Articles les plus consultés

mercredi 7 octobre 2015

الإنزلاق نحو مُستنقع التّطبيع






الإنزلاق نحو مُستنقع التّطبيع        
                                                      مصطفى الونيسي
ثورات الرَبيع العربي و حالات التَطويع

عرفت ثورات ما يُسمَى بالرَبيع العربي حالات من التَطويع مختلفة منها العنيف، و منها النَاعم . و المقصود بالتَطويع في صياغته السَياسيَة هو 
التّطبيع الّذي قاومته تيارات وطنية كثيرة ، قوميَة و إسلاميَة و يساريَة و مناضلين مستقلين  على امتداد  عقود طويلة ، نظرا   لخطره على مستقبل الأمّة  و سيادتها  وأمنها القومي . وهو مسار طويل  يبدأ بغزو النّفوس الضّعيفة  ليبث فيها سمومه  قطرة قطرة  ثم َ يصبح  رأيَا عاما  يُزرع في جسد  أمتنا  العليل الّذي لم يتعاف بَعْدُ من تخلفه الحضاري
والمقصود بالتّطبيع  سياسياَ  على المستوى الخارجي هو الإصرار على التّبعية العمياء للغرب عموما ، و لأعداء الأمّة خصوصا و خاصة منهم الكيان الصهيوني العنصري المغتصب للأرض الفلسطينية، أمّا على المستوى الدّاخلي فالمقصود به هو  إيجاد المبررات السّياسية و الاقتصادية و الأمنية للإرتماء في أحضان وكلاء القوى الدّولية من بني جلدتنا. و أخطر شيء في التّطبيع هو أنّه يستهدف أوّل ما يستهدف سيادتنا الوطنيّة و كرامتنا و حريتنا و هويتنا العربية و الإسلامية. و هي لعمري مبررات كافية لأخذ الحيطة اللازمة حتى لا تُستدرج بلادنا نحو هذا المطبّ الخطير الذّي اصطلح سياسيّا على تسميته  بالتّطبيع .
وقوى  التّطبيع أو التّطويع استطاعت  لما تشتمل  عليه من قوّة و نفاذ  في ظرف وجيز، مستعملة وسائلها التَقليدية المعروفة في التّرغيب و التّرهيب، أن تحتوي و تلتَف على ما يُسمّى بثورات الرّبيع العربي. لقد استكثرت علينا هذه القوى أن نفرح بنتائج تصميمنا على التّخلص من جلاّدينا ، أو أن نحلم بتحوّلٍ ديمقراطي سلمي يضمن لشعوبنا حياتا كريمة أساسها الحرَية و الكرامة و العدالة الاجتماعية و المساواة في الحقوق و الواجبات ...   فوقع الانقلاب على الشّرعية في مصر بدعم مباشر سعودي ، إمارتي ....، و حوّلوا الثورة السّورية من ثورة سلمية إلى حرب أهليّة أتت على الأخضر و اليابس و أصبحت سوريا أرضا مستباحة للإرهاب بجميع أشكاله و التّدخل الأجنبي بجميع أصنافه من إيرانيين  و روس  و صنيين  و أوروبيين و أمريكيين ...
و كذلك الثورة في ليبيا و اليمن لم تكن أحسن حالا .
 أمّا الحالة التَونسية منطلق ثورات الرّبيع العربي فقد اختلف شكل الإحتواء و الإتفاف على ثورتها مقارنة مع بقيَة ثورات الرَبيع العربي .

 فما هي مظاهر انتكاسة ثورة 17 ديسمبر 2010 / 14 جانفي 2011 ؟

الثّورة التونسية و مسار الانتكاسة :

انتخابات 23 اكتوبر 2011

كان يوم 23 اكتوبر2011  يوما فارقا في الحياة السّياسية في تونس . ففي انتخابات حرّة و شفافة تعرفها بلادنا لأوّل مرّة اختار الشّعب قواه الوطنية و السّياسية التي ينبغي أن تحكمه  مؤقتا  من أجل صياغة دستور جديد وتحقيق انتقال ديمقراطي سلس نحو بناء نظام للجمهورية الثّانية . و آلت السّلطة بمقتضى نتائج هذه الانتخابات إلى حزب حركة النَهضة صاحبة الأغلبية النّسبية و شرِيكيْها في الحكم حزبيْ التَكتل من أجل العمل و الحرَيات  و المؤتمر من أجل الجمهورية ، و تشكلت حكومة الترويكا بقيادة السّيد حمادي الجبالي الأمين العام لحركة النّهضة على أساس من المحاصصة الجزبية و ليس على أساس الكفاءة و التجربة و التّرفق بالمصلحة العامة للبلاد . كما أنّ التَعيينات داخل الأحزاب و خاصة حركة النهضة للوزراء و كبار موظفي الدّولة كان على أساس الولاءات  الحزبية  الضّيقة و لم يكن على أساس الكفاءة و التجربة . و باشرت الحكومة مهامها و كانت النتائج مخيبة للآمال ، فلم تجد الطّريق للسَيطرة على الواقع المعقّد  و المركب، سواء على المستوى السّياسي أو الإقتصادي أو الأمني ..
 و من الأسباب الأساسية  لهذا الفشل الذَريع نذكر على سبيل المثال لا الحصر، وذلك لأن الإلمام بكلَ الأسباب يحتاج إلى تقييم شامل لأداء حكومات ما بعد الثّورة
فمن الأسباب :
 ـ ضعف الحكومة  و تردَدها لعدم إلمامها بالملَفات ، و قلَة حيلتها أمام شبه مقاطعة الإدارة ،الموالية  في جزء كبير من موظفيها للنَظام القديم ، لأوامرها، و خاصة في وزارة الدّاخلية التّي يبدو أنها كانت  مخترقة.  
و لعلّ أهم دليل على هذا ، ذاك الهجوم على السّفارة الأمريكية الّذي أضر كثيرا بعلاقة بلدنا بالإدارة الأمريكية .

 ـ  تصلب الأطراف الاجتماعية و خاصة منها الاتحاد العام التونسي للشّغل ، و تضاعف الإضرابات و الاعتصامات  المشروعة أحيانا و المشبوهة في أغلب الأحيان.

ـ الاستهتار بالقانون و قدسيّة العمل و الخلط بين الحريّة و روح المسؤولية من ناحية و الفوضى من ناحية أخرى عند المواطن العادي .

ـ التّجاذبات السّياسية و الانتصار للأحزاب على حساب الوطن و الشّعب ، و الحرص على الحضور في المشهد الإعلامي لتسجيل بعض المواقف الحزبية و التي لا شأن للوطن فيها . و الغريب أنّ هذه الظاهرة طالت الكثير من الوزراء و نوّاب المجلس التأسيسي ، فلم نكن نرى لهم حضورا على  الميدان  يذكر يعالجون مشاكل المواطنين و ما أكثرها ، و كنا نرى لهم حضورا دائما في المشهد الإعلامي  و هم منتشون ينتصرون لأنفسهم و دكاكينهم الحزبية الضَيقة إلى درجة أخلوا فيها بهيبة الدّولة و رجل الدّولة فعافهم المواطن و لم يعد يحترمهم.

ـ تفشّي الخطاب الخشبي للأحزاب السّياسية بعيدا عن مراعاة المصلحة العامة للإنتقال الدّيمقراطي ، بما في ذلك خطاب حركة النهضة الطَرف الرّئيسي في الإتلاف الحكومي التي كان يصرح زعماؤها و خاصة رئيسها بأن شباب السَلفية يذّكره بأيّام شبابه، و أن الباجي قائد السبسي هو أخطر من السّلفية و أنّ حزبه عبارة عن إعادة رسكلة لرموز النظام القديم و أن الإجتماع بهؤلاء و الحوار معهم أمر مستحيل . و كذلك لا ننسى حملة < إكبس > التي قادها السّيد لطفي زيتون ، و الذّي هدَد بنشر قائمة سوداء في الإعلاميين الفاسدين الذّين تعاملوا مع نظام الرّئيس المخلوع .  كذلك لا يمكن أن ننسى تلك الصورة المتهكمة من المعارضة في الخطاب النهضوي عند وصفهم للمعارضة بأنها معارضة صفر فاصل صفر0.02 أو 0.03 . كذلك لا يمكن أن ننسى مداخلة السّيد وليد البناني في سجال  تلفزي واصفا السّيد الباجي قايد السّبسي بأنه عجوز خرف و أن مكانه الطّبيعي هو مآوى العجز ، و كذلك خطاب - قُلْ مُوتُوا بغيظكم - الذي يعكس منسوبا كبيرا من النرجسية و الغرور و الإنتشاء ......

ـ تأدّلج المعارضة و خاصة منها اليسارية التي لا تتحرج من  الاستقواء بالأجنبي أو تحريض الجيش من أجل إسقاط حكومة وطنية ، كانت إفرازا لانتخابات حرّة و ديمقراطية . وكذلك الشّأن بالنسبة لحزب النداء الّذي اعتبر حكومة الترويكا عندما تجاوزت السَنتين  من إدارتها للبلاد حكومة غير شرعية و أن ّ السبيل لإسقاطها هو الشَارع، فكان اعتصام الرحيل بباردو ، ثم مقاطعة جزء من نوّاب كتل المعارضة جلسات المجلس، و وصل الضغط مداه عندما جمّد المسؤول الأول عن السّلطة التشريعيّة رئيس المجلس السيد مصطفى بن جعفر  عندما جمَد جلسات المجلس نهائيّا.

و لكن يبقى العنصر الأهمَ في الأزمة السَياسية التي عاشتها بلادنا هو الإغتيالات السَياسية الَتي ذهب ضحيتها  المناضل اليساري شكري بالعيد يوم 26 فيفري 2013، الذّي سقطت على إثره حكومة السّيد حمادي الجبالي الذي حاول أن ينقذ الوضع السَياسي للبلاد بمبادرة وطنية رائدة وافق عليها جلّ الفرقاء السّياسيين و الفاعلين الاجتماعيين في البلاد و لكن حركة النهضة أبت غير ذلك ، فازدادت الأوضاع تأزما و انقساما .  و خلف السّيد حمادي الجبالي السّيد على العريض في رئاسة الحكومة و لم يكن مصيرها أفضل من مصير سابقتها ، إذ وقع  بعد مدَة قصيرة من تشكَل  حكومة السَيد علي العريض اغتيال المناضل  محمدالبراهمي. و تضاعفت الضَغوطات على الحكومة و بلغ  الضَغط ذروته عندما أصبح التهديد بالعصيان المدني  و الإقتداء بالإنقلابيين في مصرمطلبا رئيسيا للمعارضة  إلى درجة  المناداة بالتّدخل الأجنبي و تحريض الجيش للانقلاب على الشّرعية من طرف جهات سياسية  معارضة لحكومة الترويكا ادّعت كذبا  و خداعا للرّاي العام أنها تدافع عن الدّيمقراطية و حقوق الإنسان. و تدخلت أطراف أجنبية في العملية السّياسية وخاصة منها الفرنسية و الأمريكية و الخليجية لتملي على حكومة الترويكا و خاصة الطرف الفاعل فيها حركة النهضة شروطها إن أرادت  هذه الأخيرة أن تنجو بجلدها و تجنب نفسها المصير المصري .

الحوار الوطني و مسلسل التنازلات :

إنقاذا للبلاد في الظّاهر ، و إنقلابا على الشّرعية في الجوهر، تنادت بعض الأطراف الوطنية بحوار وطني يشمل الأحزاب السَياسية والمنظمة  النقابية الاتحاد العام التونسي للشغل و منظمة الأعراف و منظمة  الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان و جمعية  عمادة المحامين . و تولت هذه الأخيرة ، الاتحاد العام التونسي للشغل، و اتحاد الصناعة و التجارة والجمعية التونسية لحقوق الانسان و منظمة المحامين رعاية هذا الحوار الوطني من أجل إيجاد مخرج وتوافقات للخروج من الأزمة التي تتخبط فيها البلاد . و تولَى ما أُطلق على تسميته بالرَباعي الرَاعي للحوار مهمَة المجلس التأسيسي ، تشريعا و تقنينا ، و لم يبق لهذا الأخير إلاَ التزكية و المباركة و إضفاء الشَرعيَة . و وافقت جلّ الأطراف السّياسية على ذلك بما في ذلك حركة النهضة الطرف الرّئيسي المعنيّ بهذه الأزمة .
 و وقع التوافق على استقالة حكومة السّيد على العريض بمجرد الانتهاء من الحسم في المسارات الأربع التّي تضمن التحول الدّيمقراطي السّلس و على رأسها الانتهاء من صياغة الدستور .
و يوم الانتهاء من صياغة الدستور و عرضه على التصويت النّهائي كان يوما مشهودا، على إثره استقالت حكومة السّيد على العريض و خلفتها حكومة السّيد مهدي جمعة لتكون حكومة  تصريف أعمال إلى غاية  إنجاز الانتخابات التشريعية و الرئاسية ، و أنّ لا يترشح أحد من أعضاءها لا للانتخابات التشريعية و لا الرّئاسية .
و استعادت الثورة المضادة عافيتها و بدأ مسلسل التنازلات في الضفة الأخرى يسابق الزمن للبرهنة على أنّ حركة النهضة مستعدة للتّعايش مع رموز الثورة المضادة ، المهم ان ترضى عنها القوى الأجنبية و وكلاءها في بلادنا و أن لا يقع تتَبع قيادات هذه الحركة في ملفات سياسية من مثل الهجوم على السّفارة الأمريكية  أو عمليَة رشّ المتظاهرين في سليانة أو فضيحة الهبة الصينية أو موت لطفي نقض  في مدينة تطاوين إثر مواجهات بين متظاهرين  أو اغتيال  شكري بلعيد و محمد البراهمي و قائمة الاتهامات طويلة  إن لم ترض الثورة المضادة

