الاستحقاقات الوطنية و رهانات الثّورة والثّورة المضّادة.
تستقبل بلادنا استحقاقات وطنيّة هامّة ( تشريعيّة و رئاسيّة ) تستدعي من القوى الثّوريّة و الوطنيّة و الإسلاميّة المعتدلة رصّ الصّفوف و توحيد الأهداف و التوافق على الأولويات و الامتناع عن إثارة ما من شأنه أن يثير الفرقة بين هذه الفصائل و يستدرجها إلى معارك مغلوطة تكون بالضرورة نظرا لدّقة المرحلة على حساب المصلحة الوطنية العامّة و لصالح قوى الثّورة المضادة المدعومة بالمال الفاسد و الإعلام المرتبط به و قوى الهيمنة في الدّاخل و الخارج الرّاغبة في وضع يدها أكثر فأكثر على خيرات بلادنا. إنّ الإيمان بهذا الوطن يفرض على هذه القوى التوافق على ميثاق سياسي وطني تنطلق منه و تستصحبه و تستنير به في حملتها الانتخابية تكون خطوطه العريضة مُكتنزة في احترام السيادة الوطنيّة والعمل على محاربة الإرهاب و استتباب الأمن و بناء دولة القانون و المؤسسات الدستورية و إيلاء التنمية الجهوية المكانة التي تستحق لتحقيق حدّ أدنى من التوازن التنموي بين الجهات الفقيرة و الغنية نسبيّا كمدخل أساسي لتكريس عدالة اجتماعية بين كلّ فئات المجتمع و الالتزام بالشّفافية و الديمقراطيّة في تسيير الشّأن العام لبلادنا و خاصة في مثل هذه المناسبات المصيريّة في تحديد مستقبل بلادنا السّياسي و الاجتماعي. كذلك العدالة الانتقالية ينبغي أن تكون إحدى أولويات هذا الميثاق . و من المطالب التّي على الأحزاب الوطنيّة أن تطرحها بكلّ جدّية هو إعادة النظر في الاتفاقيات الدّوليّة و خاصة في مجال الطّاقة ، و ليكن ذلك بكل وضوح في اتجاه حمايتها من التلاعب ، بل في اتجاه تأميمها لصالح التنمية و توفير مزيد من مواطن الشغل و تكريس سيادتنا الوطنية . كذبة كبرى أوهمونا بمقتضاها أن بلادنا فقيرة و لا موارد لها تُذكر على امتداد ستين سنة ، ينبغي أن نضع لها حدّا ، و على الحكومة القادمة أن تصارح الشّعب بالحقيقة و تعيد الحق لأهله . كذلك الامتناع ، بل تجريم التطبيع ، مع المنظومة القديمة و كلّ مشتقاتها و صورها الجديدة ، يجب أن يكون بندا أساسيا من بنود هذا الميثاق السياسي. فالجلاّد و الضحية كائنان لا يستويان أبدا في كلّ الثورات التي عرفها العالم قديما و حديثا ، و بناء عليه لا ينبغي أن تشّذ ثورتنا عن هذا القانون ، و إلا فَسَنُعَرِّضُ ثورة 17ديسمبر ، 14 جانفي 2011 خصوصا و الرّبيع العربي عموما للاحتواء و الانتهاك و الانحراف و إفراغه من رسالته الإنسانيّة و الحضاريّة. إن الالتزام ببنود هذا الميثاق و صناعة رأي عام حوله و توجيه الإرادة الشعبية نحو تبنيه هو وحده كفيل بسحب البساط من تحت أقدام قوى الثّورة المضادة و عزلها تماما مهما استقوت علينا هذه الأخيرة بالمال الفاسد و العمالة للأجنبي. إن ميثاقا من هذا القبيل هو شرط أساسي لنجاح القوى الثورية في الاستحقاقات القادمة ، و للأحزاب داخل هذا الميثاق أن تقدم و تؤخر حسب اجتهادها و تقديراتها الحزبيّة من تلك الأهداف و البنود و المطالب و الأولويات . فالمعركة لم تعد تقليديّة بين يمين و يسار كما كانت قديما ، و إنما هي معركة بين قوى ثورية و وطنية و قوى رجعية ظلامية مرتهنة للخارج تريد العودة بنا إلى عهود الاستبداد و الحزب الواحد. ومعركتنا اليوم مع التنظيم العالمي لقوى الثورة المضادة موضوعها الأساسي هو العدالة الاجتماعية و الانتقال الدّيمقراطي و سيادة المواطن و بناء الوطن.
إن الواجب الوطني يقتضي من قوانا الثّورية ، و إن اختلفت العناوين ، أن تتوحد و تتضامن و لا يهم كثيرا من سينتصر منها و يفوز بالأغلبية في البرلمان القادم ، فالوطن هو الأصل وما الأحزاب إلا وسائل لخدمة هذا الوطن ، فلنكن يقظين و منتبهين حتى لا تطغى الوسائل على الأصل فيضيع الوطن لا قدّر الله و نضيع معه جميعا .
باريس 7سبتمبر 2014
مصطفى عبدالله الونيسي
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire