https://www.facebook.com/photo.php?fbid=916417131772590&set=a.314877761926533.74731.100002129367457&type=3
ركن الذاكرة الوطنية : من رموز الثورة على المستعمر الفرنسي
المجاهد البطل محمد قرفة رحمه الله تعالى الجزء الأول 1/2
البطل محمد قرفة هو بطل من أبطال الثورة على المستعمر الفرنسي في الجنوب التونسي. وهو أصيل منطقة الحوايا ، مثله كمثل رفيقه في المقاومة البطل الشهيد مصباح بن خليفة الجربوع، غير أن الأول كان من أنصار الأمانة العامة أي صالح بن يوسف، فكان مصيره شبيها بمصير زعيمه التعتيم الإعلامي و المحاكمات الظالمة ثم الشنق. أمّا مصباح الجربوع فقد كان من أنصار الديوان السياسي ، أي الحبيب بورقيبة ، وتبعا لذلك اشتهر وذاع صيته في كل البلاد التونسية . و للتاريخ فإن محمد قرفة لا يقل درجة في جهاده وإخلاصه لتونس و تفانيه في خدمتها بكل ما هو غال و نفيس عن رفيق دربه في المقاومة مصباح الجربوع غير أن الظروف السياسية القائمة على موازين القوى القاهرة في أحيان كثيرة خدمت الثاني أي مصباح و لم تخدم الأول. ونحن إذ نحاول التعريف بهذا البطل ،بما توفر لنا من ثائق جد محدودة،
فإننا نحاول رد الإعتبار إلى هؤلاء الرموز حتى تعرفهم الأجيال القادمة فتترحم عليهم و تفيهم حقهم من الإحترام و التقدير.
محمد قرفة- بثلاث نقاط على حرف القاف كان بالنسبة إلي الجيل الأول الذّي وُلد أثناء الإستقلال أو بعده مباشرة في تلك الجهة ، أي بني خداش و ما جاورها، أسطورة ملحمية تغنى بها الشعراء و ردد اسمها الوطنيون الأحرار. فمحمد قرفة بالنسبة للسيد عمار السوفي مؤرخ الحركة الوطنية في الجنوبالتونسي قد لعب أربعة أدوار في الحركة الوطنية، قلّ أن قام بها رجل أمّي في العالم. انضم هذا الرجل للمقاومة المسلحة وانخرط انخراطا كاملا في حركة الثوارسنة1952 1954، ثمّ سرعان ما أصبح قائدا لمجموعة من هؤلاء الثوار. كما أنّه أصبح قائدا صلبا و محنكا لثوار جيش التحرير الوطني في منطقة و رغمة 1956، وهي تُطلق تقريبا على كل الجنوب الشرقي. لقد ارتبط اسم محمد قرفة ،أثناء المفاوضاتالتونسية الفرنسية على الإستقلال التام، بجيش التحرير الوطني التونسي الذي أسسه الزعيم صالح بن يوسف سنة 1955قبل أن يغادر هذاالاخير أرض الوطن، وقد عُيِّن المناضل الطاهر الأسود قائدا عاما لهذا الجيش، ومحمد قرفة قائدا لفرقة ورغمة في جيش التحرير. خاض هذا الجيش معارك كثيرة حالفه الإنتصار في أغلبها رغم قلة العدد والعتاد مقارنة بعدد و عتاد الجيش الفرنسي المسنود بأنصار بورقيبة أنذاك. وكانت آخر معركة قُُبيل مفاوضات التسليم ( معركة جبل مغطى) بمنطقة أم العرائسعندما أعلنت فرنسا التخلي عن الجيش لصالح تونس. عندها وقع الإتفاق بين قادة جيش التحريرالوطني و أحد القادة الجزائريين للإتصال بالسّلط التونسية الرسمية للتفاوض، فسافر وفد من المقاومين ومعهم المناضل الجزائري و تقابلوا مع المناضلين الباهي الأدغم والطيب المهيري رحمهما الله اللذين وعدا مفاوضيهم بالسّلامة و الأمان في صورة القبول بتسليم الأسلحة، ولكنهما لم يضمنا في المناضل الهادي قدورة. و بالفعل تمّ تسليم جزء من الأسلحة بمنطقة –تلايت- من ولاية القصرين، ولكن هناك جزء من السلاح المتميّز مرره الثوار لإخوانهم الجزائريين قبل عملية التسليم.
و بناء على هذا التسليم شُكِلت في كامل المناطق لجان أطلِقَ عليها لجان الرعاية ، و هي لجان شبيهة بالميليشيات، مارست ضغوطات وتجاوزات تجاه من شايعوا الأمين العام صالح بن يوسف، فتعرض كثير من أهالي بني خداش و المناطق المجاورة لها لظلم شديد مارسته هذه اللجان، إلى درجة أن المناضل المبروك المشلوش بحسب رواية غرس الله المحضاوي توجه إلى بورقيبة قائلا: ( لقد تحملنا استعمار 70 سنة و لم نتحمل استعمار هذين الشهرين ).
لقد اتسمت تلك الفترة بالظلم و الحقد و الضغائن ، مما أتاح الفرصة للذين والوا بورقيبة ليعزلوا من شاءوا و ينصبوا من شاءوا حسب أهوائهم و من دون أن تكون لهم الحنكة السياسية، الامر الذي خلق جوّا من التوتر وتصفية الحسابات . هذا التوتر السياسي المشحون بالكره و التباغض دفع المناضل محمد قرفة إلى الثورة من جديد.
و سبب ذلك في الحقيقة ، أنّه لمّا وصلت بلدة بني خداش بعض المساعدات الإجتماعية لفقراء الحال،اتصل هذا الأخير بممثل السلطة محمد الصّغير الرّي- معتمد – يطلب منه أن يخصّ بعض الأرامل و الأيتام بنصيب منها، ولكن ممثل السلطة لمّا عَلِمَ أنّ هؤلاء الأرامل و الأيتام هم أبناء و أزواج لبعض شهداء جيش التحريررفض طلب محمد قرفة ، و هدده بأن لا يُعيد مثل هذا الطلب ففيه خطر على الطالب و المطلوب . ومما لا شك فيه لم ترض هذه المعاملة المجاهد محمد قرفة، فاتجه في الحال يطلب مقابلة محمد الأمين والي مدنين انذاك. فتجاهله هذا الأخير و رفض مقابلته، فتضاعف غضب محمد قرفة و عقد االعزم على الخروج للثورة من جديد. (1)
مصطفى عبدالله ونيسي/ باريس
1) المصدر الأساسي : بني خداش و جيرانها عبر الحركات النضالية/
عواصف الإستقلال للكاتب عمار السوفي/ و كذلك بعض المعلومات التي استقيناها عن طريق بعض الشهود
حبا! يبدو أنك وصلت إلى هنا عن طريق Google. هل تعلمـ(ين) أن تورس ليس جريدة إلكترونية، بل هو محرك بحث عن الأخبار؟ تفاصيل أكثر عن تورس موجودة هنا.المجاهد البطل محمد قرفة الجزء الأول ... بقلم مصطفى ونيسي
ركن الذاكرة الوطنية : من رموز الثورة على المستعمر الفرنسي
البطل محمد قرفة هو بطل من أبطال الثورة على المستعمر الفرنسي في الجنوب التونسي. وهو أصيل منطقة الحوايا ، مثله كمثل رفيقه في المقاومة البطل الشهيد مصباح بن خليفة الجربوع، غير أن الأول كان من أنصار الأمانة العامة أي صالح بن يوسف، فكان مصيره شبيها بمصير زعيمه التعتيم الإعلامي و المحاكمات الظالمة ثم الشنق. أمّا مصباح الجربوع فقد كان من أنصار الديوان السياسي ، أي الحبيب بورقيبة ، وتبعا لذلك اشتهر وذاع صيته في كل البلاد التونسية . و للتاريخ فإن محمد قرفة لا يقل درجة في جهاده وإخلاصه لتونس و تفانيه في خدمتها بكل ما هو غال و نفيس عن رفيق دربه في المقاومة مصباح الجربوع غير أن الظروف السياسية القائمة على موازين القوى القاهرة في أحيان كثيرة خدمت الثاني أي مصباح و لم تخدم الأول. ونحن إذ نحاول التعريف بهذا البطل ،بما توفر لنا من ثائق جد محدودة،
فإننا نحاول رد الإعتبار إلى هؤلاء الرموز حتى تعرفهم الأجيال القادمة فتترحم عليهم و تفيهم حقهم من الإحترام و التقدير.
محمد قرفة- بثلاث نقاط على حرف القاف كان بالنسبة إلي الجيل الأول الذّي وُلد أثناء الإستقلال أو بعده مباشرة في تلك الجهة ، أي بني خداش و ما جاورها، أسطورة ملحمية تغنى بها الشعراء و ردد اسمها الوطنيون الأحرار. فمحمد قرفة بالنسبة للسيد عمار السوفي مؤرخ الحركة الوطنية في الجنوبالتونسي قد لعب أربعة أدوار في الحركة الوطنية، قلّ أن قام بها رجل أمّي في العالم. انضم هذا الرجل للمقاومة المسلحة وانخرط انخراطا كاملا في حركة الثوارسنة1952 1954، ثمّ سرعان ما أصبح قائدا لمجموعة من هؤلاء الثوار. كما أنّه أصبح قائدا صلبا و محنكا لثوار جيش التحرير الوطني في منطقة و رغمة 1956، وهي تُطلق تقريبا على كل الجنوب الشرقي. لقد ارتبط اسم محمد قرفة ،أثناء المفاوضاتالتونسية الفرنسية على الإستقلال التام، بجيش التحرير الوطني التونسي الذي أسسه الزعيم صالح بن يوسف سنة 1955قبل أن يغادر هذاالاخير أرض الوطن، وقد عُيِّن المناضل الطاهر الأسود قائدا عاما لهذا الجيش، ومحمد قرفة قائدا لفرقة ورغمة في جيش التحرير. خاض هذا الجيش معارك كثيرة حالفه الإنتصار في أغلبها رغم قلة العدد والعتاد مقارنة بعدد و عتاد الجيش الفرنسي المسنود بأنصار بورقيبة أنذاك. وكانت آخر معركة قُُبيل مفاوضات التسليم ( معركة جبل مغطى) بمنطقة أم العرائسعندما أعلنت فرنسا التخلي عن الجيش لصالح تونس. عندها وقع الإتفاق بين قادة جيش التحريرالوطني و أحد القادة الجزائريين للإتصال بالسّلط التونسية الرسمية للتفاوض، فسافر وفد من المقاومين ومعهم المناضل الجزائري و تقابلوا مع المناضلين الباهي الأدغم والطيب المهيري رحمهما الله اللذين وعدا مفاوضيهم بالسّلامة و الأمان في صورة القبول بتسليم الأسلحة، ولكنهما لم يضمنا في المناضل الهادي قدورة. و بالفعل تمّ تسليم جزء من الأسلحة بمنطقة –تلايت- من ولاية القصرين، ولكن هناك جزء من السلاح المتميّز مرره الثوار لإخوانهم الجزائريين قبل عملية التسليم.
و بناء على هذا التسليم شُكِلت في كامل المناطق لجان أطلِقَ عليها لجان الرعاية ، و هي لجان شبيهة بالميليشيات، مارست ضغوطات وتجاوزات تجاه من شايعوا الأمين العام صالح بن يوسف، فتعرض كثير من أهالي بني خداش و المناطق المجاورة لها لظلم شديد مارسته هذه اللجان، إلى درجة أن المناضل المبروك المشلوش بحسب رواية غرس الله المحضاوي توجه إلى بورقيبة قائلا: ( لقد تحملنا استعمار 70 سنة و لم نتحمل استعمار هذين الشهرين ).
لقد اتسمت تلك الفترة بالظلم و الحقد و الضغائن ، مما أتاح الفرصة للذين والوا بورقيبة ليعزلوا من شاءوا و ينصبوا من شاءوا حسب أهوائهم و من دون أن تكون لهم الحنكة السياسية، الامر الذي خلق جوّا من التوتر وتصفية الحسابات . هذا التوتر السياسي المشحون بالكره و التباغض دفع المناضل محمد قرفة إلى الثورة من جديد.
و سبب ذلك في الحقيقة ، أنّه لمّا وصلت بلدة بني خداش بعض المساعدات الإجتماعية لفقراء الحال،اتصل هذا الأخير بممثل السلطة محمد الصّغير الرّي- معتمد – يطلب منه أن يخصّ بعض الأرامل و الأيتام بنصيب منها، ولكن ممثل السلطة لمّا عَلِمَ أنّ هؤلاء الأرامل و الأيتام هم أبناء و أزواج لبعض شهداء جيش التحريررفض طلب محمد قرفة ، و هدده بأن لا يُعيد مثل هذا الطلب ففيه خطر على الطالب و المطلوب . ومما لا شك فيه لم ترض هذه المعاملة المجاهد محمد قرفة، فاتجه في الحال يطلب مقابلة محمد الأمين والي مدنين انذاك. فتجاهله هذا الأخير و رفض مقابلته، فتضاعف غضب محمد قرفة و عقد االعزم على الخروج للثورة من جديد. (1)
مصطفى عبدالله ونيسي/ باريس
1) المصدر الأساسي : بني خداش و جيرانها عبر الحركات النضالية/
عواصف الإستقلال للكاتب عمار السوفي/ و كذلك بعض المعلومات التي استقيناها عن طريق بعض الشهود
مِـن رموز مقاومة المستعمر الفرنسي:
مصطفى عبدالله ونيسي/ باريس
المجاهد البطل محمد قرفة رحمه الله 2/2
القبض على البطل في مطماطة :
عندما لم يستمع إلى طلب محمد قرفة ، لا ممثل السلطة في بلدة بني خداش، و لا عامل الولاية ، عزم هذا الأخير على الثورة من جديد، ولكن هذه المرة ضد ممثلي السلطة الجديدة التي يتزعمها الحبيب بورقيبة وأنصاره.
خرج محمد قرفة صوب مطماطة يدعو أصدقاءه للعودة للثورة ، فأ لقي عليه القبض و سـُجِن بمطماطة في صيف 1956. كان الطقس شديد الحرارة، و كان السبيل الوحيد للخلاص من السجن هو أن يستغل المجاهد محمد قرفة ذكاءه و فطنته.
الفرار من السجن:
كان محمد قرفة يـُحضى بتقدير كبير من طرف كل من يعرفه، بما في ذلك حرّاس سجنه نظرا لشهرته الواسعة وماضيه المشرف على درب المقاومة المسلحة للمستعمر الفرنسي. التمس محمد قرفة من سجانيه أن يسمحوا له بالخروج إلى بهو السجن للتنعم بالهواء، وذلك لأن الغرفة التي يقبع بها كان حرّها شديدا ، فاستجاب سجّانوه لطلبه، وقد كانوا جميعا يتسامرون. وكان محمد قرفة قد أعد الخطـّة للفرار من السجن مُنذ الزوال، إذ طلب من سجانيه لـُمجة (1) حارّة ، فلبوا له طلبه . ولمّا طابت سهرة المتسامرين، تظاهر هذا الأخير بوجع شديد يمزق أمعاءه بسب الفلفل الحّار الّذي احتوت عليه تلك اللـّمجة . فطلب السّماح له بالخروج لقضاء الحاجة. فسـُمِحَ له بالخروج ولم يطل غيابه وعاد لمواصلة سمره مع سجـّانيه، و ما هي إلاّ لحظات حتى تظاهر بتضاعف أوجاعه من جديد ، وطلب الخروج لقضاء الحاجة مرة ثانية، فسُمح له. و أطال السجين غيابه هذه المرة أكثر من غيابه المرة الأولى بقليل، ثم عاد. و يتظاهر السجين للمرة الثالثة بتضاعف الأوجاع ويطلب الخروج لقضاء الحاجة كالعادة، إلا أنـّه في هذه المرة لم يعد إلى سجانيه مستغلا سذاجتهم وطيبتهم، ليدخل ظلام الليل كما يقال لا يلوي على شيء . وكان انتظار حرّاسه هذه المرّة لا حدود له.
وخرجت السّلطة على عجل من أمرها لتظفر به قبل فوات الأوان، إلا أنّهم لم يظفروا بشيء هذه المرّة.
أمّا المجاهد محمد قرفة فقد اتصل بصديقه خليفة بن خليفة المحضاوي القاطن بمنطقة < عزيزة> قرب معتمدية بني خداش ، فأخذ منه بندقية و جرابا من الذخيرة و <وزرة> وهي رداء خارجي من الصوف ثم اتجه نحو الجارة الشرقية لبلادنا تونس ليتصل بالزعيم الآخر صالح بن يوسف المقيم بطرابلس.
و هناك التقى الرّجلان ، فوعد صالح بن يوسف هذا الأخير بالدّعم المادّي و الأدبي والعسكري في صورة انتشار الثورة و توسعها .
عودة محمد القرفة لتونس ليقود الثورة من جديد:
عاد هذا الأخير لتونس وقد جمع حوله بعض الثـّوار، فدعاه ممثل السّلطة بالعدول عن عدائه للسـّلطة عن طريق محاولة أولى قام بهاعبدالله التـُركي، ولكن المحاولة باءت بالفشل الذ ّريع . وعندها عقد معتمد الجهة آنذاك محمّد الصّغير الرّي اجتماعا بكبار العروش حضرة قرابة 14 نفرا من بينهم عمار بن عيسى البارودي و علي بن خليفة المحضاوي و خليفة بن خليفة وطلب منهم أن يجدوا حلا للقضاء على تمرد محمد قرفة . و بعد مناقشات طويلة و مُضنية نظر أحد الحاضرين إلى خليفة بن خليفة و قال له : ( هذا صديقك وليس هناك من هو قادر على إقناعه بالعدول عن ثورته مثلك )
وذات ليلة بينما محمد الرّي نائما بمنزله طرق بابه خليفة بن خليفة ليُعلمه أنّه قد استقدم محمّد قرفة ليفاوضه، فاتجه محمد الرّي إلى المكان الواقع بشعبة حمزة صحبة خليفة بن خليفة ، فوجد فريقا من الثـّوار شاهري السـّلاح، وهو مظهر قد استاء منه ممثل السـّلطة . والتمس هذا الأخير من محمد قرفة العدول عن ثورته والاستسلام واعدا إيّاه بالسـّلامة و الأمن ، إلاّ أنّ محمد قرفة أصرّ على مواصلة ثورته قائلا : ( لن ألقِي سلاحي ما دام ذلك الخائن < مشيرا إلى مصباح الجربوع> يحكم البلاد )
القبض على محمد قرفة :
لقد كانت عمليّة القبض على محمد قرفة من أبشع الدّسائس الـّتي دُبِّرَتْ على تراب منطقة الحوايا . فالسّلطة لمّا استنفذت الوسائل السّلميّة في ثنيّ الثائر عن ثورته عمدت إلى الخيانة و الغدر، فكانت الطريقة التي اعتُمِدت في القبض عليه أكسبته تعاطفا متزايدا مِنْ قِبَلِ أجيال متعاقبة من أبناء المنطقة . فكيف يا تُرى وقع البطل في حبال السلطة الجديدة ؟
يقول ممثل السلطة محمد الرّي واصفا الطريقة الدنيئة التي اعتمدها للقبض على المجاهد محمد قرفة : ( بعد مقابلتي له و رفضه الاستجابة لطلبي ، كانت الخطـّة الثانيّة للإطاحة به جاهزة .) وتفاصيل العملية أنّ ممثل السّلطة هذا كلّف أحد أصدقاء محمّد قرفة لتنفيذ الخطّة ، فدعا هذا الأخير الثائر لتناول العشاء عنده < بعين تانوت > للتباحث معه في مطالب الثـّورة . ويقول ( الرّي) وحاول المُـضـّيِِفُ القضاء على ضَيْفِهِ فأطـْلَقَ عليه النـّارَ لمّا كان قابعا بالمغارة التي قد
أ ُسْتُضِيف فيها إلاّ أنّ الطـّلْقَة َ لم تصبهُ إلاّ بجرح بسيط في أنفه ، وعندها عمد محمد قرفة فورا لإطفاء المصباح الـّذي كان يُنِيرُ المكان. وعندئذ أوهم الـْمُضَيِّفُ البطل محمد قرفة بأنّه محاصر من كلِّ جهة وأخذ يتظاهر بإصدار أوامره بالحصار حتـّى وصلت القـُوّة ُ العسكريّة التي رافقتها ( المتحدث ممثل السلطة) مصحوبا بالشيخ محمد المهداوي و محمود الجباهي.
وعند وصول هذه القوات إلى مكان الحادثة، طلب ممثل السلطة من محمد قرفة الخروف ، ولكن هذا الأخير رفض . وعندها أمر (الرّي ) الحاضرين بجمع جريد النـّخل ليحرقه في مدخل المغارة. وعندها خرج محمد قرفة رافعا يديه واتجه إلى محمّد الرّي قائل: ( ما نـَدمت عليه أنـِّي لم أفتـَكْ بك حين تقابلنا سابقا، لكنـّي لا أعرف الخيانة و لم أتعلّم الغدر )
محاكمة محمّد قرفة :
عُرِض محمد قرفة على ما يُسمـّى بمحكمة الشـّعب ، وكانت محاكمته الخصم و الحَكمُ فيها واحد لا ثالث لهما .
حُوكِمَ مِنْ أجْلِ اتصاله بصالح بن يوسف في طرابلس و تسلمّه مبلغ 350 ألف فرنك لتكوين عصابات للتمرد على السلطة القائمة، وحُوكم أيضا من أجل رسائل حُجِزت مع المتهم بن جبيبة مُوجّهة إليه من صالح بن يوسف يطالبه في الإستمرار في التمرد.
و يبدو أنّ محمد قرفة لـُفِـقـَتْ لَهُ تـُهْمـَة ُ قتل (إبراهيم الهمـّامِي) التي أنكرها محمد قرفة بشدة . لا شك أن إبراهيم الهمامي قُتِلَ من طرف ثـُوّار اليوسفية لإظهاره الشـّماتة بقتلاهم بمعركة ( مقرّ ) و ( مسالخ ) إلاّ أنّه لم يثبت أنّ القائم بعملية القتل محمد قرفة .
وحُكم عليه رحمه الله بالإعدام شنقا، و نُفِذ َ فيه الحكم ، ولم تشفع له بطولاته و نضالاته ضد المستعمر الغاشم و هو القائل : (لـَنْ أسَلـِّمَ سِلاحِي و بورقيبة يقبع في المنفى ).
و دون أن ننحاز لهذا الفريق أو ذاك ، يقول مؤرخ الحركة الوطنية في الجهة: ( مهما كان حجم الخطر الذي يمثله هذا الرّجل في عدائه للبورقيبية كمشروع دولة ناشئة، فإنّ ذلك لا يبرر أن تُلصَق به تهمة ارتكاب جريمة اقترفها غيره، ويُحكم عليه بالإعدام ، ويقع تنفيذ الحكم فيه دون اعتبار ما قدمه للوطن من خدمات)(1)
مِنْ أقْوالِه الخالدة :
عندما سُئِلَ محمد قرفة أثناء جلسة محاكمته عن أسباب تمرده قال: (لقد قـُمتُ بأعمال كبيرة ، وكافحت كفاحا شديدا ضدّ فرنسا في سنة 1952 ولو اعتقلتني لقطعتني إربا إربا.
لقد كنتُ أمـْكـُثُ بدون أكلٍ مدّة 12 يوما، ولا أسمح لنفسي بنهب إخواني التونسيين وأكتفي بأكل النـّباتِ . )
و يقول ُ أيضا : ( أنا كما ترون جاهل لا أحسِن ُ القراءة ، وكانوا يقولون لنا أنّ فرنسا لم تعطنا الاستقلال بعد، و التراب العسكري سيبقى لها، و يجب العودة إلى الكفاح فعدنا )
و حول ظروف القبض عليه وما لقيه من عذاب من أجل انتزاع اعترافات أكره عليها تحت وطأة العذاب يقول : ( كنت ذات ليلة أتناول العشاء إذ أطلقت علينا طلقات ناريّة ، فأصِبْتُ في أنفي واعتقلوني. و بقيت شهرا و25يوما تحت الضّربِ و العذاب، و أنا موثوق بالحبال، وأخيرا قلت لهم : أكتبوا ما تريدون وأمام الله نتقابل )(2) .
دور جيش التحرير في الإسراع بمنح تونس استقلالها التّام:
ولئن كانت ضحايا حروب جيش التحرير مرتفعة، إلا ّ أنّـها كانت وسيلة ضغط على فرنسا لتمنح
تونس دون تردد استقلالها التام . هذا ما ترجمت عنه الأشعار الشعبية التي كانت تـُمجد ُ أبطال جيش التحرير الوطني و منها هذه المقطوعة لـ(نصر عويدات ) التي كانت سببا لسجنه سنة 1957:
مـَهْدِي وبـوعْبـِدِي و محضـَاوي (3) اللِّجَابُوا لِسْتِقْلاَلْ
كُلْ وَاحِدْ بِشَجَاعَة َ رَاوِي مْنِينْ شَدّ ُوا لَجْبَالْ
عَمْ سِتـَّه طـَلـْعـَت ْ هَـا الثـَّوْرَه اللِّمَاتَحْمِلْشِي الذ ّ ُلْ
طـَلـَعْ فِيهَا الرَّايس قـَرْعُـوا لـَهْ صَامِدْ لِلْمُحْتـَلْ
اللِّمَا يـَعْرِفـشْ ، انـْسـَمـِّهُـولـَه ْ سِي قــَرْفـَهْ مـْغـَوَّلْ
هـَا القــَايـَدْ نـَعـْطِيكَ انْزُولـَهْ اللـِّشِبْحـَه يـَخـْتـَلْ
مـَعـَاهْ جـِيشْ اللـِّحـَبْ المُولـَه جَابوا الاستقلال الكُلْ
خـَلـّـُوا تـُونِسْ صِبْحَتْ دُولـَه تـْنـَوَّرْ كـُلْ عـْمـَلْ (4)
و في مقطع آخر يتغنى الشاعر (فرح دبوبه) قائد إحدى فِرق أغـْبُنـْتـُنْ الشهيرة عند أهل الجنوب ببطولة محمد قرفة، فيقول:
محمد قــَرفـَه وِمْعَاهْ جْمَاعَة وقـَالـُوا انـْمـُوتـُوا عـَلـَى عـَلـَم البِلا َدْ
اِسـْخـَنْ الدَّمْ رَفـْعَتْهُمْ شجَاعة وَقـَالـَّكْ طـَبـّـُوا على الكافر اِقـْصـَادْ
بالرفـَايْ إمْنـِينْ ثـَبِّتْ أصْبَاعَهْ وَلــَّتْ طــَايْـحَهْ كـَالْجَرَاد
رحم الله تعالى شهداءنا الأبرار الذين ضحوا بالغالي و النفيس من أجل أن تستقل تونس وتصبح بلدا ذا سيادة ، فأين نقف اليوم ، نحن جيل الاستقلال من هذا الاستقلال.
الخميس 9/3/2010
مصطفى عبدالله ونيسي/ باريس
1)عمار السوفي : عواصف الاستقلال ص214
2) الصباح 3جويلية 1957ص2و3العدد1724
3) مهدي، و بوعبيدي و محضاوي،هذه عروش من الحوايا شارك عدد من أبناءها في الثورة على المستعمر الفرنسي
4) ملاحظة لمن أراد أن يقرأ الشعر الشعبي ، فإن قاعدة العرب لا تبدأ ُ بساكن لا تنطبق عليه، فأعلب الكلمات تبدأ بساكن، تلك هي أحكام اللغة الدارجة عند أغلب أهل الجنوب تقريبا.
مصدر الخبر : بريد الــحــــوار نــــت | ![]() | ![]() | ![]() |
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire