و بناء على هذا التسليم شُكِلت في كامل المناطق لجان أطلِقَ عليها لجان الرعاية ، و هي لجان شبيهة بالميليشيات، مارست ضغوطات وتجاوزات تجاه من شايعوا الأمين العام صالح بن يوسف، فتعرض كثير من أهالي بني خداش و المناطق المجاورة لها لظلم شديد مارسته هذه اللجان، إلى درجة أن المناضل المبروك المشلوش بحسب رواية غرس الله المحضاوي توجه إلى بورقيبة قائلا: ( لقد تحملنا استعمار 70 سنة و لم نتحمل استعمار هذين الشهرين ).
لقد اتسمت تلك الفترة بالظلم و الحقد و الضغائن ، مما أتاح الفرصة للذين والوا بورقيبة ليعزلوا من شاءوا و ينصبوا من شاءوا حسب أهوائهم و من دون أن تكون لهم الحنكة السياسية، الامر الذي خلق جوّا من التوتر وتصفية الحسابات . هذا التوتر السياسي المشحون بالكره و التباغض دفع المناضل محمد قرفة إلى الثورة من جديد.
و سبب ذلك في الحقيقة ، أنّه لمّا وصلت بلدة بني خداش بعض المساعدات الإجتماعية لفقراء الحال،اتصل هذا الأخير بممثل السلطة محمد الصّغير الرّي- معتمد – يطلب منه أن يخصّ بعض الأرامل و الأيتام بنصيب منها، ولكن ممثل السلطة لمّا عَلِمَ أنّ هؤلاء الأرامل و الأيتام هم أبناء و أزواج لبعض شهداء جيش التحريررفض طلب محمد قرفة ، و هدده بأن لا يُعيد مثل هذا الطلب ففيه خطر على الطالب و المطلوب . ومما لا شك فيه لم ترض هذه المعاملة المجاهد محمد قرفة، فاتجه في الحال يطلب مقابلة محمد الأمين والي مدنين انذاك. فتجاهله هذا الأخير و رفض مقابلته، فتضاعف غضب محمد قرفة و عقد االعزم على الخروج للثورة من جديد. (1)
مصطفى عبدالله ونيسي/ باريس
1) المصدر الأساسي : بني خداش و جيرانها عبر الحركات النضالية/
عواصف الإستقلال للكاتب عمار السوفي/ و كذلك بعض المعلومات التي استقيناها عن طريق بعض الشهود
 



مِـن رموز مقاومة المستعمر الفرنسي:
مصطفى عبدالله ونيسي/ باريس
 المجاهد البطل محمد قرفة  رحمه الله 2/2
القبض على البطل في مطماطة :
عندما لم يستمع إلى طلب محمد قرفة ، لا ممثل السلطة في بلدة بني خداش، و لا عامل الولاية ، عزم هذا الأخير على الثورة من جديد، ولكن هذه المرة ضد ممثلي السلطة الجديدة التي يتزعمها الحبيب بورقيبة وأنصاره.
خرج محمد قرفة صوب مطماطة يدعو أصدقاءه للعودة للثورة ، فأ لقي عليه القبض و سـُجِن بمطماطة في صيف 1956. كان الطقس شديد الحرارة، و كان السبيل الوحيد للخلاص من السجن هو أن يستغل المجاهد محمد قرفة ذكاءه و فطنته.
الفرار  من السجن:
  كان محمد قرفة يـُحضى بتقدير كبير من طرف كل من يعرفه، بما في ذلك حرّاس سجنه نظرا لشهرته الواسعة وماضيه المشرف على درب المقاومة المسلحة للمستعمر الفرنسي. التمس محمد قرفة من سجانيه أن يسمحوا له بالخروج إلى بهو السجن للتنعم بالهواء، وذلك لأن الغرفة التي يقبع بها كان  حرّها شديدا ، فاستجاب سجّانوه لطلبه، وقد كانوا جميعا يتسامرون. وكان محمد قرفة قد أعد الخطـّة للفرار من السجن مُنذ الزوال، إذ طلب من سجانيه لـُمجة (1) حارّة ، فلبوا له طلبه . ولمّا طابت سهرة المتسامرين، تظاهر هذا الأخير بوجع شديد يمزق أمعاءه بسب الفلفل الحّار الّذي احتوت عليه تلك اللـّمجة . فطلب السّماح له بالخروج لقضاء الحاجة. فسـُمِحَ له بالخروج ولم يطل غيابه وعاد لمواصلة سمره مع سجـّانيه، و ما هي إلاّ لحظات حتى تظاهر بتضاعف أوجاعه من جديد ، وطلب الخروج لقضاء الحاجة مرة ثانية، فسُمح له. و أطال السجين غيابه هذه المرة أكثر من غيابه المرة الأولى بقليل، ثم عاد. و يتظاهر السجين  للمرة الثالثة بتضاعف الأوجاع ويطلب الخروج لقضاء الحاجة كالعادة، إلا أنـّه في هذه المرة لم يعد إلى سجانيه مستغلا سذاجتهم وطيبتهم، ليدخل ظلام الليل كما يقال لا يلوي على شيء . وكان انتظار حرّاسه هذه المرّة لا حدود له.
وخرجت السّلطة على عجل من أمرها لتظفر به قبل فوات الأوان، إلا أنّهم لم يظفروا بشيء هذه المرّة.
أمّا المجاهد محمد قرفة فقد اتصل بصديقه خليفة بن خليفة المحضاوي القاطن بمنطقة < عزيزة> قرب معتمدية بني خداش ، فأخذ منه بندقية و جرابا من الذخيرة  و <وزرة> وهي رداء خارجي من الصوف ثم اتجه نحو الجارة الشرقية لبلادنا تونس ليتصل بالزعيم الآخر صالح بن يوسف المقيم بطرابلس.
و هناك التقى الرّجلان ، فوعد صالح بن يوسف  هذا الأخير بالدّعم المادّي و الأدبي والعسكري في صورة انتشار الثورة و توسعها .
عودة محمد القرفة لتونس ليقود الثورة من جديد:
عاد هذا الأخير لتونس وقد جمع حوله بعض الثـّوار، فدعاه ممثل السّلطة بالعدول عن عدائه للسـّلطة عن طريق محاولة أولى قام بهاعبدالله التـُركي، ولكن المحاولة باءت بالفشل الذ ّريع . وعندها عقد معتمد الجهة آنذاك محمّد الصّغير الرّي اجتماعا بكبار العروش حضرة قرابة 14 نفرا من بينهم عمار بن عيسى البارودي و علي بن خليفة المحضاوي و خليفة بن خليفة وطلب منهم أن يجدوا حلا للقضاء على تمرد محمد قرفة . و بعد مناقشات طويلة و مُضنية نظر أحد الحاضرين إلى خليفة بن خليفة و قال له : (  هذا صديقك وليس هناك من هو قادر على إقناعه بالعدول عن ثورته مثلك )
وذات ليلة بينما محمد الرّي نائما بمنزله طرق بابه خليفة بن خليفة ليُعلمه أنّه قد استقدم محمّد قرفة ليفاوضه، فاتجه محمد الرّي إلى المكان الواقع بشعبة حمزة صحبة خليفة بن خليفة ، فوجد فريقا من الثـّوار شاهري السـّلاح، وهو مظهر قد استاء منه ممثل السـّلطة . والتمس هذا الأخير من محمد قرفة العدول عن ثورته والاستسلام واعدا إيّاه بالسـّلامة و الأمن ، إلاّ أنّ محمد قرفة أصرّ على مواصلة ثورته قائلا : ( لن ألقِي سلاحي ما دام ذلك الخائن < مشيرا إلى مصباح الجربوع> يحكم البلاد )


القبض على محمد قرفة :

لقد كانت عمليّة القبض على محمد قرفة من أبشع الدّسائس الـّتي دُبِّرَتْ على تراب منطقة الحوايا . فالسّلطة لمّا استنفذت الوسائل السّلميّة في ثنيّ الثائر عن ثورته عمدت إلى الخيانة و الغدر، فكانت الطريقة التي اعتُمِدت في القبض عليه أكسبته تعاطفا متزايدا مِنْ قِبَلِ أجيال متعاقبة من أبناء المنطقة . فكيف يا تُرى وقع البطل في حبال السلطة الجديدة ؟
يقول ممثل السلطة محمد الرّي واصفا الطريقة الدنيئة التي اعتمدها للقبض على المجاهد محمد قرفة : ( بعد مقابلتي له و رفضه الاستجابة لطلبي ، كانت الخطـّة الثانيّة للإطاحة به جاهزة .) وتفاصيل العملية أنّ ممثل السّلطة هذا كلّف أحد أصدقاء  محمّد قرفة لتنفيذ الخطّة ، فدعا هذا الأخير الثائر لتناول العشاء عنده < بعين تانوت > للتباحث معه في مطالب الثـّورة . ويقول ( الرّي) وحاول المُـضـّيِِفُ القضاء على ضَيْفِهِ فأطـْلَقَ عليه النـّارَ لمّا كان قابعا بالمغارة التي قد
أ ُسْتُضِيف فيها إلاّ أنّ الطـّلْقَة َ لم تصبهُ إلاّ بجرح بسيط في أنفه ، وعندها عمد محمد قرفة فورا لإطفاء المصباح الـّذي كان يُنِيرُ المكان. وعندئذ أوهم الـْمُضَيِّفُ البطل محمد قرفة بأنّه محاصر من كلِّ جهة وأخذ يتظاهر بإصدار أوامره بالحصار حتـّى وصلت القـُوّة ُ العسكريّة   التي رافقتها ( المتحدث ممثل السلطة) مصحوبا بالشيخ محمد المهداوي و محمود الجباهي     
وعند وصول هذه القوات إلى مكان الحادثة، طلب ممثل السلطة من محمد قرفة الخروف ، ولكن هذا الأخير رفض . وعندها أمر (الرّي ) الحاضرين بجمع جريد النـّخل ليحرقه في مدخل المغارة.  وعندها خرج محمد قرفة رافعا يديه واتجه إلى محمّد الرّي قائل: ( ما نـَدمت عليه أنـِّي لم أفتـَكْ بك حين تقابلنا سابقا، لكنـّي لا أعرف الخيانة و لم أتعلّم الغدر )
محاكمة محمّد قرفة  :
عُرِض محمد قرفة على ما يُسمـّى بمحكمة الشـّعب ، وكانت محاكمته الخصم و الحَكمُ فيها واحد لا ثالث لهما .
حُوكِمَ مِنْ  أجْلِ اتصاله بصالح بن يوسف في طرابلس و تسلمّه مبلغ 350 ألف فرنك لتكوين عصابات للتمرد على السلطة القائمة، وحُوكم أيضا من أجل رسائل حُجِزت مع المتهم بن جبيبة مُوجّهة إليه من صالح بن يوسف يطالبه في الإستمرار في التمرد.
و يبدو أنّ محمد قرفة لـُفِـقـَتْ لَهُ تـُهْمـَة ُ قتل (إبراهيم الهمـّامِي) التي أنكرها محمد قرفة بشدة . لا شك أن إبراهيم الهمامي قُتِلَ من طرف ثـُوّار اليوسفية لإظهاره الشـّماتة بقتلاهم بمعركة ( مقرّ ) و ( مسالخ ) إلاّ أنّه لم يثبت أنّ القائم بعملية القتل محمد قرفة .
وحُكم  عليه رحمه الله بالإعدام شنقا، و نُفِذ َ فيه الحكم ، ولم تشفع له بطولاته و نضالاته ضد المستعمر الغاشم و هو القائل  : (لـَنْ أسَلـِّمَ سِلاحِي و بورقيبة يقبع في المنفى ).
و دون أن ننحاز لهذا الفريق أو ذاك ، يقول مؤرخ الحركة الوطنية في الجهة: ( مهما كان حجم الخطر الذي يمثله هذا الرّجل في عدائه للبورقيبية كمشروع دولة ناشئة، فإنّ ذلك لا يبرر أن تُلصَق به تهمة ارتكاب جريمة اقترفها غيره، ويُحكم عليه بالإعدام ، ويقع تنفيذ الحكم فيه دون اعتبار ما قدمه للوطن من خدمات)(1) 
مِنْ أقْوالِه الخالدة :
عندما سُئِلَ محمد قرفة أثناء جلسة محاكمته عن أسباب تمرده قال: (لقد قـُمتُ بأعمال كبيرة ، وكافحت كفاحا شديدا ضدّ فرنسا في سنة 1952 ولو اعتقلتني لقطعتني إربا إربا.
لقد كنتُ أمـْكـُثُ  بدون أكلٍ مدّة 12 يوما، ولا أسمح لنفسي بنهب إخواني التونسيين وأكتفي بأكل النـّباتِ . )
و يقول ُ أيضا  : ( أنا كما ترون جاهل لا أحسِن ُ القراءة ، وكانوا يقولون لنا أنّ فرنسا لم تعطنا الاستقلال بعد، و التراب العسكري سيبقى لها، و يجب العودة إلى الكفاح فعدنا )
و حول ظروف القبض عليه  وما لقيه من عذاب من أجل انتزاع اعترافات أكره عليها تحت وطأة العذاب يقول : ( كنت ذات ليلة أتناول العشاء إذ أطلقت علينا طلقات ناريّة ، فأصِبْتُ في أنفي واعتقلوني. و بقيت شهرا و25يوما تحت الضّربِ و العذاب، و أنا موثوق بالحبال، وأخيرا قلت لهم : أكتبوا ما تريدون وأمام الله نتقابل )(2)    .
دور جيش التحرير في الإسراع بمنح تونس استقلالها التّام:
ولئن كانت ضحايا حروب جيش التحرير مرتفعة، إلا ّ أنّـها كانت وسيلة ضغط على فرنسا لتمنح
تونس دون تردد استقلالها التام . هذا ما ترجمت عنه الأشعار الشعبية التي كانت تـُمجد ُ أبطال جيش التحرير الوطني و منها هذه المقطوعة لـ(نصر عويدات ) التي كانت سببا لسجنه سنة 1957:
مـَهْدِي وبـوعْبـِدِي و محضـَاوي (3) اللِّجَابُوا لِسْتِقْلاَلْ
                     كُلْ وَاحِدْ بِشَجَاعَة َ رَاوِي مْنِينْ شَدّ ُوا لَجْبَالْ
عَمْ سِتـَّه طـَلـْعـَت ْ هَـا الثـَّوْرَه اللِّمَاتَحْمِلْشِي الذ ّ ُلْ
                  طـَلـَعْ فِيهَا الرَّايس قـَرْعُـوا لـَهْ صَامِدْ لِلْمُحْتـَلْ
اللِّمَا يـَعْرِفـشْ ، انـْسـَمـِّهُـولـَه ْ سِي قــَرْفـَهْ  مـْغـَوَّلْ
                 هـَا القــَايـَدْ نـَعـْطِيكَ انْزُولـَهْ اللـِّشِبْحـَه يـَخـْتـَلْ
مـَعـَاهْ جـِيشْ اللـِّحـَبْ المُولـَه جَابوا الاستقلال الكُلْ
                خـَلـّـُوا تـُونِسْ صِبْحَتْ دُولـَه تـْنـَوَّرْ كـُلْ عـْمـَلْ  (4)


و في مقطع آخر يتغنى الشاعر (فرح دبوبه) قائد إحدى فِرق أغـْبُنـْتـُنْ الشهيرة عند أهل الجنوب ببطولة محمد قرفة، فيقول:
محمد قــَرفـَه وِمْعَاهْ جْمَاعَة       وقـَالـُوا انـْمـُوتـُوا عـَلـَى عـَلـَم البِلا َدْ
اِسـْخـَنْ الدَّمْ رَفـْعَتْهُمْ شجَاعة    وَقـَالـَّكْ طـَبـّـُوا على الكافر اِقـْصـَادْ
بالرفـَايْ إمْنـِينْ ثـَبِّتْ أصْبَاعَهْ     وَلــَّتْ طــَايْـحَهْ  كـَالْجَرَاد
 رحم الله تعالى شهداءنا الأبرار الذين ضحوا بالغالي و النفيس من أجل أن تستقل تونس وتصبح بلدا ذا سيادة ، فأين نقف اليوم  ، نحن جيل الاستقلال من هذا الاستقلال.
الخميس 9/3/2010
مصطفى عبدالله ونيسي/ باريس     
1)عمار السوفي : عواصف الاستقلال ص214
2) الصباح 3جويلية 1957ص2و3العدد1724
3) مهدي، و بوعبيدي و محضاوي،هذه عروش من الحوايا شارك عدد من أبناءها في الثورة على المستعمر الفرنسي
4) ملاحظة لمن أراد أن يقرأ الشعر الشعبي ، فإن قاعدة العرب لا تبدأ ُ بساكن لا تنطبق عليه، فأعلب الكلمات تبدأ بساكن، تلك هي أحكام اللغة الدارجة عند أغلب أهل الجنوب تقريبا.


مصدر الخبر : بريد الــحــــوار نــــت
 

mercredi 7 octobre 2015

الإنزلاق نحو مُستنقع التّطبيع






الإنزلاق نحو مُستنقع التّطبيع        
                                                      مصطفى الونيسي
ثورات الرَبيع العربي و حالات التَطويع

عرفت ثورات ما يُسمَى بالرَبيع العربي حالات من التَطويع مختلفة منها العنيف، و منها النَاعم . و المقصود بالتَطويع في صياغته السَياسيَة هو 
التّطبيع الّذي قاومته تيارات وطنية كثيرة ، قوميَة و إسلاميَة و يساريَة و مناضلين مستقلين  على امتداد  عقود طويلة ، نظرا   لخطره على مستقبل الأمّة  و سيادتها  وأمنها القومي . وهو مسار طويل  يبدأ بغزو النّفوس الضّعيفة  ليبث فيها سمومه  قطرة قطرة  ثم َ يصبح  رأيَا عاما  يُزرع في جسد  أمتنا  العليل الّذي لم يتعاف بَعْدُ من تخلفه الحضاري
والمقصود بالتّطبيع  سياسياَ  على المستوى الخارجي هو الإصرار على التّبعية العمياء للغرب عموما ، و لأعداء الأمّة خصوصا و خاصة منهم الكيان الصهيوني العنصري المغتصب للأرض الفلسطينية، أمّا على المستوى الدّاخلي فالمقصود به هو  إيجاد المبررات السّياسية و الاقتصادية و الأمنية للإرتماء في أحضان وكلاء القوى الدّولية من بني جلدتنا. و أخطر شيء في التّطبيع هو أنّه يستهدف أوّل ما يستهدف سيادتنا الوطنيّة و كرامتنا و حريتنا و هويتنا العربية و الإسلامية. و هي لعمري مبررات كافية لأخذ الحيطة اللازمة حتى لا تُستدرج بلادنا نحو هذا المطبّ الخطير الذّي اصطلح سياسيّا على تسميته  بالتّطبيع .
وقوى  التّطبيع أو التّطويع استطاعت  لما تشتمل  عليه من قوّة و نفاذ  في ظرف وجيز، مستعملة وسائلها التَقليدية المعروفة في التّرغيب و التّرهيب، أن تحتوي و تلتَف على ما يُسمّى بثورات الرّبيع العربي. لقد استكثرت علينا هذه القوى أن نفرح بنتائج تصميمنا على التّخلص من جلاّدينا ، أو أن نحلم بتحوّلٍ ديمقراطي سلمي يضمن لشعوبنا حياتا كريمة أساسها الحرَية و الكرامة و العدالة الاجتماعية و المساواة في الحقوق و الواجبات ...   فوقع الانقلاب على الشّرعية في مصر بدعم مباشر سعودي ، إمارتي ....، و حوّلوا الثورة السّورية من ثورة سلمية إلى حرب أهليّة أتت على الأخضر و اليابس و أصبحت سوريا أرضا مستباحة للإرهاب بجميع أشكاله و التّدخل الأجنبي بجميع أصنافه من إيرانيين  و روس  و صنيين  و أوروبيين و أمريكيين ...
و كذلك الثورة في ليبيا و اليمن لم تكن أحسن حالا .
 أمّا الحالة التَونسية منطلق ثورات الرّبيع العربي فقد اختلف شكل الإحتواء و الإتفاف على ثورتها مقارنة مع بقيَة ثورات الرَبيع العربي .

 فما هي مظاهر انتكاسة ثورة 17 ديسمبر 2010 / 14 جانفي 2011 ؟

الثّورة التونسية و مسار الانتكاسة :

انتخابات 23 اكتوبر 2011

كان يوم 23 اكتوبر2011  يوما فارقا في الحياة السّياسية في تونس . ففي انتخابات حرّة و شفافة تعرفها بلادنا لأوّل مرّة اختار الشّعب قواه الوطنية و السّياسية التي ينبغي أن تحكمه  مؤقتا  من أجل صياغة دستور جديد وتحقيق انتقال ديمقراطي سلس نحو بناء نظام للجمهورية الثّانية . و آلت السّلطة بمقتضى نتائج هذه الانتخابات إلى حزب حركة النَهضة صاحبة الأغلبية النّسبية و شرِيكيْها في الحكم حزبيْ التَكتل من أجل العمل و الحرَيات  و المؤتمر من أجل الجمهورية ، و تشكلت حكومة الترويكا بقيادة السّيد حمادي الجبالي الأمين العام لحركة النّهضة على أساس من المحاصصة الجزبية و ليس على أساس الكفاءة و التجربة و التّرفق بالمصلحة العامة للبلاد . كما أنّ التَعيينات داخل الأحزاب و خاصة حركة النهضة للوزراء و كبار موظفي الدّولة كان على أساس الولاءات  الحزبية  الضّيقة و لم يكن على أساس الكفاءة و التجربة . و باشرت الحكومة مهامها و كانت النتائج مخيبة للآمال ، فلم تجد الطّريق للسَيطرة على الواقع المعقّد  و المركب، سواء على المستوى السّياسي أو الإقتصادي أو الأمني ..
 و من الأسباب الأساسية  لهذا الفشل الذَريع نذكر على سبيل المثال لا الحصر، وذلك لأن الإلمام بكلَ الأسباب يحتاج إلى تقييم شامل لأداء حكومات ما بعد الثّورة
فمن الأسباب :
 ـ ضعف الحكومة  و تردَدها لعدم إلمامها بالملَفات ، و قلَة حيلتها أمام شبه مقاطعة الإدارة ،الموالية  في جزء كبير من موظفيها للنَظام القديم ، لأوامرها، و خاصة في وزارة الدّاخلية التّي يبدو أنها كانت  مخترقة.  
و لعلّ أهم دليل على هذا ، ذاك الهجوم على السّفارة الأمريكية الّذي أضر كثيرا بعلاقة بلدنا بالإدارة الأمريكية .

 ـ  تصلب الأطراف الاجتماعية و خاصة منها الاتحاد العام التونسي للشّغل ، و تضاعف الإضرابات و الاعتصامات  المشروعة أحيانا و المشبوهة في أغلب الأحيان.

ـ الاستهتار بالقانون و قدسيّة العمل و الخلط بين الحريّة و روح المسؤولية من ناحية و الفوضى من ناحية أخرى عند المواطن العادي .

ـ التّجاذبات السّياسية و الانتصار للأحزاب على حساب الوطن و الشّعب ، و الحرص على الحضور في المشهد الإعلامي لتسجيل بعض المواقف الحزبية و التي لا شأن للوطن فيها . و الغريب أنّ هذه الظاهرة طالت الكثير من الوزراء و نوّاب المجلس التأسيسي ، فلم نكن نرى لهم حضورا على  الميدان  يذكر يعالجون مشاكل المواطنين و ما أكثرها ، و كنا نرى لهم حضورا دائما في المشهد الإعلامي  و هم منتشون ينتصرون لأنفسهم و دكاكينهم الحزبية الضَيقة إلى درجة أخلوا فيها بهيبة الدّولة و رجل الدّولة فعافهم المواطن و لم يعد يحترمهم.

ـ تفشّي الخطاب الخشبي للأحزاب السّياسية بعيدا عن مراعاة المصلحة العامة للإنتقال الدّيمقراطي ، بما في ذلك خطاب حركة النهضة الطَرف الرّئيسي في الإتلاف الحكومي التي كان يصرح زعماؤها و خاصة رئيسها بأن شباب السَلفية يذّكره بأيّام شبابه، و أن الباجي قائد السبسي هو أخطر من السّلفية و أنّ حزبه عبارة عن إعادة رسكلة لرموز النظام القديم و أن الإجتماع بهؤلاء و الحوار معهم أمر مستحيل . و كذلك لا ننسى حملة < إكبس > التي قادها السّيد لطفي زيتون ، و الذّي هدَد بنشر قائمة سوداء في الإعلاميين الفاسدين الذّين تعاملوا مع نظام الرّئيس المخلوع .  كذلك لا يمكن أن ننسى تلك الصورة المتهكمة من المعارضة في الخطاب النهضوي عند وصفهم للمعارضة بأنها معارضة صفر فاصل صفر0.02 أو 0.03 . كذلك لا يمكن أن ننسى مداخلة السّيد وليد البناني في سجال  تلفزي واصفا السّيد الباجي قايد السّبسي بأنه عجوز خرف و أن مكانه الطّبيعي هو مآوى العجز ، و كذلك خطاب - قُلْ مُوتُوا بغيظكم - الذي يعكس منسوبا كبيرا من النرجسية و الغرور و الإنتشاء ......

ـ تأدّلج المعارضة و خاصة منها اليسارية التي لا تتحرج من  الاستقواء بالأجنبي أو تحريض الجيش من أجل إسقاط حكومة وطنية ، كانت إفرازا لانتخابات حرّة و ديمقراطية . وكذلك الشّأن بالنسبة لحزب النداء الّذي اعتبر حكومة الترويكا عندما تجاوزت السَنتين  من إدارتها للبلاد حكومة غير شرعية و أن ّ السبيل لإسقاطها هو الشَارع، فكان اعتصام الرحيل بباردو ، ثم مقاطعة جزء من نوّاب كتل المعارضة جلسات المجلس، و وصل الضغط مداه عندما جمّد المسؤول الأول عن السّلطة التشريعيّة رئيس المجلس السيد مصطفى بن جعفر  عندما جمَد جلسات المجلس نهائيّا.

و لكن يبقى العنصر الأهمَ في الأزمة السَياسية التي عاشتها بلادنا هو الإغتيالات السَياسية الَتي ذهب ضحيتها  المناضل اليساري شكري بالعيد يوم 26 فيفري 2013، الذّي سقطت على إثره حكومة السّيد حمادي الجبالي الذي حاول أن ينقذ الوضع السَياسي للبلاد بمبادرة وطنية رائدة وافق عليها جلّ الفرقاء السّياسيين و الفاعلين الاجتماعيين في البلاد و لكن حركة النهضة أبت غير ذلك ، فازدادت الأوضاع تأزما و انقساما .  و خلف السّيد حمادي الجبالي السّيد على العريض في رئاسة الحكومة و لم يكن مصيرها أفضل من مصير سابقتها ، إذ وقع  بعد مدَة قصيرة من تشكَل  حكومة السَيد علي العريض اغتيال المناضل  محمدالبراهمي. و تضاعفت الضَغوطات على الحكومة و بلغ  الضَغط ذروته عندما أصبح التهديد بالعصيان المدني  و الإقتداء بالإنقلابيين في مصرمطلبا رئيسيا للمعارضة  إلى درجة  المناداة بالتّدخل الأجنبي و تحريض الجيش للانقلاب على الشّرعية من طرف جهات سياسية  معارضة لحكومة الترويكا ادّعت كذبا  و خداعا للرّاي العام أنها تدافع عن الدّيمقراطية و حقوق الإنسان. و تدخلت أطراف أجنبية في العملية السّياسية وخاصة منها الفرنسية و الأمريكية و الخليجية لتملي على حكومة الترويكا و خاصة الطرف الفاعل فيها حركة النهضة شروطها إن أرادت  هذه الأخيرة أن تنجو بجلدها و تجنب نفسها المصير المصري .

الحوار الوطني و مسلسل التنازلات :

إنقاذا للبلاد في الظّاهر ، و إنقلابا على الشّرعية في الجوهر، تنادت بعض الأطراف الوطنية بحوار وطني يشمل الأحزاب السَياسية والمنظمة  النقابية الاتحاد العام التونسي للشغل و منظمة الأعراف و منظمة  الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان و جمعية  عمادة المحامين . و تولت هذه الأخيرة ، الاتحاد العام التونسي للشغل، و اتحاد الصناعة و التجارة والجمعية التونسية لحقوق الانسان و منظمة المحامين رعاية هذا الحوار الوطني من أجل إيجاد مخرج وتوافقات للخروج من الأزمة التي تتخبط فيها البلاد . و تولَى ما أُطلق على تسميته بالرَباعي الرَاعي للحوار مهمَة المجلس التأسيسي ، تشريعا و تقنينا ، و لم يبق لهذا الأخير إلاَ التزكية و المباركة و إضفاء الشَرعيَة . و وافقت جلّ الأطراف السّياسية على ذلك بما في ذلك حركة النهضة الطرف الرّئيسي المعنيّ بهذه الأزمة .
 و وقع التوافق على استقالة حكومة السّيد على العريض بمجرد الانتهاء من الحسم في المسارات الأربع التّي تضمن التحول الدّيمقراطي السّلس و على رأسها الانتهاء من صياغة الدستور .
و يوم الانتهاء من صياغة الدستور و عرضه على التصويت النّهائي كان يوما مشهودا، على إثره استقالت حكومة السّيد على العريض و خلفتها حكومة السّيد مهدي جمعة لتكون حكومة  تصريف أعمال إلى غاية  إنجاز الانتخابات التشريعية و الرئاسية ، و أنّ لا يترشح أحد من أعضاءها لا للانتخابات التشريعية و لا الرّئاسية .
و استعادت الثورة المضادة عافيتها و بدأ مسلسل التنازلات في الضفة الأخرى يسابق الزمن للبرهنة على أنّ حركة النهضة مستعدة للتّعايش مع رموز الثورة المضادة ، المهم ان ترضى عنها القوى الأجنبية و وكلاءها في بلادنا و أن لا يقع تتَبع قيادات هذه الحركة في ملفات سياسية من مثل الهجوم على السّفارة الأمريكية  أو عمليَة رشّ المتظاهرين في سليانة أو فضيحة الهبة الصينية أو موت لطفي نقض  في مدينة تطاوين إثر مواجهات بين متظاهرين  أو اغتيال  شكري بلعيد و محمد البراهمي و قائمة الاتهامات طويلة  إن لم ترض الثورة المضادة

مسلسل التنازلات :

بدأ مسلسل التنازلات رسميَا يوم القبول بالمشاركة في الحوار الوطني واعتراف رئيس حركة النَهضة بأنه لا خيار له إلاَ القبول بذلك و إلاَ  فإنَ سقف البيت سيسقط على رؤوسهم جميعا .
و من التنازلات أيضا :
ــ قبول حكومة علي العريض بتصنيف حمعية أنصار الشريعة جمعية ارهابية ، ثم القبول بحل جمعية روابط الثورة في حكومة بن جمعة .  
ــ التّخلي عن تحديد سنّ المترشح للانتخابات الرئاسيّة .
ــ التّخلي عن مشروع قانون تحصين الثّورة .
ــ دعوة رئيس الحركة  بين الدَورتين للانتخابات الرّئاسية انتخاب الباجي قايد السّبسي .
ــ القبول بالمشاركة الجزئية جدّا في حكومة الصيد .
ــ الإنخراط  في الدّعوة و التّسويق لمشروع المصالحة الاقتصادية و الماليّة .
ــ السّكوت عن عزل بعض الأئمة المعروفين بولائهم لحركة النهضة بما فيهم الوزير السّابق للشؤون الدّينيّة في حكومتي الترويكا الأولى و الثّانية .
ــ القبول ببشار الأسد  كشريك في العملية السَياسية القادمة ، و أن لهذا الأخير أن يشارك  في المؤتمر القادم  للمصالحة العربية التي تعتزم تونس حسب دعوى رئيس حركة النهضة الدّعوة إليها .
ــ تعبير هذا الأخير أيضا عن استعداده لزيارة إيران ، القوََة التوسعية الجديدة على أساس طائفي في اكثر من بلد  العراق سوريا لبنان و اليمن، إلى غير ذلك من التنازلات المجانية التي كان رئيس الحركة يصر على إعلانها لطمأنة الأطراف الخارجية فيما يبدو على وجه الخصوص .
و نتيجة لهذا المسلك المبالغ فيه لإارضاء  القوى الإقليميّة و الدّولية المعادية في مجملها للتيارات الإسلامية و خاصة منها السّياسية سقطت قيادات النهضة و خاصة رئيسها في تناقضات كثيرة ومتعددة ورطته لدى شريحة واسعة من الشّعب ، و أدخلت البلبلة  وكثيرا من الحرج لدى  قطاع واسع أيضا من أنصار حركة النهضة ، و أحدثت معادلات يصعب فهمها لما تفتقده من خيط ناظم يربط بينها ، فنتج عن هذا التّوجه السّياسي المرتبك مفارقات غربية و عجيبة .

من مفارقات التّطبيع :

فبعد أن كان الباجي قايد السّبسي  رجلا متقدما في السّن لا يقدر على قيادة البلاد، و رجلا  من رجال النظام السّابق  و أخطر من السّلفيين و المتهم بتعذيب اليوسفيين، أصبح صديقا و رجلا وطنيَا و( كمان ) كاريزماتيا وذا تجربة كبيرة في الحكم و الدّيبلوماسية ، و رمزا فريدا لهيبة الدّولة و القانون .
و كذلك حزب نداء تونس ، بعد أن كان حزبا مشبوها صُنع لإعادة رسكلة رموز النظام القديم ، أصبح حزبا وطنيا إذا غرق غرقت سائر البلاد على حدّ تعبير أحدهم .
و من المفارقات أيضا أن حزب النَداء و حزب حركة النَهضة كانا خطَين متوازيين لا يلتقيان أبدا أثناء الحملة الإنتخابية للتشريعيات أصبحا بعد تشكيل حكومة الإتلاف  الرَباعي لحكومة السَيد الحبيب الصَيد وجهين لعملة واحدة
كذلك انخراط قيادة النهضة في الدَعوة لانتخاب الباجي قايد السبسي مرشح المنظومة القديمة ، وانخراط قواعد حزب حركة النهضة في الدَعوة لانتخاب السَيد المنصف المرزوقي مرشح المعارضة كان أمرا غير عاديَ.

كذلك  بشّار الأسد بعد أن كان مجرم حرب ، أصبح طرفا مقبولا  و يجب الحوار معه من أجل إيجاد حلّ سياسي لسوريا  .

التسويق الإعلامي و مغالطة الرأي العام :

و تلقى الإعلام المأجور هذه الرّسائل الصريحة و المشفرة من طرف الثورة المضادة في ثوبها الجديد ليسوّقوا لشخصية زعيم حركة النهضة و لحزبه  ، فبعد أن كان السّيد راشد الغنوشي زعيما للارهاب في تونس و في تنظيم الإخوان المسلمين العالمي ، أصبح رجلا و طنيا و زعيما للاسلام التونسي المعتدل وأصبح محلّ ثقة   للسيد الباجي قايد السبسي ، و أصبح الرّجل محل ترشيح لجهات مشبوهة لنيل جائزة رجل السّنة ، و من يدري قد يُرشح لنيل جائزة نوبل للسّلام فيما نستقدم من أيّام.
 كما أن حركة النهضة في ثوبها الجديد أصبحت بين عشية و ضحاها حركة وطنية مدنية لا يمكن أن تُحكم تونس بدون مشاركة هذه الأخيرة في الحكم

   الوفاق ، شعار صحيح  أُرِيد به مغالطة الرأي العام الوطني :

الوفاق و توحيد الكلمة أمر على غاية من الأهميّة و لا أحد  يستطيع  أن يقول خلاف ذلك . فالوفاق المبني على الصّدق و القيّم و المصلحة العامّة للبلاد  والخيارات الاستراتيجية  الكبرى لا يمكن أن يرفضه وطني شريف واحد، أمّا الوفاق المبني على الغشّ و التلاعب بمصالح الشّعب الحقيقية و الخضوع للشّروط الأجنبية و بيع السّيادة الوطنيّة في المزاد العلني ، فهذا خيانة و لا يمكن أن نقبل به كلفنا ذلك ما كلفنا
كما أنّ الوفاق الذّي يسوّي بين الضّحية و الجلاّد لا يمكن أن يمر أو نقبل به . و نفس الشيء بالنّسبة للوفاق الذي يرتهن العدالة الإجتماعية و يزيد الفقير فقرا و الثريّ ثراء من دون وجه حقّ نحاربه و نتصدّى له .
كذلك الوفاق الذي يفرغ العدالة الانتقالية من مضمونها و رسالتها الانسانية  لا يمكن أن يمر أحبّ من أحب و كره من كره .
فهذا النّوع من التّوافقات اللاوطنية لا نملك إلاَ أن  نحاربها و نتصدّى لها من دون أدنى شكّ ، فهي خطر على الوطن و الأمة .
فالشَعب التَونسي بلغ من النَضج و الوعي السَياسي ما يؤهله للتفريق بين الوفاق الصّحيح والوفاق المغشوش . التَونسي يعرف جيَدا أنَ هذا الذي أسْمَوْه وفاقا للمغالطة و الإيهام إنَما هو في حقيقته تطبيع  و تبعية و رضوخ لأرادة الأجنبي و لكن رجال السَياسة عندنا تنقصهم الشّجاعة و لا يحسنون غير الخداع و المخاتلة لشعوبهم لحساب أجندات أجنبية لا مصلحة لتونس فيها
التّطبيع أمره خطير وهو مسار يبدأ بالقبول و الإعتراف برموز الثّورة المضادة الذّين أذاقوا شعبنا الويلات ، قتلا و تعذيبا و حرمانا من أدني مقوّمات الحياة الكريمة ، مرورا بالتّطبيع مع مجرمي الحرب من أمثال بشّار الأسد ، و قد ينتهي بالتطبيع  ، منْ يدري، مع السّفاح عبدالفتاح السيسي  ثمَ رئيس حكومة الكيان الصهيوني نا تانياهو ، و لذا وجب على كلّ الوطنيين الأحرار و الشّرفاء أن يتصدَوا لكل مظاهر التّطبيع من اللحظة الأولي إن أرادوا أن يعيشوا على أرضهم أحرارا شرفاء .
 فما حققه الإنقلابيون من انقلاب على الشّرعية عن طريق العنف و الجبروت في مصر ، حققه الإنقلابيون و انصار الثّورة المضّادة في تونس و لكن بشكل ناعم ، فعدنا إلى المربع الأوّل الذّي خلنا أنفسنا قد غادرناه ، مربّع مقاومة الإستبداد من جديد . 

    مصطفى الونيسي  
   تونس 7 أكتوبر 2015