مسلسل التنازلات :

بدأ مسلسل التنازلات رسميَا يوم القبول بالمشاركة في الحوار الوطني واعتراف رئيس حركة النَهضة بأنه لا خيار له إلاَ القبول بذلك و إلاَ  فإنَ سقف البيت سيسقط على رؤوسهم جميعا .
و من التنازلات أيضا :
ــ قبول حكومة علي العريض بتصنيف حمعية أنصار الشريعة جمعية ارهابية ، ثم القبول بحل جمعية روابط الثورة في حكومة بن جمعة .  
ــ التّخلي عن تحديد سنّ المترشح للانتخابات الرئاسيّة .
ــ التّخلي عن مشروع قانون تحصين الثّورة .
ــ دعوة رئيس الحركة  بين الدَورتين للانتخابات الرّئاسية انتخاب الباجي قايد السّبسي .
ــ القبول بالمشاركة الجزئية جدّا في حكومة الصيد .
ــ الإنخراط  في الدّعوة و التّسويق لمشروع المصالحة الاقتصادية و الماليّة .
ــ السّكوت عن عزل بعض الأئمة المعروفين بولائهم لحركة النهضة بما فيهم الوزير السّابق للشؤون الدّينيّة في حكومتي الترويكا الأولى و الثّانية .
ــ القبول ببشار الأسد  كشريك في العملية السَياسية القادمة ، و أن لهذا الأخير أن يشارك  في المؤتمر القادم  للمصالحة العربية التي تعتزم تونس حسب دعوى رئيس حركة النهضة الدّعوة إليها .
ــ تعبير هذا الأخير أيضا عن استعداده لزيارة إيران ، القوََة التوسعية الجديدة على أساس طائفي في اكثر من بلد  العراق سوريا لبنان و اليمن، إلى غير ذلك من التنازلات المجانية التي كان رئيس الحركة يصر على إعلانها لطمأنة الأطراف الخارجية فيما يبدو على وجه الخصوص .
و نتيجة لهذا المسلك المبالغ فيه لإارضاء  القوى الإقليميّة و الدّولية المعادية في مجملها للتيارات الإسلامية و خاصة منها السّياسية سقطت قيادات النهضة و خاصة رئيسها في تناقضات كثيرة ومتعددة ورطته لدى شريحة واسعة من الشّعب ، و أدخلت البلبلة  وكثيرا من الحرج لدى  قطاع واسع أيضا من أنصار حركة النهضة ، و أحدثت معادلات يصعب فهمها لما تفتقده من خيط ناظم يربط بينها ، فنتج عن هذا التّوجه السّياسي المرتبك مفارقات غربية و عجيبة .

من مفارقات التّطبيع :

فبعد أن كان الباجي قايد السّبسي  رجلا متقدما في السّن لا يقدر على قيادة البلاد، و رجلا  من رجال النظام السّابق  و أخطر من السّلفيين و المتهم بتعذيب اليوسفيين، أصبح صديقا و رجلا وطنيَا و( كمان ) كاريزماتيا وذا تجربة كبيرة في الحكم و الدّيبلوماسية ، و رمزا فريدا لهيبة الدّولة و القانون .
و كذلك حزب نداء تونس ، بعد أن كان حزبا مشبوها صُنع لإعادة رسكلة رموز النظام القديم ، أصبح حزبا وطنيا إذا غرق غرقت سائر البلاد على حدّ تعبير أحدهم .
و من المفارقات أيضا أن حزب النَداء و حزب حركة النَهضة كانا خطَين متوازيين لا يلتقيان أبدا أثناء الحملة الإنتخابية للتشريعيات أصبحا بعد تشكيل حكومة الإتلاف  الرَباعي لحكومة السَيد الحبيب الصَيد وجهين لعملة واحدة
كذلك انخراط قيادة النهضة في الدَعوة لانتخاب الباجي قايد السبسي مرشح المنظومة القديمة ، وانخراط قواعد حزب حركة النهضة في الدَعوة لانتخاب السَيد المنصف المرزوقي مرشح المعارضة كان أمرا غير عاديَ.

كذلك  بشّار الأسد بعد أن كان مجرم حرب ، أصبح طرفا مقبولا  و يجب الحوار معه من أجل إيجاد حلّ سياسي لسوريا  .

التسويق الإعلامي و مغالطة الرأي العام :

و تلقى الإعلام المأجور هذه الرّسائل الصريحة و المشفرة من طرف الثورة المضادة في ثوبها الجديد ليسوّقوا لشخصية زعيم حركة النهضة و لحزبه  ، فبعد أن كان السّيد راشد الغنوشي زعيما للارهاب في تونس و في تنظيم الإخوان المسلمين العالمي ، أصبح رجلا و طنيا و زعيما للاسلام التونسي المعتدل وأصبح محلّ ثقة   للسيد الباجي قايد السبسي ، و أصبح الرّجل محل ترشيح لجهات مشبوهة لنيل جائزة رجل السّنة ، و من يدري قد يُرشح لنيل جائزة نوبل للسّلام فيما نستقدم من أيّام.
 كما أن حركة النهضة في ثوبها الجديد أصبحت بين عشية و ضحاها حركة وطنية مدنية لا يمكن أن تُحكم تونس بدون مشاركة هذه الأخيرة في الحكم

   الوفاق ، شعار صحيح  أُرِيد به مغالطة الرأي العام الوطني :

الوفاق و توحيد الكلمة أمر على غاية من الأهميّة و لا أحد  يستطيع  أن يقول خلاف ذلك . فالوفاق المبني على الصّدق و القيّم و المصلحة العامّة للبلاد  والخيارات الاستراتيجية  الكبرى لا يمكن أن يرفضه وطني شريف واحد، أمّا الوفاق المبني على الغشّ و التلاعب بمصالح الشّعب الحقيقية و الخضوع للشّروط الأجنبية و بيع السّيادة الوطنيّة في المزاد العلني ، فهذا خيانة و لا يمكن أن نقبل به كلفنا ذلك ما كلفنا
كما أنّ الوفاق الذّي يسوّي بين الضّحية و الجلاّد لا يمكن أن يمر أو نقبل به . و نفس الشيء بالنّسبة للوفاق الذي يرتهن العدالة الإجتماعية و يزيد الفقير فقرا و الثريّ ثراء من دون وجه حقّ نحاربه و نتصدّى له .
كذلك الوفاق الذي يفرغ العدالة الانتقالية من مضمونها و رسالتها الانسانية  لا يمكن أن يمر أحبّ من أحب و كره من كره .
فهذا النّوع من التّوافقات اللاوطنية لا نملك إلاَ أن  نحاربها و نتصدّى لها من دون أدنى شكّ ، فهي خطر على الوطن و الأمة .
فالشَعب التَونسي بلغ من النَضج و الوعي السَياسي ما يؤهله للتفريق بين الوفاق الصّحيح والوفاق المغشوش . التَونسي يعرف جيَدا أنَ هذا الذي أسْمَوْه وفاقا للمغالطة و الإيهام إنَما هو في حقيقته تطبيع  و تبعية و رضوخ لأرادة الأجنبي و لكن رجال السَياسة عندنا تنقصهم الشّجاعة و لا يحسنون غير الخداع و المخاتلة لشعوبهم لحساب أجندات أجنبية لا مصلحة لتونس فيها
التّطبيع أمره خطير وهو مسار يبدأ بالقبول و الإعتراف برموز الثّورة المضادة الذّين أذاقوا شعبنا الويلات ، قتلا و تعذيبا و حرمانا من أدني مقوّمات الحياة الكريمة ، مرورا بالتّطبيع مع مجرمي الحرب من أمثال بشّار الأسد ، و قد ينتهي بالتطبيع  ، منْ يدري، مع السّفاح عبدالفتاح السيسي  ثمَ رئيس حكومة الكيان الصهيوني نا تانياهو ، و لذا وجب على كلّ الوطنيين الأحرار و الشّرفاء أن يتصدَوا لكل مظاهر التّطبيع من اللحظة الأولي إن أرادوا أن يعيشوا على أرضهم أحرارا شرفاء .
 فما حققه الإنقلابيون من انقلاب على الشّرعية عن طريق العنف و الجبروت في مصر ، حققه الإنقلابيون و انصار الثّورة المضّادة في تونس و لكن بشكل ناعم ، فعدنا إلى المربع الأوّل الذّي خلنا أنفسنا قد غادرناه ، مربّع مقاومة الإستبداد من جديد . 

    مصطفى الونيسي  
   تونس 7 أكتوبر 2015


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire