Articles les plus consultés

mardi 21 avril 2015

للأرشيف


******************
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد الصادق الأمين
الرسالة التي أخطأت وجهتها وعدمت وجاهتها
(الجزء الرابع)


اطّلعت – على عجل، وأنا على أهبة سفر – على مقال للأستاذ “مصطفى لونيسي” بعنوان ” لا يا أمير الدّعاة ما أخطأت رسالتنا وجهتها ” ردّا منه على ما كنت نشرته بموقعيْ “تونس نيوزنت” و”الحوار نت” من مقالات بعنوان: ” الرّسالة التي أخطأت وجهتها “، نقدا لرسالة الأستاذ لونيسي، التي كان وجّهها إلى وزير الشئون الدينية التونسي بوبكر الخزوري. ولم يتيسر لي ألاّ اليوم نشر ما كنت وعدت به من مزيد نقد لرسالة الأستاذ ” لونيسي” تلك، وذلك للإبانة عن انعدام وجاهتها بعد أن كنت بيّنت في تلك المقالات السّابقة خطأ وجهتها، مرجئا تعقيبي على ردّ الأستاذ “لونيسي” الأخير لوقت لاحق، إن شاء الله.
تناقض في مواقف الأستاذ ” لونيسي” إزاء قضية الحجاب
وممّا يثير الحيرة من خطاب السيّد “لونيسي”، تناقض مواقفه إزاء قضية الحجاب؛ ففيما نراه من جهة، يُعرب في رسالته هذه عن انشغاله بحال المحجّبات التونسيات، وما يعانينه بسبب المنشور 108 من متاعب، حيث قال ” أُصارحكم سعادة الوزير أنّ حال المحجبّات في بلادي وما يعشنه يشغلني ويشغل جزءا كبيرا من التونسيين. إنّ ما يُعرف بمنشور108 القاضي بمنع الحجاب، بحجة أنّه لباس طائفي، في المؤسسات العمومية قد تسبب تطبيقه في الكثير من المتاعب لتونسيات كثيرات، هنّ أمّهاتنا وأخواتنا وبناتنا وزوجاتنا، من طالبات وتلميذات وموظّفات وعاملات..”[1]. 
واهتمام الأستاذ “لونيسي” لمحنة المحجبات، واهتمامه بأمرهنّ موقف محمود يشكر عليه.
غير أنّا وجدنا – من جهة أخرى – للأستاذ لونيسي موقفا آخر مخالفا لهذا، أنكر فيه الحرب على الحجاب! وذلك في تصريحه الذي كان أدلى به إلى صحيفة “الحقائق الدولية” (الاليكترونية) بتاريخ 2 سبتمبر 2007 إثر عودته من زيارته التاريخية لتونس، ونشر كذلك بموقع “تونس نيوز” يوم 3 سبتمبر 2007 حيث قال “لونيسي” صراحة: ” أما عن الحجاب..شخصياً لم أر حرباً لا جزئية ولا شاملة، قد يكون ذلك بسبب قصر المدّة التي قضيتها، ولكن ما أؤكده أن المحجبات في كل مكان، وعددهنّ إن لم يتجاوز عدد غير المحجبات، فلا يقلّ عنهن، هذا ما رأيته “[2]. 
هكذا نفى الأستاذ “لونيسي” أن يكون هناك في تونس حرب على الحجاب، لا جزئية ولا شاملة! ودليله في ذلك أنّه لم يرها هو شخصيا! ولأنّ مدّة إقامته هناك بتونس كانت قصيرة، فهو بهذا يُنكر وجود حرب فيها على الحجاب! وهكذا بدا الأستاذ “الونيسي” في إثر عودته من زيارة تونس، وكأنّ حرارة لقائه بأحبّته هناك قد أثّرت في حواسّه، فألقت على عينيه غشاوة حجبت عنهما رؤية ما تعانيه “أمّهاته وأخواته وبناته من طالبات وتلميذات وموظّفات وعاملات”، من محنة! وجعلت كذلك في أذنيه وقراً، منعهما من سماع دويّ الحرب الشعواء على الحجاب والمحجّبات، رغم بلوغ صداها القارّات الخمس! غير أنّ السيد لونيسي أكّد تزايد عدد المحجّبات في تونس.
ولكن ما مراده بهذا التّوكيد؟! هل يريد بذلك، تعزيز شهادته هذه بانعدام وجود هذه الحرب! أم يريد به إرجاع الفضل في انتشار الحجاب إلى حكّام السابع من نوفمبر! كما ذهب إلى ذلك أخوه عمر النّمري. وهو ما يدعونا حقّا إلى التّساؤل: عن سرّ هذا التوافق بين الإخوة العائدين من زيارة تونس، في الانطباع والحكم والاستنتاج؟ أتواصوا به؟! أم هو من قبيل توارد الخواطر، أو وقوع الحافر على الحافر! كما يقول نقّاد الشّعر في تطابق بعض أشعار الشعراء العرب مع تباعدهم في الأعصار والأقطار!
هذان الموقفان المتناقضان، الصّادران من الأستاذ “لونيسي” تجاه قضية الحجاب والمحجّبات في تونس، يُوقعان المرءَ في حيرة، تحمله على مساءلة الأستاذ “لونيسي”: ترى ما هو موجب إنكارك الحرب على الحجاب أوّل الأمر، مع تواتر أخبارها؟ وما موجب إقرارك بها بعد ذلك، من دون أن تعترف صراحة أو ضِمنا بخطئك، وتعلن تراجعك عن شهادتك؟!
فهل نسي الأستاذ “لونيسي” شهادة التبرئة تلك؟ أم قالها استعطافا! لضمان استبقاء باب الزيارات مفتوحا؟! أم هي ما كانت إلا مجرّد شهادة مجاملة أدلى بها، عُربونَ عرفانٍ وشكرٍ وامتنانٍ! لمن منّوا عليه بحقّه في زيارة الوطن، بعد سني الغربة واللجوء السّياسي الذي – قال “لونيسي” – إنّه طال أكثر من اللازم![3]. وكأنّ الأستاذ “لونيسي” قبل هجرته اشترط على ربّه سبحانه أن تكون هجرته في سبيله محدّدة بزمن! لا ينبغي أن يتجاوزه!! أم نسي “الونيسي” أنّه بما منّ الله به عليه من نعمة الهجرة تلك، قد نجّاه من السّجن ووقاه محنته، وجعل له في الأرض مراغما كثيرا وسَعَةً؛ فقضى سني غربته كلَّها بفرنسا حرّا طليقا، يتقلب في النعيم والرفاهية، ويتجوّل في المنتزهات والحدائق الباريسية، لا رقيب عليه ولا نذير! فيما قضى إخوان له تلك السّنين – بل ضِعْفها – حبيسي السّجون والمعتقلات، ورهائنَ بمعازل العنابر والزنزانات، صابرين محتسبين – ومع ما أصابهم من القهر والإذلال، وما صبّ عليهم أعوان 7 – 11 من صنوف العذاب والنكال، أفضى إلى استشهاد بعضهم، وإصابة معظم الأحياء منهم بأمراض مستعصية – فهم ثابتون ثبات الجبال الرّاسية، حتى انّهم ليصدق فيهم قول الله تعالى ( فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ) [آل عمران:146] ( فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) [الأحزاب: 23]. 
ولسنا ندري ما عسى أن يكون حال الأستاذ “لونيسي” لو كتب عليه – لا قدّر الله – أن يكون يوما نزيلَ إحدى تلك المسالخ الآدمية الرّهيبة! لوحوش السّابع من نوفمبر الرّعيبة! 
وتناقض مواقف “الونيسي” هذا حيال قضية الحجاب، يضعه بين خيارين لا ثالث لهما:  
- فإن كانت شهادتك تلك للحفاظ على خطّ الرّجعة، أو على سبيل المجاملة! فهي شهادة زور– والعياذ بالله – يتوجّب عليك التّراجع الفوري عنها، والمسارعة توّا إلى إعلان توبتك منها.
- وأمّا إن كنت يا أستاذ لونيسي مصرّا على شهادتك تلك، على أنّها شهادة حقّ!! فإذن ما موجب إرسالك هذه الرّسالة إلى الوزير، وإعرابك فيها عن انشغالك بمحنة المحجّبات، وكيف تقرّ اليوم بما كنت تنكره بالأمس؟! 
فهل لك يا أستاذ “لونيسي” أن تفسّر لنا تعارض مواقفك هذه، وتضاربَها، وكيف السّبيل إلى التّوفيق أو الجمع بينهما مع تناقضهما؟! حيث يستحيل في حكم العقل الجمع بين النّقيضين؛ فبأيّ الموقفين يا ترى أنت متمسّك؟ وهل جاء موقفك الأخير الذي أعربت عنه في رسالتك، ناسخا لشهادة التبرئة التي أدليت بها في أعقاب عودتك؟! بيّن لنا – يرحمك الله – موقفك بما يعطي وجاهة لرسالتك، وإلا  كانت راسلتك هذه عديمة الوجاهة! 
إعلان رهط 7 – 11 الحرب على الحجاب يدحض شهادة الونسي بتبرئتهم! 
وما كان أغنى الأستاذ “لونيسي” عن تلك الشّهادة! مع إعلان حكّام السابع من نوفمبر من أعضاء الحزب والحكومة – على اختلاف مَصافِّهم ومراتبهم – هذه الحرب الشعواء على الحجاب، وتظاهُرِهم على دين الله ومحادّتهم لله ورسوله. وتلك تصريحاتهم الإعلامية، وخطاباتهم النّارية، وإجراءاتهم التنفيذية، التي تواترت أخبارها، وتناقلت مختلف وسائط الإعلام الوطنية والأجنبية، وقائعها وفواجعها – بما كفانا مئونة ضرب الأمثلة لك منها أو سرد الأدلة عليها – كلّها تمثّل اعترافا صريحا منهم بجنايتهم، ومعلوم أنّ  الاعتراف – كما يقال – سيّد الحجج في الإثبات، وهو ما يجعل شهادة الأستاذ “لونيسي” وشهادة جميع الذين وافقوه في تبرئة ساحة رهط السابع من نوفمبر من هذه الجرائم، داحضة؟! ألا يخشى – بعد كلّ هذا – الشيخ “لونيسي” وغيره من الشهود عاقبة تلك الشّهادة؟!
صورة تونس أولى بالاعتبار في رأي الونيسي من حرمة الحجاب والمحجبات!
وإذا كان عُذر الأستاذ “لونيسي” في إنكاره وجودَ حرب على الحجاب، أنّه ما شهد إلاّ بما رأى؛ فهل يعني هذا أنّه لا يصدّق من الحقائق والوقائع إلاّ ما تقع عليه عينه! وأمّا ما سوى ذلك ممّا يجري على الإسلام وأهله من حملات ومِحنٍ ونكبات، فجميعها منعدمُ الوجود في حكم الأستاذ “لونيسي” ما دام أيّ شيء منها لم يقع تحت عينه؟! أو هو – كما قال – ” أما ما سمعته وقرأته فشيء آخر، مفاده أن السلطة في مواجهة شاملة ضد الحجاب وضد مظاهر التدين، ورأيي الخاصّ حتى ولو كان ذلك حقاً سواء بصفة كاملة أو جزئية، فإن ذلك ليس سبباً لتشويه صورة تونس في الخارج والمحافل الدولية، وتصوير بلادنا على أنّها وكراً للفجور والدعارة والكفر والإلحاد..”[4]. 
هكذا يصرّ الأستاذ لونيسي على التشكيك فيما سمع وقرأ، وحتى مع تسليمه لمخالفيه – جَدَلاً – باحتمال وجود حرب كلية أو جزئية على الحجاب ومظاهر التديّن، مع عدم يقينه بذلك؛ فإنّه ينبغي علينا – في رأيه الخاصّ – التّغاضي عنها والتكتّم عليها! لتستمرّ تلك الحرب الفاجرة ماضيةً في صمت، دونما صخب ولا شغب! وذلك لئلاّ يُساء إلى سمعة تونس أو تُشان صورتها!! ومغزى كلام الأستاذ لونيسي هذا، أنّ الحرب على الحجاب والمحجّبات مسألة هيّنة! بالقياس إلى (جريمة)! تشويه سمعة تونس، وشَيْنِ صورتها في المحافل الدولية! حيث قال صراحة في رسالته ” ولكن كلّ شيء ما دون مصلحة البلاد يهون. عزاؤنا جميعا مهما اختلفت أراؤنا ومذاهبنا، وكذلك مواقعنا، أنّ تونس هي القاسم المشترك بيننا الذّي لا ينبغي لأحد منّا أن يفرّط فيه، وهي أولى منّا جميعا بالنُّصح والمحبّة والإخلاص والولاء “[5]. 
وعلى هذا يبدو أن سمعة تونس وصورتها أعظم حرمة لدى الشيخ “لونيسي” من حرمة الحجاب والمحجّبات والشعائر الإلهية والمقدّسات، كما يُفهم ذلك من فحوى الخطاب!!
من هم الجناة على تونس وسمعتها؟
أليس من الغريب أن يعمد الأستاذ “لونيسي” إلى كيل التّهم لإخوانه المدافعين عن حرمات الإسلام الجريح في تونس، بدعوى تسبّبهم في تشويه سمعة البلاد، فلا يني في رميهم بتلك التّهم الباطلة جزافا هنا وهناك، متجاهلا في الآن نفسه الجُناة الحقيقيين على تونس وصورتها وسُمعتها! 
ثم ها هو ذا “لونيسي” يعود، ويقرّ بعد ذلك صراحة في رسالته بأنّ المنشور 108 ” جلب لواضعيه انتقادات لا حصر لها، لا من جانب علماء الفقه والشريعة في العالم الإسلامي وحسب، بل حتى  من غير المسلمين  المدافعين عن حقوق الإنسان. كما أنّه كان سببا لتشويه صورة بلادنا الدّينية لدى بقية الشعوب العربيّة والإسلاميّة ولدى أوساط الجاليات الإسلامية العربية وغير العربية المقيمة في بلاد الغرب وخاصة منه فرنسا، وأنا أدرك جيّدا ما أقول..”[6]. 
فمن هو إذن الجاني الحقيقي على تونس، والمسيء لسمعتها، والمشين لوجهها وصورتها يا ترى؟! وهل يرمي المدافعون – من غير المسلمين – عن حقوق الإنسان بانتقاداتهم حملات رهط 7 – 11على الحجاب بوصفه اعتداء على الحرية الشخصية، إلى تشويه سمعة تونس كذلك وتصوير بلادنا على أنّها وكر للفجور والدّعارة؟! 
إنّ الذين جنوا حقّا على تونس ذاتِها، فاستباحوها، بأهلها وأرضها وعِرضها، فضلا عن صورتها وسمعتها، يا أستاذ “لونيسي” – ولا يزالون – هم أولئك الرّهط الذين تسلّلوا لِواذاً في ليل السّابع من نوفمبر البهيم! سنة سبع وثمانين، فاستولوا خلسة على مقاليد الحكم في تونس، على حين غفلة من أهلها، فأخذوا بخناقها، وأحكموا قبضتهم عليها، ثم خرجوا علينا صباح اليوم التالي، يبشّروننا بالعهد الجديد! ويسمّون جريمة سطوهم المسلّح، الموصوفة، تلك والمستمرّة حتى اليوم – بل وإلى الأبد – عهد التحوّل أو التغيير! وها هي إحدى وعشرون سنة من عهد التغيير، أو تزيد، قد غيّروا فيها حقّا وجه تونس، فاستباحوا حرمات أهلها، واستعبدوهم، ونكّروا هويتها، وطمسوا معالمها؛ وكأنْ لم يكفهم كلّ هذا، فقرّروا الاستحواذ على حكم البلاد أبد الآباد! وها هي تونسنا الحبيبة الجريحة اليوم تئن تحت وطأتهم، ولسان حالها يقول كما قال الكُمَيت بن زيد الأسدي:
فتلك وُلاةُ السّوءِ قد طال ملكُهم    فحتّامَ حتّامَ العناءُ المطَوَّلُ؟!
إنّ رهط السّابع من نوفمبر، الذين تستجير أنت بهم في رسالتك، هم الجُناة الحقيقيون على تونس، بما ارتكبوا فيها – وما يزالون – من انتهاك مريع لحرمة دينها، وقهر أهلها، وطمس هويتها، وتزوير تاريخها، ومحق معالم حضارتها، ومسخ ثقافتها، وتبديل لسانها، وتضليل أجيالها وانتهاب خيراتها، وتحويلها حمأة وبيئة للمخازي والفواحش والمناكر..الخ، وفي كتاب “تونس..الإسلام الجريح” من الشواهد القاطعة والبراهين السّاطعة على جرائم هؤلاء الرّهط ما تتفطّر منه القلوب، وتشمئز منه النفوس. وكلّها أمور، شهد بها اليوم خبراء وبحّاثون تونسيون وأجانب، ومعظمهم من خصوم الإسلام، بل ومنهم أعداء للحركة الإسلامية ألدّاء، بما يجعلهم أبعدَ ما يكونون عن مظِنّة التّحامل أو الافتئات في شهادتهم على رهط 7 – 11، لصالح خصومهم. فإن كنت يا سيد “لونيسي” في شكّ من هذا، فانظر شهادة صحيفة “لومند” الفرنسية على ما يجري في تونس من فساد خلقي ألحقها ب” تايلاندا، وهو ما جعل كاتب المقال يختار عبارة:  “تونس على طريق تايلاندا”: 
( تيلندة تونس: Tailandisation de la tunsie[7]) عنوانا لمقاله.
وانظر كذلك دراسة عن السّياحة الجنسية في تونس، وهي من إنجاز باحثين وخبراء متخصّصين في جامعة كيبيك الكندية بعنوان:
 (بحث حول السياحة والجنس في تونس:  Tourisme et sexualité en Tunisie[8])
Note de recherche 
أما علمت يا أستاذ لونيسي – الغيور على سمعة تونس – بأنّ من نساء تونس لهذا العهد أمّهاتٍ عزباواتٍ!! كما شهد بذلك تقرير الدّيوان الوطني للأسرة والعمران البشري، والذي نشرت جريدة الصّباح نبذة منه. يقول التقرير” بلغ عدد حالات الإجهاض المسجّل بالعيادات الراجعة بالنظر للديوان فحسب نحو 10 آلاف و360 حالة خلال الفترة الممتدّة بين سنتيْ 2002 و2007…وأصبحت عديد الفتيات اللاتي حملن خارج إطار الزواج، يلجأن إلى عيادات الديوان للقيام بعمليات الاجهاض..وتطوّر عدد عيادات الصحّة الجنسية والانجابية لفائدة الشباب بجنسيْه خلال السّنوات الأخيرة بصفة ملحوظة.. وتشير المعطيات الاحصائية إلى تضاعفها خمس مرّات بين سنتيْ 2002 و2007 حيث ارتفعت من 11 ألف و500 عيادة إلى 56 ألف عيادة.. وبلغ عدد الخدمات التثقيفية الموجّهة للشباب خلال سنة 2007 قرابة 390 ألف عملية “[9]. علما بأن المراد بالخدمات التثقيفية)!! هو إمداد الشباب والفتيات ب(العوازل المطاطية)! وحبوب منع الحمل! عند المباشرة الجنسية!! 
وممّا جاء في تقرير الديوان كذلك قوله ” وفي هذا الصّدد وضع الديوان في اعتباره ما يمكن أن تفرزه ظاهرة تأخّر سنّ الزواج في تونس من تبعات خاصّة منها الحمل غير المرغوب فيه، والانجاب خارج إطار الزواج والعلاقات الجنسية غير المحمية، وتعرّض الشباب إلى خطر الإصابة ببعض الأمراض المنقولة جنسيا والعدوى بفيروس نقص المناعة. ومن الأنشطة التثقيفية التي دأب الديوان على تنظيمها سنويا لفائدة الشباب تلك التي تقام على الشواطئ وتستهدف المصطافين والمصطافات من المراهقين والشبّان قصد حثهم على تبنّي سلوك جنسي محميّ! ومسؤول لوقاية أنفسهم وتشجيعهم على الإقبال على الخدمات الطبية والنفسية[10]. 
فهل مع تلك الأبحاث والدّراسات وهذه الأرقام والاعترافات! والتحريض العلني على استحلال ما حرّم الله من العلاقات – الشّاهدة بذاتها بثبوت إدانة حكّام السابع من نوفمبر – ترتاب أنت يا شيخ “لونيسي” في سعيهم المنكور في تحويل بلادنا الحبيبة تونس إلى ماخورعالميّ – لا مجرّد وكر – للدّعارة والفجور! على ضفاف البحر المتوسط؟! 

أيّ وجاهة للرّسالة مع القبول بمقاصد المنشور؟!
ومن تناقضات الأستاذ “لونيسي”، بل سقطاته الكبرى؛ أنّه بعد استهلاله رسالَتَه بقوله ” أما آن لهذا المنشور أن ينسخ؟!” مناديا بإلغاء المنشور 108، عاد، فتراجع في خلال رسالته عن ذلك الطلب! ودعا إلى إعادة النّظر في المنشور ” بما يخدم مصلحة البلاد والعباد وبما يضمن أيضا تلك المقاصد التي من أجلها وُجدَ المنشور إبتداء “[11].
ثم عرض السيد “الونيسي” في آخر رسالته ” بعث مبادرة وطنية، تستحضر الأبعاد التي من أجلها وجد هذا المنشور ابتداء وتعمل في نفس الوقت على تجاوز سلبياته، وقد يُتّوجُ ذلك باقتراح صيغة تُجنِّبنا ما ترتّب عن هذا المنشور من إشكاليات وتعقيدات نحن في غنى عنها، دون أن نلغي هذا المنشور مرّة واحدة، فنحقق إن شاء الله تعالى في هذا المجال الحسّاس وحدتنا القومية ووئامنا الوطني وتناغمنا الإجتماعي، وبذلك وحده نكون أوفياء لديننا وأعرافنا الحميدة وخصوصياتنا التونسية”[12].
فهل يعي السيد “لونيسي” مدى ما وقع فيه من تناقض بين ما افتتح به رسالته من مطالبة بنسخ المنشور، وما اختتمها به من تأكيده المحافظة على مقاصده! وتسليمه ببقائه وعدم إلغائه؟!
ومن غرائب الأمور، أن يقف الشّيخ “مصطفى الونيسي” – خرّيج الجامعة الزيتونية وأستاذ الفقه والسّياسة الشرعية – من المنشور 108 هذه المواقف المتذبذبة! فيما يقرّ “حمة الهمامي” رئيس حزب العمّال الشيوعي التونسي – مع كفره بالإسلام وإنكاره لشرعته – بوجود حرب حكومية على الحجاب، ويعلن بكلّ شجاعة استنكارها، حيث ” اعتبر حملة السّلطة على المحجّبات انتهاكا للحرية الشخصية ودليلَ عجز النظام عن مواجهة قضايا المجتمع بغير الأساليب الأمنية, وطالب بوقفها وبإلغاء المنشور 108 الذي يحظر ارتداء الحجاب بالمدارس والمؤسّسات العامّة, داعيا القوى الديمقراطية لمؤازرة المحجّبات بشكل مبدئي وصارم لضمان احترام حقهنّ بالدّراسة والشّغل والتنقّل “[13].
غريب – والله – تأكيد الشيخ “مصطفى” المتكرّر على ضمان مقاصد المنشور! مع علمه بتلك المقاصد التي ما وضع المنشور إلاّ من أجلها! وهل وضع هذا المنشور الملعون! إلا لتعرية حرائر تونس قهرا! وإلزامهنّ بكشف مفاتنهنّ قسرا! في مخالفة صريحة من حكّام تونس لشرع الله، وانتهاك لحرماته، واعتداء على حدوده، حيث وصم المنشورُ لباس النّساء الشرعي ب”اللباس الطائفي المنافي لروح العصر والتطوّر السليم..انه يرمز لا محالة إلى ضرب من الشّذوذ والانتساب إلى مظهر متطرّف هدّام.. وحفاظا على سمعة معاهدنا وأبنائنا وبناتنا فإنني أهيب بجميع رؤساء المعاهد ورئيساتها أن يحرصوا على تطبيق التراتيب المشار إليها بما ينبغي من الجدّ والحزم، وأن لا يقبلوا من يتعمّد مخالفتها “[14].
تلك هي – يا شيخُ “مصطفى” – مقاصد المنشور، وأبعاده، وما شُنّت هذه الحرب الضّروس على حرائر تونس – طوال هذه السّنوات – إلا من أجل تحقيقها، فكيف تسلّم أنت بقبول هذه المقاصد الدنيئة، المناقضة للأحكام الشرعية مع تأكيدك على المحافظة عليها؟! 
فهل كان ذلك منك اقتناعا بصحّة دعواهم؟! أم جريا في هواهم؟! وأيّا كان الداعي، فهذه سقطة منك لا تُنتظَر، وكبيرة من مثلك لا تُغتَفَر! فهل نسيت – يا شيخ لونيسي – قول الله تعالى ( وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ) [المائدة : 49] وقوله تعالى ( وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) [البقرة : 120] أم تراك تناسيت وعيد الله – جل وعلا – لمن يجري في أهواء الظالمين، حيث قال سبحانه ( وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ) [البقرة : 145] وقوله جل ثناؤه ( وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ) [الجاثية : 19] .
فهل ترى تُبقي – يا شيخ مصطفى – مواقفك هذه المتناقضة في ذاتها والمناقضة للأحكام الشرعية من وجاهة لرسالتك؟!
(للموضوع صلة إن شاء الله)
فقير ربّه:
محمد الهادي بن مصطفى الزمزمي

[1] – رسالة إلى وزير الشئون الدينية.
[2] – صحيفة “الحقائق الدولية” (اليكترونية – لندن) بتاريخ 2 سبتمبر 2007 “الحقائق” تحاور إسلاميا تونسيا يعود إلى بلاده بعد 26 عاما في المنفى. 
[3] – صحيفة “الحقائق الدولية” (اليكترونية – لندن) بتاريخ 2 سبتمبر 2007 بعنوان “الحقائق” تحاور إسلاميا تونسيا يعود إلى بلاده بعد 26 عاما في المنفى: مصطفى الونيسي: اللجوء السياسي طال أكثر من اللازم واستنفد أغراضه.
[4] – صحيفة “الحقائق الدولية” (اليكترونية – لندن) بتاريخ 2 سبتمبر 2007 “الحقائق” تحاور إسلاميا تونسيا يعود إلى بلاده بعد 26 عاما في المنفى : مصطفى الونيسي: اللجوء السياسي طال أكثر من اللازم واستنفد أغراضه.
[5] – رسالة لونيسي إلى الخزوري بعنوان ” أما آن لهذا المنشور أن يُنسخ؟!”بتاريخ 2. 7. 2008.
[6] – رسالة لونيسي إلى الخزوري. 
[7] – صحيفة “لو موند” الفرنسية في عددها الصّادر يوم 11. 07. 1992. 
Mansour El Feki  Département de sexologie Université du Québec à Montréal C.P. 8888, succursale  – [8] 
 Centre-ville Montréal (Québec) H3C 3P8 Canada . 
Mots-clés : Lévy, Laporte, El Feki, tourisme sexuel, dragueurs, VIH/sida, Tunisie.
[9] –  جريدة الصباح (يومية – تونس) بتاريخ 20 أوت. تحرير سعيدة بوهلال. 
[10] – جريدة الصباح (يومية – تونس) بتاريخ 20 أوت. تحرير سعيدة بوهلال. 
[11] –  رسالة لونيسي إلى الوزير الخزوري بعنوان ” أما آن لهذا المنشور أن يُنسخ؟!”بتاريخ 2. 7. 2008
[12] – رسالة لونيسي إلى الخزوري. 
[13] – مقال صدر بموقع الجزيرة نت يوم الأحد 2/10/1427 هـ – الموافق22/10/2006 م.
[14] – أصدر هذا المنشور وزير التربية والتعليم في حكومة محمد مزالي المدعوّ  فرج الشادذلي وهكذا يقع وزر إصدار هذا المنشورعلى كاهل بورقيبة ومزالي وحكومته، وعلى رهط 7 – 11 وزر فرْضه والتعسّف في تنفيذه وفتنة النسِاء التونسيات في دينهم بسببه.
************************************

Les Islamistes devaient se mettre en question


الحاجة إلى أسلمة الإسلاميين

د. عبدالوهاب الأفندي
تناولنا الأسبوع الماضي مسألة الهوية المصرية لحركة الإخوان المسلمين، وهو أمر لم يكن يحتاج لكثير تنويه لولا مزيج من التناسي ومساعي تجاوز نحو العالمية ظن البعض أنها نجحت. فكل حركة هي بنت بيئتها، وما كان لحركة الإخوان أن تنجح لولا أنها تبنت قضايا تهم الشعب المصري. وقد تأثرت كل حركة إحياء إسلامي بالبيئة التي نشأت فيها، وهو أمر لم يقتصر على الحركات المعاصرة، بل تأثرت به حركات ما قبل الحداثة كذلك. فالحركة الوهابية لا تزال نجدية الملامح، وحركة دانفوديو تشكلت افريقياً وكذلك الطريقة التجانية. أما الحركة السنوسية فقد استوطنت ليبياً، وكذلك فعلت الحركة المهدية التي أصبحت سودانية الهوى والهوية، رغم طبيعة دعوتها المبشرة بنهاية العالم وعالمية الرسالة.
وأذكر هنا معلومات كشفها لنا قيادي إخواني خليجي أثناء زيارة في منتصف الثمانينات لمجلة «آرابيا» عن توافق تم بين حركة الإخوان المسلمين المصرية والجماعة الإسلامية في باكستان بأن تمتنع كلا الحركتين من الدعوة والنشاط في مجال الأخرى. وعليه أصبحت شبه القارة الهندية حكرا على الجماعة ومحرمة على الإخوان، والعالم العربي. وقد جاءت أهمية هذه المعلومة من أن من كشفها هو من باشر بنفسه التفاوض حول هذا التفاهم أو الصفقة بين الطرفين. وقد قضيت وأستاذنا الراحل د. فتحي عثمان فترة طويلة ونحن نتناقش بعد ذهاب ضيفنا عن مغزى هذا التقاسم للنفوذ، وهو ما جعل حركة الإخوان عربية الهوية، مقابل الهوية الهندية للجماعة الإسلامية.
ليس هناك من بأس في تأثر كل حركة ببيئتها، فبعض التناغم من البيئة مطلوب، وأكثره لا مهرب منه. فالقرآن نزل بلسان عربي مبين، وضرب الأمثال للعرب من أنفسهم ومن بيئتهم. ولكن الإسلام أيضاً رسالة عالمية لكل البشر، تقوم على حد أدنى من القيم الإنسانية المشتركة لا بد من الالتزام بها، ولا يمكن أن يكون التأقلم مع الواقع على حسابها. ومن ذلك أن القرآن نزل على العرب بلسانهم، وكان منهم جل السابقين الأولين من خيار الصحابة. ولكن القرآن والحديث أيضاً عظما النهي عن التفاخر بهوية عرقية أو قبلية، وتم التأكيد على أن الناس لآدم وآدم من تراب، وأن التفاضل هو بالتقوى لاغيرها، وأن الله وحده هو الذي يعلم المتقين. ولكن الثقافة العربية في صدر الإسلام، خاصة الشعر، حفلت بكثير من التفاخر والاستعلاء القبلي والعرقي، وقامت بعد الحركات القومية المعاصرة بإحياء ذلك التراث. ولم تنج الحركات الإسلامية المعاصرة من تشرب بعض مكونات هذه الجاهلية القديمة-الحديثة، بوعي أو دون وعي.
تداخل بعض الأحداث التي شكلت هذه الحركات وساهمت في صعودها كان له أثر في توجهاتها كذلك. على سبيل المثال، فإن انطلاقة حركة الإخوان المصرية، وصعودها من واحدة من عشرات الجمعيات الدينية التي كانت تموج بها الساحة المصرية في الثلاثينات إلى واحدة من أكبر الحركات السياسية والاجتماعية في مصر لم يتم بمعزل عن الصراع في فلسطين والمد المعادي للاستعمار الذي ساهمت الحركة في تغذيته ثم استثماره. فقد اكتسبت الحركة جماهيريتها في الثلاثينات من خطابها المؤيد للقضية الفلسطينية، ثم مشاركتها في حرب فسلطين فمعارك القناة. بنفس القدر، فإن صعود الحركة الإسلامية السودانية وتحولها من هامش السياسة السودانية إلى مركزها تأثر بالصراع في الجنوب، والمواجهة مع حركة علمانية يسارية التوجه تدعو لإعلاء الهوية الافريقية للسودان على حساب العربية. وأدى هذا بدوره إلى تقوية المركب العروبي في خطاب الإسلاميين السودانيين لدرجة تقارب الشوفينية، وساهم في خلق إشكالات لاحقة، مثل حروب دارفور.
وفي عام 1991، وبعد كارثة عاصفة الصحراء التي سبقت كارثة غزو العراق للكويت، نظم في السودان ما سمي بالمؤتمر العربي الإسلامي، وتداعت إليه حركات عربية يسارية وقومية، إضافة إلى الحركات الإسلامية، بما فيها تلك القادمة من خارج العالم العربي. ما يجمع بين هذه الحركات كان العداء للهيمنة الغربية والتعاطف مع العراق، حيث شاركت أحزاب البعث في العراق وسوريا، وعديد من المنظمات الفلسطينية. وقد غلب الخطاب العروبي على ذاك المؤتمر، حتى أن عديداً من أنصار المنظمات القادمة من خارج العالم العربي احتجت على الأمر، وطالبت بحذف «العربي» من عنوان المؤتمر والمنظمة المنبثقة عنه. وهذا يذكرنا بالمعين المشترك الذي ظلت هذه الحركات تغرف منه، بما فيها الحركات الماركسية، وهو معين محاربة الاستعمار والاعتزاز بالعروبة.
يظهر تأثر كثير من الحركات في البلدان الأخرى بتطورات العصر ومؤثرات المحيط في المثال الماليزي، حيث تتماهى الحركات «الإسلامية» مع مصالح العرقية الملاوية على حساب غيرها. كذلك نجد الحركة الإسلامية في باكستان انحازت لحكومات باكستانية علماينة ضد حركات بنغلاديش، كما تبنت القضية الكشميرية كقضية خلاف قومي بين الهند وباكستان، دون إبداء اهتمام مباشر بأكثر من مائتي مليون مسلم آخرين يعيشون في الهند. في إيران كذلك تبنى الخطاب «الإسلامي» بعض ملامح «القومية الفارسية»، وتماهى كذلك مصالح الدولة الإيرانية ومشاريعها. وبالمقابل، نجد الخطاب «الإسلامي» في العراق تبنى الخطاب الطائفي، وتماهى مع الطائفة ومصالحها. فأصبح الشيعي الماركسي أو العلماني أولى بالمعروف من «الإسلامي» السني، والعكس بالعكس عند «الإسلاميين» السنة. وقس على ذلك.
من كل هذا يتضح أن هناك حاجة إلى «أسلمة» الحركات الإسلامية. فقد أصيب الخطاب الإسلامي المعاصر بتلوث خطير، يكاد يكون مميتاً في بعض الأحيان، بخطاب طائفي أحياناً، وبخطاب استعلاء عرقي في أحيان أخرى. وفي كثير من النماذج، تتأثر المواقف «الإسلامية» بمصالح فئة بعينها (طبقة أو طائفة أو قبيلة أو عرق)، أو تقدم تنازلات هنا وهناك في المعترك السياسي لقوى مهيمنة (حكام أو قوى مؤثرة أخرى)، على حساب تعاليم الدين الواضحة أو قيمه المميزة. وهكذا يضطر القادة للسكوت عن المنكر والتخاذل عن المعروف، حتى لا يغضب هذا الحليف أو ذاك، أو لا تتأثر تلك المصلحة أو هذه.
وقد أسلفنا أنه ما من بأس من تأقلم الحركات مع واقعها. ونضيف هنا أنه ما من بأس بأن تقدم التنازلات السياسية من أجل المصلحة العامة. ولكن لهذا وذاك حدودا لا ينبغي تعديها ولا يجوز. فمن الممكن أن تتعاون الحركة مع حاكم أو حزب، ولكن لا ينبغي أن يكون ذلك التعاون في الإثم والعدوان، ولا حتى في السكوت عليه. فقد تعاونت حركات «إسلامية» سوريا مثلاً مع نظام صدام وهو يقتل شعبه ويروع جيرانه، وما تزال بعضها تحتفي به. وفعلت حركات «إسلامية» الشيء نفسه مع الأسد، وغيره من الحكام والفئات غير البعيدة من الإجرام.
ولكل هذه الحركات مبرراتها. على سبيل المثال، «الإسلاميون» الماليزيون كانوا يقولون إن كل الملاويين مسلمون، وبالتالي فإن مصلحتهم ومصلحة الإسلام واحدة. وهناك من يرى أن قضايا مثل فلسطين ومحاربة الاستعمار أولى من غيرها، وموالاة من يدعمها من الحكام، حتى لو كان ظالماً فاجراً، أو كافراً مشركاً، من المرجحات. وغني عن الذكر أن هذه مسائل فيها نظر، ولكن الأولى أن تتخلى الحركات الموسومة بأنها «إسلامية» عن هذه التسمية والزعم. وحسناً فعلت حركات مثل «النهضة» في تونس، والحرية والعدالة في مصر، والعدالة والتنمية في تركيا والمغرب، وغيرها، في اختيار إسلام تشير إلى محور تركيزها، دون أن تدعي مطابقة بينها وبين الإسلام. ومع هذا، ينبغي على هذه الحركات أن تطهر نفسها مما لابسها من شوفينية أو طبقية أو طائفية وغير ذلك من الموبقات وهوادم الدين.
أما من يريد أن يتسمى بالإسلام، فعليه أن يلتزم كل حدوده، فلا يسكت عن باطل، ولا يتوانى عن نصرة حق. وبغير ذلك يكون مرتكباً لجناية تشويه رسالة الإسلام، وكتمان الحق، والصد عن سبيل الله، حين ترتبط ممارسات «إسلامية» بكل ما هو منكر.
٭ كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن
د. عبدالوهاب الأفندي

lundi 20 avril 2015

مهزلة القروض المشطّة


بعد أن اختارت حكومات مابعد الثورة أسهل الحلول: حجم القروض بلغ ضعف الميزانية.. والبلاد على شفا الإفلاس!!

الأحد 19 أفريل 2015
نسخة للطباعة
بعد أن اختارت حكومات مابعد الثورة أسهل الحلول: حجم القروض بلغ ضعف الميزانية.. والبلاد على شفا الإفلاس!!
حذر الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي مؤخرا من خطورة التفريط فيما تبقى من المؤسسات العمومية في اطار خوصصة القطاعات ذات المردودية العالية، مؤكدا في ذات السياق على رفض المنظمة الشغيلة لهذا التمشي ومحذرا من مخططات التفكيك التدريجي لعديد المؤسسات الوطنية الكبرى على غرار تونس الجوية وشركة فسفاط قفصة والتفويت في جزء من شركة اتصالات تونس.
ويأتي موقف الاتحاد بالتزامن مع احتجاج عدد من نواب المجلس خاصة نواب الجبهة الشعبية ورفضهم لحزمة المشاريع والقوانين التي تخّص القروض التي تحاول حكومة الحبيب الصيد تمـريرها وضمان التصـويت بـ"نعم" بأغلبية الاعضاء.
وهو ما رفضه عدد من النواب الذين دعوا الى الكشف عن الوثائق المتعلقة بالقروض والاطلاع عليها قبل تمريرها الى التصويت متسائلين في ذات الاطار عن مصير القروض السابقة خاصة وان البعض منها خصصّ لخلاص قروض سابقة وهو ما عجل بإطلاق صفارات الانذار سيما وان هذا التوجه عادة ما تلجأ اليه الدول المفلسة او تلك التي على حافة الإفلاس كما كان حال اليونان والأرجنتين في وقت سابق.
فماهي الوضعية المالية لتونس؟ وما هو حجم القروض التي تحصلت عليها بلادنا منذ ثورة 14 جانفي الى حد الان؟
في عملية احصائية لجملة القروض المسندة للجمهورية التونسية منذ بداية عمل الحكومات المتعاقبة على بلادنا (الباجي قائد السبسي وحمادي الجبالي وعلي العريض ومهدي جمعة والحبيب الصيد اضافة الى بعض الديون المتخلدة بذمة حكومات بن علي المتعاقبة)، بلغت قيمتها الجملية نحو 28.9 مليار دولار امريكي أي ما يعادل 54.91 مليار دينار تونسي وهو ما يقارب مرتين ميزانية تونس سيما اذا علمنا ان حجم ميزانية 2015 حددت بما يناهز 29 مليار دينار تونسي.
وبالعودة الى الارقام والمعطيات المجمعة تظهر حكومة الباجي قائد السبسي اكثر الحكومات تداينا بنحو 8.64 مليار دولار تليها حكومة مهدي جمعة وحكومة حمادي الجبالي وعلي العريض.
ومقابل ارتفاع حجم القروض ارتفعت معها قيمة الادءات الموظفة على المواطنين لتبلغ نحو190 %من قيمة الاداءات قبل «الثورة».
وفي واقع الامر لم تستطع الحكومات المتعاقبة كبح جماح خيارات تنموية لا علاقة لها بها في ظل تدخل الدول المانحة وصندوق النقد الدولي بعد ان عجزت السلط في ضرب مسالك التجارة الموازية وفرض جباية عادلة على جميع التونسيين.
مواقف رافضة
وفي هذا الإطار، قال عضو المكتب الفدرالي للجامعة العامة التونسية للشغل محمد علي قيزة» كل زيادة عشوائية في الأجور لن تحل المشكل بل تزيد في تعقيده ما لم تسع الحكومة عبر مفاوضات اجتماعية شاملة ومسؤولة تشارك فيها جميع المنظمات النقابية دون استثناء وإقصاء لإيجاد حلول ملائمة وموارد ممكنة لكي تجنب البلاد التضخم والتداين الخارجي كما جرى سنتي2011 و2012 وتحد من تدهور المقدرة الشرائية وتحافظ على مؤسستنا العمومية التي أصبحت مهددة بالخوصصة في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها أغلب هذه المؤسسات».
واضاف قيزة «لا بد من السعي للمساهمة في تسريع دورة النشاط الاقتصادي والتفكير في انقاذ المنشأة العمومية وذلك من خلال القيام بإصلاحات تتعلق بالحوكمة الرشيدة وإرساء طرق تسيير جديدة تقوم أساسا على تحسين المردودية وتعزيز الكفاءات في قطع كلي مع البيروقراطية بالإضافة إلى تطوير إنتاجية العمل وتحسين القدرات التنافسية».
سكيزوفرينيا التوجهات
من جهته اعتبر منسق الاتحاد العام التونسي للشغل فتحي الدبك "ان الحكومة تعاني من مشكلة سكيزوفرينيا التوجهات باعتبار ان فيها وزراء لهم توجه تشاركي يميل الى الاشتراكية التقدمية مثل وزير النقل محمود بن رمضان وفيها وزراء ليبيرالين بل ومن اقصى اليمين الليبيرالي مثل ياسين ابراهيم وزير التنمية لذلك تجد بعض التناقض في التوجه العام والضبابية في البرمجة اما التوجه الى القروض فالحكومة ترى فيه حلا وقتيا لتجاوز ازمة المقدرة الشرائية".
واضاف الدبك «اما الحديث عن نية الحكومة اغراق البلاد بالقروض للتفويت في المؤسسات العمومية فهو كلام يحتاج الى براهين ولا يدخل في خانة المزايدة الجوفاء«.
وختم المتدخل بالقول « ان الحكومة مسكن ببعض الملفات بجدية وخاصة على مستوى التقدم في العمل الاداري ومحاربة الفساد والرشوة ومتابعة هموم الناس في العديد من الوزارات مثل وزارة الصحة والشؤون الاجتماعية والثقافة والشباب والنقل والعدل. وفي كل الحالات الحكومة عليها باختيار التوجه الاجتماعي لتتمكن من تجاوز الازمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد وكان على اليسار التونسي ان يشارك في الحكم ليتدرب عليه ويواجه الفقر مباشرة مثل ما فعل لولا في البرازيل ولا ان يبقى على الربوة ويختص في الشتم والعويل والصياح في البرلمان".
وكانت تصريحات وزير المالية لــ«الصباح» والتي اشار فيها أنه لا يعرف كيف ستتم تغطية بقية نفقات سنة 2015» ومحافظ البنك المركزي الذي اكد لــ«الصباح» ان الحكومة لن تقدر على دفع الاجور»، أثارت المخاوف بخصوص الوضع الاقتصادي والمالي لتونس.
واعتبر العديد من المتابعين ان ما قدمه وزير المالية ومحافظ البنك المركزي هو مقدمة للحلول المؤلمة التي حذر منها الخبراء الاقتصاديون.
كما ترافقت التصريحات مع ما اشير في وقت سابق الى الازمات المالية الخانقة التي تمر بها جل البنوك العمومية في احالة واضحة الى ان التفويت فيها وخوصصتها باتت مسالة وقت بالإضافة الى زيارة وفد صندوق النقد الدولي التي تزامنت مع نقاشات القروض المسندة الى تونس والتي كان آخرها القرض الأخير والمقدر بـ 300 مليون اورو.
وقد شبه عضو مجلس نواب الشعب فتحي الشامخي عن الجبهة الشعبية القروض «بنظام الحماية الذي فرضه المستعمر الفرنسي على الباي سنة 1881».
من جهته اعتبر النائب سالم لبيض عن حركة الشعب ان تمرير القرض «هو شكل من اشكال الاستعمار الناعم الجديد وتدخل خارجي سيمس من السيادة الوطنية خاصة وان شروطه لا تلبي حاجيات التونسيين في تغيير اوضاعهم الاقتصادية بقدر ما تزيد في اغراقهم.» كما بين لبيض»انه لا يمكن القبول بقرض لم يطلع النواب على فحوى نصوصه التكميلية وهو ضرب من ضروب الاستغفال» على حد تعبيره.
 خليل الحناشي

dimanche 19 avril 2015

سياسة حكومات ما بعد الثّورة في مجال الإقتراض



حكوماتنا و القروض الأجنبيّة

كم يحزنني أن أرى حكومات ما بعد الثورة في بلادي يتسابقون في 
عمليات تسوّل مهينة و بشروط مجحفة لا تخدم 

بأي شكل من الأشكال مطالب الحرّية و الكرامة و العدالة 

الاجتماعيّة 
 . و يا ليتهم يتسابقون في الاقتراض بفوائض 
من أجل التنميّة و الاستثمار النّافع من أجل التّشغيل و النهوض بالبلاد اقتصاديّا . إنهم يقترضون من أجل الاستهلاك و 
تزويد خزينة الدّولة لتسديد مرتبات الموّظفين . إنهم يعالجون الصعوبات الآنية بطرق لا يقرّها العقل و لا الشّرع و لا 
الأخلاق ، و لا يفكرون في سيادة بلادنا و مستقبل أولادنا . إنهم يرهنون سيادتنا و مستقبلنا للأجنبي المقرض. 

إني لست من المختصين في المجالات الاقتصادية و المالية و كلّ ما له علاقة بالتّنمية ، و لكن مفسدة الاقتراض 
بهذا الشكل الّذي تلهث وراءه حكوماتنا المتعاقبة لا تخفى على كلّ عاقل محبّ لوطنه . و مراعاة للواقع الصّعب الّذي 
تمرّ بلادنا لا أقول أنّ الإقتراض يجب أن يتوقف، فهذا قول لا يقوله عاقل ،فحتّى البلدان الغنيّة مثل فرنسا و غيرها من 
البلدان الغنيّة تقترض ، و لكن ما يجب تحريمه و تجريمه و منعه هو الاقتراض من أجل الاستهلاك و سداد مرتبات 
الموّظفين الكرام . فهؤلاء مثلهم مثل بقيّة التونسيين من العاطلين عن العمل و الطبقات الضعيفة الّذين لا تفكر 
حكوماتنا إطلاقا في الاقتراض من أجل تشغيلهم . إن الاقتراض الّذي نقبل به هو الإقتراض من أجل الإستثمار و 
التشغيل ، و ما عدا ذلك فهو خيانة للعباد و البلاد ، فلا ترهنوا بلادنا و سيادتنا للأجنبي ، و لا تتجاروا بكرامتنا على 
موائد اللّئام مقابل فتات من القروض الّتي لا تغني و لا تشبع من جوع . و لا تنسوا أنّ ثورتنا كانت و لا تزال ثورة حريّة 
و كرامة و عدالة أجتماعيّة ، و أنّ طريقنا إلى النهوض الاقتصادي و الازدهار يمرّ عبر ما يقدّمه شعبنا من تضحيات و 
تضامن و توازن بين الجهات و تقاسم للثورة الوطنّية بعدالة و إنصاف و ما عدا ذلك فهو من قبيل الترقيع و الموت 
البطيء لفيئات كثيرة من شعبنا الصّامد .

samedi 18 avril 2015

Un article sur la situation politique au Yemen de notre ami Dr Med sbitli



: الأحد - 23 جمادى الآخرة 1436 هـ - 12 أبريل 2015 مـ

نظرة إلى توازنات التركيبة القبلية اليمنية

مع التبدّل المرتقب في الوضع الميداني لتحالف صالح ـ الحوثي
نسخة للطباعة Send by email 
الرياض: د. محمد السبيطلي
على وقع ضربات «عاصفة الحزم» بدأت تظهر بوادر ارتخاء نسبي وتردّد، ومراوحة في المكان نفسه لقوات تحالف علي عبد الله صالح - الحوثي. وهذه التطورات، وما يتوقع أن يليها في الأيام القريبة المقبلة، تمثل بداية تبدّل كبير في الواقع الميداني. فما هي هذه المؤشرات؟.. وماذا يحدث على مستوى الدوائر الحزبية؟.. وماذا يمكن أن يحدث في المحافظات الجنوبية والشرقية والساحلية؟.. وما هو دور قبائل المحافظات الشمالية وبعض الوجاهات والقيادات العسكرية السابقة والمرجعيات الدينية المختلفة؟.. وماذا سيكون مصير حزب «المؤتمر الشعبي العام» المنصة السياسية للرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، مع ورود أخبار عن قبول الأخير وأقاربه الخروج من العملية السياسية نهائيا؟
يلاحظ متابعو المشهد اليمني «المؤتمر الشعبي العام»، الذي كان المنصة السياسية للرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، وجود تململ وقلق متزايد منذ بداية تحالفه مع جماعة الحوثي، ثم مع انطلاق عملية «عاصفة الحزم». ذلك أن الحزب له حضور وكذلك إنجازات تاريخية في بناء الدولة ووحدتها، إلا أنه ربط مصيره منذ ثورة 2011 بمصير صالح. واليوم، بعد كل هذه الأزمات والمآسي والتمزّق في اليمن، بسبب تعنت حلف الحوثي - صالح، والاستخفاف بمستقبل البلاد ووحدتها واستقرارها، أصبح مستقبل الحزب على المحك.
بالتأكيد الرجل (صالح) يناور منذ قدوم ابنه إلى الرياض وتقديمه مبادرة تتمحور حول مصيره السياسي وحماية مصالحه مقابل انقلابه على حليفه الحوثي، مرورًا بما سُمّي بمبادرته بعد يوم من بداية «عاصفة الحزم». قواعد الحزب وكوادره تعيش تحت تأثير صدمتين: الأولى، كانت على وقع ضربات «عاصفة الحزم» التي فاجأت الجميع، لا سيما من حيث ضخامتها وتوقيتها. والثانية، لمّا تسربت أخبار هروب واختفاء صالح، وسعيه لتقديم تنازلات - وإن كانت في شكل مناورة لا أكثر. لذا تدور في أروقة الحزب نقاشات حادة حول جدية وجدوى استمرار التحالف مع الحوثي، وحول مَن يتحمل مسؤولية الدمار الذي لحق بالدولة ومقدّراتها الاستراتيجية، وكذلك حول مصير حزب عريق يقوده رئيس مخلوع.
في الأفق تلوح انسحابات عدّة، بعضها قد يظهر للعلن خلال الأيام المقبلة وبعضها الآخر يحصل بهدوء وصمت. وقد يلتحق كثيرون من كوادر الحزب بأحزاب «اللقاء المشترك» بحسب قربهم الآيديولوجي من هذا التشكيل السياسي أو ذاك. الحزب يمرّ بمرحلة حساسة وخطيرة، وهو أمام خيارات محدودة، لأنه حزب «الرئيس» المؤسس، وحزب السلطة والامتيازات والترضيات. حزب كان يغذّيه صالح بكل النخب التي يسعى لسلخها عن أحزابها الأصلية وإلحاقها به مقابل مناصب ومنافع.
وفي كل الحالات فإن الخيار الأنسب للحزب هو أن يحسم أمر صالح ويلتف حول شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي بوضوح وحماسة، لأن هذا قد يؤدي إلى إنقاذ الحزب والدولة من الانهيار التام، ويضمن له مستقبلاً سياسيًا محترمًا. إلا أن ما هو مؤكد أن الحزب تضرّر كثيرًا، وقد تتعمق أزمته أكثر في المستقبل المنظور، ولن ينقذه سوى بقائه مع الرئيس هادي مثلما كان مع صالح سابقًا.
ومع تراجع أهمية إمكانيات حزب المؤتمر وقدراته على التأطير السياسي وتوزيع المنافع، وأمام انعدام حظوظ مستقبل صالح وابنه سياسيًا، ستعيد الكثير من القبائل التي عُرف مشايخها بانتماءاتهم «المؤتمرية» النظر في ولاءاتها السياسية. وسيكون لذلك تأثير على مجريات الأحداث على الأرض. إن الملاحظ في الأيام الأخيرة أن التحرّكات القبلية تنطلق من المناطق التي لم يُطبِق عليها الحوثيون قبضتهم، مثل المناطق الجنوبية والجنوبية الشرقية. وفي بعض المناطق مثل محافظات البيضاء ومأرب والجوف وإب، حيث القوى القبلية متماسكة ومصمّمة على مقاومة الحوثي، فستكون هناك جبهات تبدأ منها انتكاسات الحوثي وانهياراته عسكريًا.
بصفة عامة، هذه القبائل لا تمتلك السلاح الثقيل، فجلّ ما تمتلكه يبقى من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة التي لن تمكّنها من الصمود أمام قوة تمتلك كل الأسلحة التي كانت بيد الجيش اليمني. غير أن مناوشاتها المتفرّقة من شأنها أن تزيد إرباك الحوثيين وعرقلة تحركاتهم. فماذا سيكون دور القبائل، وعلى رأسها حلف حاشد، وكذلك سكان المناطق الشمالية مثل مديرية أرحب ومحافظة عمران؟
هذه تنتظر مؤشّرات سياسية من بعض الأطراف التي قد تستقطبها من جديد، نظرًا لوجود استعداد للانسلاخ عن تأييدها لصالح. ومن المنتظر أن تبدأ بسحب أبنائها من القتال مع الحوثي، ثم في مرحلة أخرى تنقض على قواته ونقاط التفتيش المرابطة أو المارة بأراضيها، لأنه أخضعها في بداية تقدّمه من الشمال في اتجاه صنعاء بقوة السلاح وبصورة مذلّة. ومن ثم، أجبرها على توقيع ما يشبه اتفاقيات استسلام. في هذه المرحلة سيكون للشخصيات من الوجهاء والمشايخ، وكذلك للعائلات التاريخية، التي ظن الحوثي أنه قضى عليها أو – على الأقل - حيّدها، رغم مكانتها ودورها التاريخي، دور فعّال من جديد. لكن هل يمكن لهذه القبائل أن تحصل على أسلحة ثقيلة؟
ستكون لهذا الأمر انعكاسات خطيرة في المستقبل، باعتبار أن السلاح الثقيل يدخل ضمن اختصاصات الدولة السيادية. وبالتالي، يخشى في ما بعد أن يستخدم في صراعات بين القبائل أو بين القبائل والدولة، لكن لا بد من أن تسندها قطاعات عسكرية متمرّدة على الحوثي وصالح. ولقد بدأت، بالفعل، تظهر في بعض قطاعات الجيش عمليات تمرّد وهروب، ووتيرة ذلك تزداد مع تقدّم عمليات القصف الجوي، وتدمير مراكز القيادة والسيطرة. كذلك بدأت تظهر بوادر تفكك وسخط على القيادة التي دفعت بها نحو مثل هذا الوضع وهذا الحال، وهو الموت من أجل قضية ليست وطنية. والمرجّح أن بعض القيادات العسكرية السابقة التي فقدت مناصبها عند دخول الحوثيين العاصمة صنعاء، وما تلا ذلك، لديها القدرة على إعادة تجميع قواها في بعض القطاعات العسكرية، خاصة في صنعاء وضواحيها والمناطق الشمالية. فالمناخ هناك مهيأ لتمرّد عسكري واسع النطاق تقف خلفه ولاءات قبلية وعسكرية سابقة. ولذا ينتظر أن تُرفَد القبائل واللجان الشعبية والمقاومة ضد الحوثي بقيادات عسكرية ميدانية. أمام كل هذه التطورات، وعلى وقع الخسائر في صفوف الحوثيين من حيث العدد والعتاد والمعنويات، تُلاحظ بوادر انشقاقات داخل صفوفهم، سواءً بين الشق القبلي والشق غير القبلي، أو بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية.. وهذه البوادر لوحظت منذ المدّة السابقة لكنها مرشحة لأن تتعزز وتتعمق. إن الخلافات داخل أوساطهم قائمة إلا أن انتصاراتهم المبكرة وتقدمهم الميداني السريعة معطيات غطّت عليها. إن «الحوثية» حركة فئوية وطائفية لا تمتلك المشروع الوطني الجامع، وهذا عاملٌ كاف لتصدّعها أمام أول تحدٍّ جدّي. وبناءً عليه يتوقّع راصدو المشهد اليمني أن يكون انهيارها سريعًا ومفاجئًا. ثم إن الشعور بوجود خطر جدّي وأكيد على قواعد الحوثيين في صعدة، خاصةً المواقع التي تتحصّن بها قياداتهم السياسية، سيدفعهم إلى الانسحاب من المناطق الأخرى والتجمّع للدفاع عنها.. وهذا الانكفاء يعني الانهيار الحتمي. وهكذا، ينتظر حصول انشقاقات داخل المعسكر الحوثي نفسه، ستكون بدايته بانسحاب المتحوثين لأسباب مصلحية بحتة دون أدنى قناعات آيديولوجية أو ارتباطات تنظيمية وعقائدية.
ناحية أخرى تستحق الإشارة، هي أن الأحداث تتجه نحو التنويه العلني للفصل بين أتباع المذهب الزيدي وعلمائه عمومًا وأتباع الحركة الحوثية، والتأكيد على أن الحوثية تمثل أدلجة للمذهب ولا تمثل حقيقة المذهب ذاته. ولقد ظهر هذا في تصريحات بعض العلماء اليمنيين الذين نصحوا الحوثي بفك الارتباط مع إيران والكفّ عن الهروب إلى الإمام، وسلوك طريق التعقل والتفكير في مصلحة البلاد ومصلحة المذهب ومصلحة الفئة التي يزعمون تمثيلها، وذلك لأن سلوكه هذا سيولّد أحقادًا لن يكون تراكمها في مصلحتها أبدًا. وإلى هذا يتجه بعض كبار علماء الزيدية غير المؤدلجين، الذين في النهاية همّشهم الحوثي، من الساحة التي سيطر عليها بعض صغار فقهاء المذهب وبعض الوجوه البارزة سابقًا مثل مرتضى المحطوري الذي قضى في تفجير مركز بدر منذ أيام.
إن انهيار الحوثي وتفكك القطاعات الموالية لعلي عبد الله صالح وأقاربه، ومن ثم تفسّخ حزب المؤتمر، سيخلّف تداعيات أبرزها وأخطرها حدوث فراغ سياسي وإداري يجب التفكير بشكل جدي في كيفية ملئه كي لا تحدث الكارثة بظهور كيانات انفصالية ومناطقية خطيرة.

* باحث في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية - الرياض